صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

هذا السودان المتناقض (٢)

85

 

من قصة إنسانية إلى مسألة سياسية أمنية..!!

أبوعاقله أماسا
* كانت محاولة لتقديم خدمة إنسانية لشاب في مقتبل العمر، لا يتجاوز العشرين، يعاني من هزة نفسية جراء حادثة عانى من آثارها لأكثر من عشر سنوات، وبدأت قصته مع بداية هذه الحرب اللعينة، عندما أراد أهله أن يبعدوه من مناطق الإشتباكات، فأرسلوه إلى أبناء، عمومته في الجزيرة وبينهم وعائلتي علاقات نسب متفرعة، وبعد أن قضى بها ثمانية أشهر حدث الإنهيار واجتاح الدعم السريع ولاية الجزيرة وتطورت الأمور على نحو لم تصمد معه أعتى العائلات وأكثرها استقراراً من النواحي الإقتصادية، وبدأت بعض الأسر الميسورة تغادر الولاية إلى مناطق أكثر أمناً، بعضها من تعرض لمواقف واحتكاكات مع الغزاة والتتار الجدد، وأكثرها نزحت إحترازاً وخوفاً من الإنتهاكات، ولكن بطل قصتنا لم يكن مؤهلاً لاتخاذ القرار الصحيح أو المناسب، لأن التعقيدات كانت أكبر من مستوى إدراكه وتفكيره، فبقي في مدينة أبوعشر يتجول بلا رقيب أو حسيب او حتى ناصح، حتى رأيته ذات مرة بصحبة مجموعة من المستنفرين مع الدعم السريع، وتكرر المنظر مرتين، وقبل الثالثة استدعيته إلى منزلنا وسألته، هل استنفرت مع الدعم السريع؟.. نفى ذلك وقال أن القائد وعده بالتجنيد وهو يتطلع لذلك حتى يجمع مايساعده على السفر واللحاق بأهله الذين انتقلوا من أمبدة إلى الثورة.
* كنت أعرف أن مايفكر فيه هذا الشاب يعتبر (كبيرة) من الكبائر عند أهله، وأنه في الواقع لن يفيد الدعم السريع إذا انضم إليه، ولا حتى الجيش السوداني إذا استنفر معه نسبة للحالة المرضية التي يعانيها..!
* نصحته بمغادرة المنطقة والإنضمام لأسرته بأم درمان، وسرعان ما أدركت أن هذا الطلب يوازي تكليفه بالسفر إلى كوكب زحل، لذلك فكرت في أكثر من حل لإبعاده من المنطقة وتسفيره إلى أهله، إلى أن لاحت فرصة سفري مع أسرتي إلى أم درمان لظرف طاريء لمعاودة والدة زوجتي المريضة، وحضور عقد قران مهم هناك، ورغم أن السفر في مثل هذه الظروف مسألة مرهقة من كل النواحي ولكن كان لابد مما ليس منه بد ، وقررت أن أصطحب الشاب معي إلى أم درمان، وهيأت نفسي لتلك المهمة الإنسانية حتى لو تطلب الأمر مقابلة قائد الفرقة الثالثة لشرح الحالة النفسية لهذا الشاب وخطورة تواجده هناك، وأننا غامرنا بإخراجه لتسليمه لوالديه بأم درمان إبراءً للذمة..!
* عند المعبر الأخير لمدينة شندي سأله فرد الإستخبارات عن إسمه فعجز عن النطق، وسأله عمن معه، فأشار إلي.. وعندما سألني أنا عن إسمه وأجبته فاجأني رجل الإستخبارات بأنه قال إسماً غير هذا، فلذلك يرجح أنني اختطفته..!
* طبعاً كان هذا الإستنتاج مفاجئاً ومستفزاً لي ودليل على تواضع قدرات الرجل الذي تحدث معنا، فضلاً عن حدته المبالغ فيها، فعجزت عن التفاهم معه وشرح الأمر، واقتنعت أن الموضوع أكبر من قدراته.. وعندما طلبوا هاتفي سلمتهم الهاتف وأنا على يقين أن فيه مايثير فضولهم، وفي نفس الوقت فيه ما يجلب لي التقدير والإحترام، فهذا الهاتف بمثل مافيه ارقام هواتف المك أبوشوتال، فيه أيضاً أرقام هواتف أعضاء بمجلس السيادة وعلى رأسهم الكباشي، وفيه أرقام لضباط من رتبة فريق إثنان منهم شغلوا منصب وزير الدولة بالدفاع وغيرهم العشرات برتبة اللواء ولكن.. ردة الفعل على دردشاتي مع أبوشوتال غطت على كل شيء.. حتى أن موضوع الشاب بطل القصة أصبح منسياً ولم يسأله أحد بعد ذلك حتى وصل إلى والديه وأسرته في أمدرمان سالماً، وانضم لشقيقه الذي يعمل بسوق صابرين..!
* بعد ذلك سارت الأمور بصورة سلسة عندما وصل الملف لأفراد استخبارات مؤهلين ورتب أعلى، وتفهموا طبيعة علاقاتنا كصحفيين مع شخصيات من مختلف الإتجاهات.. وكانت نهاية القصة طبيعية ولم أخرج منها إلا بإنطباعات وملاحظات سأجتهد لوضعها في قالب مفيد لكل الأطراف..!
* بالنسبة لمسألة التصنيف، أو إحتمالية التعاون مع طرف من الأطراف في هذه الحرب اللعينة، فبإمكان أي شخص أن يقرأ ويراجع المقالات المنشورة على هذه الصفحة وسيعرف موقفي المبدئي تجاه الدعم السريع وهذه الحرب منذ لحظتها الأولى، بل رأيي في كل الحركات المسلحة وما يسمى بثورات أو حركات النضال الوطني، وأعتقد أن نشاطها أضر بالسودان وبإنسان تلك المناطق في دارفور وجبال النوبة، وأقعدت مسيرة التنمية في البلاد، وأنها (جميعها بمافيها الحركة الشعبية بقيادة الحلو) لا تملك ما تعوض به الأهالي في تلك المناطق، وليس لديها استراتيجية واضحة لتجنب الإنسان هناك آثار الحرب الطويلة التي اجبر عليها..!
* هذا هو رأيي الثابت والذي أبنيه على قناعات راسخة ومشاهدات ومتابعات لم تتح لكثيرين، وهي آراء لا تستند. إلى آيدولوجية حزبية، أو على خلفية أطروحة تتبناها مجموعة بعينها وإنما هي آراء مستقلة تخصني، وقد كتبت في وقت مبكر أن هذا الدعم السريع مهدد أول لوحدة وأمن واستقرار البلاد، لأسباب ذكرتها في وقتها، وكتبت في وقت مبكر أيضاً ل عن سلوك بعض منسوبيهم الذين كانوا يرتكزون في البوابة الجنوبية للقصر الجمهوري، ينصبون (اللدايات) وينشرون غسيلهم على أسوار القصر، وكنت أعتقد وقتها أن سيادة الدولة قد أهينت فالمكان هو القصر الجمهوري الذي يشعر أي سوداني حر بالمهابة عندما يمر به..!!
* هذه المواقف والآراء لايزايد عليها من شكلوا مواقفهم بعد اندلاع الحرب.. وقد كان بإمكانهم تجنبها، فقد سبقتها نذر وإرهاصات على امتداد عامين كانت أوضح من العلامات الكبرى ليوم القيامة..!
* الحلقة القادمة سأكتب عن جدية المقاومة الشعبية بنهر النيل والمعلومات الخاطئة عن ولاية الجزيرة وعدم مواكبة واليها للأحداث..!!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد