صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

عندما كانت الفينا مشهودة..

169

مذاق الحروف

عماد الدين عمر الحسن

عندما كانت الفينا مشهودة..

من منا كان يستشعر النعمة التي يعيشها عندما يعود الي منزله مساء كل يوم بعد قضاء اعماله وفراغه من شغله ، من منا كان يعرف ان مجرد وجود هذا الظل الذي سيأوي اليه والسرير الذي سيضع عليه رأسه هو اكبر نعمة وفضل من الله يستحق الشكر عليه ، الواقع اننا كنا نفعل ذلك بشكل تقليدي وروتيني ، نفتح الباب وندخل فنتمدد وننوم ثم نستيقظ غير مدركين لحجم العطاء الذي نلناه بوجود ذلك الامان الذي يوفره البيت . وكل البيوت في ذلك سواء ، القصر والبيت العادي بل وحتي العشة الصغيرة ، كلها قادرة علي توفير ذلك الامان ، وهذا الحديث قد عرفه تماما اهل الخرطوم الذين تفرقوا علي الولايات بحثا عن هذا الامان ، خاصة من نزح منهم عند اقارب او معارف لأنه لم يستطع الي الايجار سبيلا .
كثيرة هي القصص التي يرويها بعض النازحين عن تذمر اصحاب البيوت منهم وعدم القبول بوجودهم ، وتتفاوت حالات عدم القبول هذه فتمتد من مرحلة ( لوي البوز ) الي المطاعنة في الكلام ، بل وقد تصل الي درجة الطرد من المنزل .
أما الايجارات فحدث ولا حرج ، فقد بالغ اصحاب العقارات ورفعوا الاسعار الي مبالغ خرافية لايستطيعها الانسان حتي في ظروفه العاديه فكيف بمن فقد كل ماله ومصدر دخله بسبب الحرب .
من يصدق أن قضاء ليلة واحدة في فندق اكثر من عادي في مدينة عطبرة يكلف اربعين الفا من الجنيهات ، وان منزلا يتكون من غرفة واحدة وحمام بدون مطبخ يؤجر بمليون جنيه لمن استطاع اليه سبيلا .
لا اجد اسبابا لذلك غير الجشع واستغلال الغير ، فنفس هذا الفندق قبل الحرب كانت الغرفة فيه توجر بعشرة الاف لليلة ، وكان صاحبه يحقق ارباحا من تلك القيمة ، وإلا لما استمر في العمل ، ولا زيادة حدثت في تكاليف التشغيل ، فما الذي حدث غير الجشع والاستغلال .
من كل ما سبق نخلص الي نتيجتين ، الثانية ان الانسان لا يعرف قدر النعمة التي يعيشها الا اذا فقدها ، أما الاولي ان تغيرات كبيرة قد ضربت ابناء هذا البلد في صفاتهم وأخلاقهم فتحولوا من درجة ( الفينا مشهوده وعارفانا المكارم ) الي تجار أزمات من الدرجة الاولي والله المستعان …

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد