# من يفهمون جيدا في كرة القدم، كانوا ومازالوا يعرفون بأن القمة السودانية ستظل بعيدة عن منصات التتويج الافريقية والعربية، طالما أن هناك فرقا من دول مزقت تلك الفواتير الصغيرة ولم تعد لقمة العيش وما جاورها من “مشاريب” من ضمن الهموم اليومية التي تضرب لأجلها اكباد الإبل.
# كذلك الذين يملكون الحد الأدنى من مفاهيم السياسة والاقتصاد وحركة المجتمعات ونهضتها، وفق قراءات محددة ومعطيات ظاهرة، كانوا يقرأون ملعب الأحداث السياسية بالقدر الذي يقفز بهم إلى المآلات التي كان يجب أن نخافها ونخشاها..
# بالأمس عادت المواكب وقبضات الأيادي التي تسافر في الهواء الطليق لكي تعود خائبة، المتاريس التي انتظمت في الخرطوم وبحري وام درمان، ولجان المقاومة التي تردد “اصحى يا ترس” والاطارات المشتعلة، عادت كل المظاهر التي تصلح مقدمة للإعلان الرسمي بأن السودان دولة فاشلة تحتاج لتغيير شامل يفضي إلى تغيير المواطن مثلما يتم تغيير العملة النقدية والملابس الداخلية.
# بتاريخ لا اذكره، ربما بُعيد التوقيع المبدئي على الوثيقة الدستورية الذي تم بين حميدتي وأحمد الربيع، حيث تغطت الخرطوم بالاحتفالات وماجت الشوارع بالغناء وكأننا ليس في السودان الذي لا نعرفه، خرجنا على سبيل المكاواة للكيزان لا أكثر ولا أقل، كانت احتفالاتنا ردا على “نافع الحس كوعك” والفاتح “زفت الطين” وهانحن نخرج على استحياء ونخجل من أن نقول “ضاق بنا الحال” فلم نجد الا ملازم أول في الجيش لنقول اننا خرجنا من أجله.. لم “تقسم ماكينة” شكرا حمدوك فلا حياء من التمسح في كاكي محمد صديق.
# في ذلك اليوم المعلوم كتبت: “ليس من حقنا.. ولا ينبغي لنا.. ان نصادر فرحة شعبنا السوداني الكريم.. بالاتفاق الذي تم توقيعه امس الاحد.. بالأحرف الأولى لطرفي المعادلة السياسية في السودان.. المجلس العسكري الانتقالي.. وقوى إعلان الحرية والتغيير.. لن نصادرها بتاتا لأنها فرحة عفوية.. نابعة من القلوب.. وأن بدت حالمة ومتسرعة.. كتلك الفرحة التي عمت الشوارع بسقوط نظام البشير.. ثم تراجعت سريعا بعد أن اذاع وزير الدفاع عوض ابنعوف بيانه الأول… ثم جاءت الفرحة ثانية.. بذات الالق والعنفوان لتقدل في شوارعنا مع بيانه الثاني الذي تنحى فيه.. مفسحا المجال لعبد الفتاح البرهان عبد الرحمن.. وهو رئيس المجلس العسكري الحالي الذي استبشر به الناس وقتها.. لبرهة.. ثم انقلبوا عليه كفاحا.. وهتافا.. “برهان مالو.. الجابو منو.. جابو الكيزان”.. والهتاف معلوم لديكم بلا نقص او تجاوز.. صحيح أن ذلك كان في اوان مضى.. وقد تحرك القطار إلى الأمام.. متجاوزا محطات كثيرة وسندات عديدة.. مقتربا من وجهته الاخيرة وهي التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية.. وتعيين رئيس مجلس الوزراء… وحكومته… متى توقف القطار هنا واستراحت عجلاته.. وقتها من حقنا أن نفرح بعودة ليل الفرح.. نملأ الشوارع هتافا.. ونكتب على الغيوم المسافرة تلك الأمنيات التي طالما سكنت الأحداق.. والأهداب والرموش.. مبشرة بالسودان الجديد.. اما غير ذلك فستكون فرحتنا اليوم.. اشبه بتلك الأفراح التي كانت مثل “شبع البطيخ” او تلك التي تغنى بها سلطان الجراح الفنان الراحل هاشم ميرغني.. (والفرح في دربي عارفو اصلو ما بيطول كتير..).. لا نريد الفرح الذي يتبدد سريعا على اجنحة الحسرة.. لذلك ندق ساعة الحقيقة بنداء انتبهوا.. انتبهوا لانكم لم تجنوا شيئا بعد.. يستحق كل هذا الابتهاج.. المشوار مازال طويلا لتحقيق المطالب.. واقامة الدولة المدنية التي نريد.. دولة العدل والمساواة ومجتمع الكفاية والسلام.
# لا نريد لشعبنا بأن يكون “رهينة” عند عاتيات الظروف.. ولا “وديعة” عند الكساح والرياح.. يميل حيث تميل..عليه أن يكون حصيفا ومراقبا لما يجري وقيما عليه.. بدلا من القيام بدور مشجعي كرة القدم في المدرجات الشعبية.. اليوم مع الفريق .. واللاعبين لأنهم احسنوا وانتصروا.. وغدا ضدهم لأنهم أخفقوا وانتكسوا.. يجب الا نستعجل حتى تمضي سفينتنا إلى مرافئ الفرح الذي نستطيع أن نلمسه كشيء حقيقي.. شيء يمشي أمامنا.. يدخل بيوتنا (يملانا ريد.. وعمر جديد) .. لا فرح قابع في الأوراق تحركه الظنون.
# بالأمس رقصنا في الشوارع واحتفلنا ولكن ينبغي أن نقف هنا.. وننتظر.. نحن لا نريد أن نحبط أحد أو نزجر طيرا بنحس يمر بكم.. ولكن نريد أن نبقي بيننا على مساحة من التوازن النفسي والعاطفي لكي لا نبكي غدا على كل هذا الفرح المسكوب.
# انتهى المقال ولم تنته القصص الموجعة و… “لا حلوة الصدف.. ولا سمحة الظروف” التي تجعلنا طويلا “مكانك سر”.