صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

500 يوم من الحرب مناصفة بين مناطق سيطرة الجيش والدعم السريع (١)

182

 

أبوعاقله أماسا
* موقفي من الجيش غير قابل للمزايدات، فهو موقق مبدئي يستند إلى يقين راسخ بالوطن نفسه، لا ترتبط بآيدولوجية سياسية ولا حزب ولا جماعة، لذلك كانت آراءنا في بعض المواقف لاتحظى بقبول البعض، وعلى سبيل المثال كتبنا رأينا في مسألة احتضان الدولة للمليشيات ورعايتها جنباً إلى جنب مع الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، وظللت كذلك أكتب عما تمخض عن تلك الإزدواجية، خاصة وأن هذه المليشيات وعلى رأسها الدعم السريع كانت قائمة من لبنتها الأولى على فكرة قبلية وعنصرية وجهوية لا تنسجم مع دعوات الوحدة والتنمية، فطبيعة هذه المليشيات أنها ضد هذه الأشياء بالفطرة، ولديها خلفيات تأريخية تثبت ما ذهبنا إليه..!
* من بين مايربو عن المائة مقال جزء كبير منها نشرت قبل الحرب، لم أكتب رأياً إيجابياً في مصلحة الدعم السريع إطراءً أو إشادة من بعيد بأحد قادته، وليست لدي علاقات إلا بأفراد منهم وهي علاقات تعود لفترة ما قبل إنشاء هذه القوات وتطورها.. كما لم أشارك في أي منشط نظمه الدعم قبل وبعد الحرب، وكانت كل المقالات بنسبة ١٠٠٪ نقداً لقوات حميدتي وتصرفاتها وتأييداً لقوات الشعب المسلحة ومناصرة له، ومع ذلك لدي تجربة تستحق أن تروي للعبرة أولاً وإظهاراً لبعض الحقائق التي ظللنا نمسك عنها لتقديرات تقبل الصحة والخطأ.
* سبعة أشهر بالتمام والكمال قضيتها في محلية كرري، ومنزلي هناك في آخر نقطة ومنها يبدأ حرم منطقة واحدي سيدنا العسكرية، وللحقيقة أيضاً فإن ٩٠٪ من محلية كرري لم يروا منسوبي الدعم السريع بأعينهم طيلة السبعة أشهر التي قضيتها هناك، لأن المعارك كانت بعيدة ومحلية كرري عامة لم تكن مسرحاً للمعارك إلا في بعض الحارات الغربية منها، ومع ذلك كان أفراد منسوبون للجيش يسألوننا في المعابر عندما نسافر إلى شندي وعطبرة وبورتسودان رغم أن المستندات تحمل بوضوح مقر السكن (الحارة ٧٦ شمال- القدس).. ومن المفترض أن أي رجل استخبارات على علم بهذا الموقع.. وإلا كيف سيعرف أماكن انتشار العدو المفترض..
* خلال سبعة أشهر قضيتها في مناطق سيطرة الجيش سافرت إلى شندي ثلاث مرات لأسباب مختلفة، ثم إلى عطبرة وبورتسودان وفي كل سفرية كنت أرى في المعابر ما هو غير مبرر من النواحي الإنسانية وتشدد وتصرفات تدل على ضيق الأفق وقلة المعرفة والتدريب، وعندما اشتد القصف على منطقة وادي سيدنا العسكرية وقد كان مصيرنا مرتبطاً بها لقرب المسافة، قررت السفر مع أبنائي إلى الجزيرة.. منطقة أبوعشر التي ولدت ونشأت وترعرعت فيها والنزول في البيت الكبير.. وحتى تلك اللحظة ما كنا نتوقع أن تكون الجزيرة في يوم من الأيام تحت سيطرة الدعم السريع، ومجرد التفكير في ذلك كان كابوساً لا يحتمل، ففي الجزيرة قيادة الفرقة الأولى ومئات الآلاف من المستنفرين والمجاهدين الجاهزين لمساندة الجيش عن حدوث أية اشتباكات.. ولكن في الجزيرة سارت الأمور في اتجاه معاكس تماماً لكل التوقعات، حيث كانت مجموعات من الدعم السريع تتوغل إلى مناطق داخل الجزيرة وتعتدي على المواطنين في كاب الجداد والسديرات والباقير والمسيد والنوبة والمسعودية، وكل هذه المناطق تقع داخل حدود ولاية الجزيرة والفرقة الأولى مشاة.. ومع ذلك لم نر ردة فعل واضحة للتصدى والدفاع عن حدود الولاية، ولحسن ظننا في الجيش كنا ننتظر (غضبة الحليم).. ولكنها لم تأت أبداً..!!
* تضاربت الأقوال عن تمدد الجيش إلى منطقة (ألتي) التي تفصلنا عنها حوالي (٤٠) دقيقة فقط، وانتشرت الشائعات وبثت الرعب.. وكنت حتى تلك اللحظة أراهن على يقين أن الدعم السريع لن ينال من الجزيرة وإن حاول.. ثقة في قادة الجيش ومكوناته من إستخبارات وغيرها، رغم أنني كنت قد أشرت في بعض كتاباتي عن رحلة العودة وزيارتي إلى مدني مرتين عن بعض الثغرات على الطريق وانتشار الرشوة في المعابر.. وقد كانت تلك ظاهرة مقلقة.. لأن المرتشي لا يقاتل..!!
* سارت الأمور في انحدار حتى عشنا لحظة لن نعيش أقسى منها ماحيينا، لحظة إنسحاب دفاعات الجيش من ودالترابي وعبورها أمامنا.. ودخول قوات الدعم السريع.. ووقتها تحولت كل مدن وقرى شمال الجزيرة إلى بيوت عزاء تفتح على بعضها، والناس مابين صامت ومغلوب على أمره وغاضب وفاقد الثقة في كل شيء، ومحتار ومندهش لما حدث ويحدث أمامه، بينما كانت الحقيقة المرعبة أمامهم أن الجيش قد انسحب وسيطر الدعم السريع على مناطقهم، وأصبح كل فرد يخمن كيفما جاد خياله عن المصير الذي ينتظره من قتل وحرق واغتصابات وغيرها من الأفعال التي تحدث في مناطق الجيش وتنقله الوسائط..!
* الأيام الأولى كانت ثقيلة بمعنى الكلمة.. معظم الناس التزموا بمنازلهم، انقطعت الحركة في كل الشوارع وحدثت الفوضى في الأسواق ونهبت قبل وصول الدعم السريع.. وبدأ المستطيعون في مغادرة المدينة والمناطق المجاورة جماعات وأفراد.. أما أنا فقد سلمت أمري لله وأودعت أسرتي عنده وبقيت أنتظر مصيري بكل تأريخي المعادي لهم.. كان اليوم عندي بحساب قرن من الزمان.. مع قلق وتفكير لا ينقطع الأسئلة تترى.. هل ننزح من أبوعشر مجدداً؟.. وإلى أين؟.. إذا كنا قد خسرنا كل ما نملك من مال واستعنا بأصدقاءنا لكي نخرج من مناطق القصف بالدانات قبل شهر ونصف فقط… بمن نستعين الآن لنهرب من مناطق الدعم السريع.. وبعد تفكير طويل ومضني قررت التوكل على الله والبقاء في بيتي.. وموقع بيتنا الكبير على طريق الخرطوم مدني، وقد اختارت قوات الدعم السريع التي ارتكزت في مدينتنا بيت جاري اللواء أسامه العوض ليكون الإرتكاز الرئيس للمنطقة..

 

 

*نعود ونواصل في الحلقة القادمة لنرى كيف سارت الأمور بعد ذلك..وكيف كان التعامل عندما تعرفوا علي؟*

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد