متلازمة ’’هجم النمر’’.. كما في رواية ’’محمود الكذاب’’.. عن الانقلابات العسكرية ’’الفاشلة’’ و’’المجهضة’’ في سودان ما بعد ’’البشير’’, والتي وصلت الى الرقم خمسة, ولله المنعة, جعلت الشعب السوداني يتلقى هذه الانباء بعدم اكتراث ظاهر.. لان تعامل المسئولين مع الانقلابات السابقة وقادتها ’’المفترضين’’ لم يكن يتناسب مع الجرم المرتكب.. علاوة على ان اعلان اسماء مدبري ومنفذي الانقلاب, ذات نفسه, كان من الاسرار الحربية التي تعامل معها المجلس العسكري بضبابية شديدة تستحق, بدون شك, التعامل معها بشيء من عدم الاهتمام.. واللا احترام.
هذه المرة.. إختلف الامر.. نسبياً.. وتعامل المجلس العسكري مع المحاولة التي قادها رئيس هيئة الاركان المشتركة الفريق اول ركن ’’هاشم عبد المطلب’’, بتكتيك جديد استصحب فيه ما ردده الشارع اثناء الانقلابات الماضية, حاليا تم الكشف عن قائمة من الاسماء, تقدمها رئيس هيئة الاركان, اضافة الى واجهة سياسية, معلومة, تم الاعلان عنها بشكل شفاف الا وهي ’’الحركة الاسلامية’’ وابنها الشرعي ’’المؤتمر الوطني’’.. هذا ’’اللعب المكشوف’’ يؤكد اول ما يؤكد بان ايام ’’شهر العسل’’ ما بين المجلس العسكري وقادة النظام السابق قد انتهت, وان كان البعض منا, يقول بان العلاقة لم تكن تعبر عن أي ’’شهر عسل’’ حقيقي بقدرما هي ’’شهور عدة’’ يحاول المجلس العسكري الخروج من قيودها باستقطاب جديد.. يعيد له بعضاً من المساحات التي افتقدها في الشارع السوداني.. لذلك حاول ’’خطب ود’’ الشارع بمقتطفات من ’’البيان الاول’’ الداعي, حسب اعلان المجلس العسكري عبر التلفزيون الرسمي, لحل المجلس العسكري وتعيين مجلس انتقالي جديد.. وان تدير القوات المسلحة شئون البلاد لفترة لا تقل عن عامين.. لا اقصاء فيها ولا ابعاد فكري لأحد الا ما تقتضيه العدالة.. ولعل المجلس اختتم بث البيان بهذه الكيفية ’’المقتطفاتية’’ لكي يرسخ للكافة بان الانقلابيين الجدد يمثلون النظام ’’البائد’’.
المجلس العسكري لم يكن في عجلة من امره حتى يقوم ببث ’’مقتطفات’’ فقط من البيان الاول لاضخم محاولة انقلابية اكتسبت اهميتها من رأسها الذي يمثل رئاسة هيئة الاركان ومعه مجموعة من قيادات الصف الاول في الوحدات العسكرية, فمن الغرابة بمكان ان يفشل انقلاب مثل هذا.. يؤمه عدد كبير من الفرقاء واللواءات والعمداء.. مازالوا في الخدمة العسكرية.. ملمون بكل التفاصيل اليومية للجيش السوداني, تحركاته, ثكناته, وعدته وعتاده.. الامر الذي يفتح الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول صدقية العملية التي اختار المجلس العسكري من ’’بيانها الاول’’ ما يريد ساعياً الى إلباسها ثوب ’’الحركة الاسلامية’’ وابنها الشرعي ’’المؤتمر الوطني’’.. مع ان ’’البيان الكامل’’ اظهر عداءً كاملاً وواضحاً لحزب ’’الشتات الوطني’’ الذي تم حله, حسب البيان, ومصادرة كل امواله وممتلكاته لصالح الدولة مع اعتقال رموزه وكل الذين تحوم حولهم تهما بالفساد.. فهل يا ترى اراد المجلس العسكري كسب الشارع باخفاء مثل هذه المعلومات المهمة لكي تبدو المحاولة كثورة مضادة للاجهاز على مكاسب الشعب وثورته ؟ ام ان المجلس اراد ان يضرب عصافير عديدة بطلقة واحدة فيتخلص من خصومه ’’المعلنين’’ في القوات المسلحة, واعداءه ’’المستترين’’ من قادة النظام السابق, مع انه, أي المجلس العسكري, في ايامه وشهوره الاولى بذل لهم من العناية والحماية.. ما صور به المشهد برمته كمسرحية هزلية سيئة الاخراج.. اشبه بتلك التي رسمها الشيخ الراحل ’’حسن الترابي’’ وجسد فصولها عمر البشير.. ’’اذهب الى القصر رئيسا وسوف اذهب الى السجن حبيساً’’.
عموماً الاحتمالات مفتوحة امام سيناريوهات عديدة.. الوضع في الشارع العام لا يحتمل أي ’’مماحكات’’ او عروض جديدة على خشبة ’’المسرح السياسي التجريبي’’ الذي يدفع كلفته الشعب السوداني من صبره وقدرته على الاحتمال.