صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

500 يوماً في مناطق الجيش والدعم السريع (٦)

220

 

أبوعاقله أماسا
* مع القصف المدفعي العشوائي على أحياء شمال أم درمان، لم تكن الأمور تمضي على مايرام في كل النواحي.. أولها الإقتصادية، ومرت كل الأسر بظروف بالغة التعقيد في سبيل توفير لقمة العيش اليومية، وانتشر المزيد من المهن الهامشية وأطعمة الشوارع، وأصبحت الشوارع الكبيرة عبارة عن أسواق ممتدة تعرض فيها كل شيء على الأرصفة وتحت أشعة الشمس اللاهبة، وانتشر ما يسمى بأسواق (دقلو) لبيع المسروقات، حتى في الأحياء المتاخمة للمنطقة العسكرية، مثل الحارة (٧٦) الإسكان آخر الزلط، وسوق الخدير في الحارة (٤٨)وفي سوق صابرين المشهور.
* بعد أشهر من بداية الحرب إكتشف الناس مخازن عملاقة في غرب أمدرمان في اتحاه سجن الهدى.. قالوا أن الدعم السريع كان أول من اقتحمها، ولكن- للأمانة- حدث الهرج والمرج بعد عدة إشتباكات بين الطرفين وارتكاز الجيش بمنطقة (بئر حماد).. وبعدها أصبحت هذه المخازن هدفاً لضعاف النفوس من المواطنين الذين يقصدونها من الصباح الباكر فيعودوا آخر النهار بالكثير من المواد التموينية من سكر وفول وعدس وأرز وغيرها من أشياء كان بعضها معد للصادر، وبعضها كانت عبارة عن مخازن مملوكة لكبار التجار والمستوردين والمصانع والمؤسسات..!
* في تلك الأجواء كانت بعض الأسر تجاهد من أجل تحاشي السلع المسروقة وكان أمراً شاقاً لإختلاط الحابل والنابل وصعوبة التمييز وكان البعض يبحث عن فتاوي تجيز شراء المواد الغذائية.. وجزء آخر من المواطنين رفضوا مبدأ التعامل في هذه المواد بإعتبار أنها تخص أفراد مواطنين مثلهم.. وفي الأثناء صرح بعض المسؤولين في الدولة بأن كل مواطني الثورات وخاصة في غربها قد شاركوا في نهب مخازن غرب أم درمان والسوق الكبير، وهو ما سبب حالة من الغضب وسط المواطنين ودفع بعضهم للنزوح من الثورة، أما نحن فقد كانت كل الظروف ضد بقاءنا بأم درمان، في ظل النداءات المتكررة من الأهل في الجزيرة.. وبهذه المناسبة واجهتنا صعوبة بالغة في إقناع الناس بأن مناطق الثورات لايوجد بها أثر للمتمردين من الإسبوع الأول من الحرب.. وكان البعض يتهموننا بأننا متعاطفين مع الدعم السريع لأننا لم نخرج من العاصمة أسوة بأبناء منطقتنا الذين عادوا إلى المدينة بعد سنوات طوال..!!
* الأوضاع الإقتصادية حاصرت أحلامنا في حدود المأكل والمشرب، وأصبحنا لا نفكر في شيء غير ذلك.. وكنا في أوقات الحاجة نبحث عن أي عمل يوفر القرش الحلال.. عملنا في إفراغ مخازن البضائع في المنطقة الصناعية الجديدة في عز الإشتباكات، وك(حمالين) في ثلاجات البطاطس لشحنها في السيارات لنقلها إلى المناطق الآمنة، وفي تلك الفترة عايشنا الحرب على أشدها، ورأينا ما رأينا من مآسي وعبر.. وأخذنا كفايتنا من الإندهاش والصدمات والحزن والأسى وعرفنا تماماً أنها الحرب بوجهها الكالح.. وتأكدت يقيناً أنه في مثل هذه الحروب يصعب الحديث عن حدود للتفلتات ونطاق معين للسلوك البشري الجانح، وخرجت من هناك بإنطباع وقناعة بأن قوات العمل الخاص هو المستوى الذي كنا نتمناه للجيش .. وعندما لاحت أول فرصة لمغادرة الخرطوم نحو الجزيرة اغتنمناها وغادرنا لكي ننضم لأهلنا في الجزيرة..

 

غداً نعود ونواصل

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد