والتمكين معروف..
وهو الذي مارسه نظام الإنقاذ – في أبشع صوره – طوال ثلاثين عاماً..
وحفيد سلاطين يتسكع في الخرطوم..
هذا ما قاله (راصد السبت) – بصحيفتنا هذه – في عدد الأمس..
طيب ما العلاقة بين حفيد سلاطين وبين التمكين الذي جعلناه عنواناً لكلمتنا هذه؟..
العلاقة أن رودلف سلاطين باشا كتب عن تمكين الخليفة..
وكيف أن تمكينه هذا بلغ حداً صيَّر غالب السودانيين معارضين له…بل وكارهين..
ومن ثم دفعهم دفعاً لمباركة الغزو الثنائي بقيادة كتشنر..
ومن قبل ذلك مجزرة الخرطوم التي قال سلاطين إن وراءها خليفة المهدي..
وقال الشيء ذاته نيوفلد…وأوهرولدر…ونعوم شقير..
وكثير غيرهما من المؤرخين الأجانب لتلك الحقبة…وبعض نظرائهما السودانيين..
والبعض الآخر غلبت عليه العاطفة…فشوه الحقائق..
وظلم الأخ إن تجاوز حدود التحمل فقد يظاهر المظلوم عدو أخيه…ولو كان أجنبياً
والحقيقة إن لم تُذكر كما هي لا تكون حقيقة..
لا تكون إلا تزييفاً لها بفعل العاطفة…أو الغرض…أو المرض ؛ والتزييف كذب..
وحيثما وُجد التمكين وُجدت مساوئ الشمولية..
وُجد الكبت…والسجن…والتعذيب…والقتل…والفساد…و(ما أُريكم إلا ما أرى)..
والبارحة قال عرمان – عبر صحيفتنا هذه – (لا لتمكين آخر)..
أي لا نريد تمكيناً جديداً باسم الثورة بعد أن زالت الإنقاذ…ويجري تفكيك تمكينها..
وذلك على خلفية لقاء حمدوك – غازي..
ثم صراخ الكثيرين بأن لا لقاءات مع رموز العهد البائد..
والتمكين مرفوض ؛ نعم..
ولكن تفكيك التمكين السابق أمرٌ لابد منه لتأمين الثورة..
كما لابد من إدارة حوار مع الذين قالوا لا في وجه البشير…من قادة حزبه..
ثم دفعوا ثم ذلك إبعاداً…وتهميشاً…وتضييقا..
فلا أرى سبباً – إذن – لكل الغضب هذا إزاء اللقاء المذكور من تلقاء بعض الثوريين..
تماماً كما لم ير عرمان سبباً له..
بل إن من الذكاء تجنب عداوة عدو عدوك…ولو كان صديقاً له حتى الأمس القريب..
وغازي كان صديقاً للإنقاذ…ولكنه غدا عدواً لها..
وكثيرون مثله أيضاً ؛ رفض البشير محضهم النصح له بألا يترشح…ولا يتجبر..
فناصبهم العداء…وسدر في غيه إلى أن دفع الثمن غالياً..
وكذلك دفع الخليفة ثمن إفراطه في الظلم…والقهر…والتمكين…وإعدام الناصحين..
ومن ضحاياه سلاطين الذي حفيده الآن بالخرطوم..
فقد كان يُذله…ويتلذذ بهذا الإذلال ؛ ويرفض نصائحه له بشأن ضعف جيشه..
ضعفه من حيث التكتيك…والعتاد ؛ لا العدد..
وكذلك الذين هم أسرى لعواطفهم يرفضون الحقائق المجردة…في كل زمان ومكان..
مثل رفضهم حديث عرمان عن لقاء حمدوك – غازي..
وعن التمكين !!.