(١٧٦) فرداً ماتوا بنيران زملاءهم بمنطقتنا فقط كدليل على همجيتهم..
– أبوعاقله أماسا
* من الثابت أن القصاص الرباني ماضٍ فينا، وأن الظالم يلقى جزاءه آجلاً أم عاجلاً، وأن دعوات المظلوم لا يحجبها حجاب أبداً، ومن نعم الله علينا في الجزيرة المعطاءة أننا عايشنا ذلك على أرض الواقع، ليس في إنتصار الجيش الحاسم وطرد المليشيا من أرضنا خائبة ذليلة، ولكن في بعض التفاصيل التي عايشناها على مدار عام وشهرين كانت عبارة عن دروس وعبر لكل من غرته الحياة الدنيا وطغى وتجبر على خلقه، وظلم ونهب وسلب أملاك المواطنين وارتكب من الجرائم ما ارتكب.
* عايشنا قصصاً تؤكد أن دعوات أهل الجزيرة قد استجيبت، وأراهم الله نهاية الطغيان، فعدد غير قليل من الأوباش الذين كانوا يتجولون في منطقتنا (أبوعشر) هلكوا بواحدة من أساليب الحرب البشعة، فالقائد مرتضى الذي تزوج من بنات المسعودية ومنح نفسه الحق في السكن بمنزل اللواء أمن مكي العوض واستباح ممتلكاته هلك وهو في طريقه إلى الجنينة، وما كان ليغادر المنطقة إلا بعد أن أيقن باقتراب نهاية هذه المسرحية، وهلك معه في ذات المكان بواسطة مسيرة بالقرب من الأبيض عبدالشكور ود الأنصارية، ولهذا الشخص قصة يجب أن تروى للناس، فهو من رزيقات الجنينة كما هم معظم من تواجدوا في ارتكاز ابوعشر الكبير، ولكنه نشأ في المنطقة ودرس في مدارسها ودخل معظم بيوتها وصادق أبناءها وعاشرهم وأحبوه لإلتزامه، فهو متدين ومهذب، وكان أحد أفراد القوات المسلحة قبل الحرب، ولكنه استجاب لنداء القبيلة وانضم لأهله في ارتكاز أبوعشر، ثم تماهى معهم في أفعالهم وختم كل ذلك بإعتقال عدد من أصدقاءه ومنهم علي هاشم، وأبقى عليه في معتقلاتهم لفترة طويلة قبل ان ينفرط عقد المجموعة ويختطفه أحد أقرباءه ويدعى فرح ويساوم به ويطلب الفدية من أهله ليطلق سراحه بأم درمان مقابل ستة ملايين جنيه سوداني..!!
* عبدالشكور هلك في طريق هروبه إلى الجنينة وبالقرب من الأبيض بعد أن إستهدفتهم إحدى مسيرات الفرقة الخامسة (الهجانة) وفرح الذي كان وراء كل عمليات الإختطاف بغرض الفدية في منطقتنا هو الآخر جاءت الأخبار بأنه تعرض لطلقة من بندقيته.
* عماد محمد أحمد أحد قادة ارتكازات أبوعشر وأحد رؤوس الفوضى التي اجتاحت المنطقة، بسبب أنه يقود مجموعة من عتاة المجرمين، وأحد أصدقاءه المقربين هو أحمد صافولا أحد أخطر المجرمين والمراوغين الدمويين الذين يهربون من ميادين المعارك ويلوذون بالمدن والقرى الصغيرة ويستأسدون على المواطنين، وقد أصيب عماد في شرق كوبري حنتوب وعاد إلى ابوعشر ليقضي بها يومين وهو يعاني من كسور مركبة في قدمه اليمنى والترقوة.
* أفراد المليشيا في منطقتنا كان بأسهم بينهم شديد، وربما هو جزء من القصاص الرباني العادل، ليريهم الله من آياته، فمات منهم من لحظة دخولهم وحتى خروجهم هاربين يجرجرون أذيال الهزيمة (١٧٦) فرداً هلكوا جميعاً برصاصات خارجة كم بنادق زملاءهم، فأحياناً يطمعون في سلاح زميل لهم ويتآمرون عليه فيقتلوه ليحصلوا على سلاحه، وتارة يطمعون في ما لديه من مال، أو ما يمتطي من سيارة قيمة، فيكون مصيره رصاصة واحدة ليحصلوا على ما لديه.. وربما يكون المقتول قد حصل عليه بقتل صاحب المال الأصلي.. فالجزاء من جنس العمل..!!
* (١٧٦) فرداً من المليشيا الغاصبة والمعتدية قتلوا برصاصات زملاءهم بمنطقة أبوعشر أحصيتهم بنفسي وتابعتهم واحداً تلو الآخر، وقد أكون شاركت في تشييع بعضهم خاصة من دفنوا إبان كارثة الهلالية الشهيرة، فقد كنا نشيع وندفن دون أن نعرف هوية المدفون إلا لحظة إنزاله إلى القبر، وكل هذا العدد ليس منهم من مات في ميدان معركة أو من يمكن أن نعتبره شهيداً، فهو سارق ومغتصب وناهب هلك مشيعاً بدعوات ضحاياه ممن ظلمهم ونهبهم وسلب أموالهم.
* في واحدة من المجازر التي كانت نتيجة إشتباك مجموعتين داخل سوق أبوعشر، هلك منهم حوالي ١٥ فرداً، حملت مجموعة تتبع لإحدى قبائل جنوب دارفور ضحاياهم وجرحاهم، بينما بقيت سبعة جثث في مكانها ليوم كامل حتى بدأت تتغير، فأمر أحد القادة بدفنهم بمقابر الفكي الأمين برغم أن من بينهم جنوبيين غير مسلمين، وتلك المقابر معروفة بأنها مقابر مسلمين، ولكنهم أذاعوا عبر مكبرات الصوت بالمساجد أن هنالك جثامين ونداء للمواطنين للمشاركة في التشييع.. وقد دفنوا جميعهم بمقبرة جماعية..!
* سوف أخصص واحدة من الحلقات القادمة للجنوبيين في الدعم السريع، وقد كانوا مرتزقة مضطهدون يموت الواحد منهم كما تموت الهوام بلا رأفة.. فمشاركتهم في هذه الحرب كانت جريمة إرتكبها من إرتكبها من المسؤولين هناك في حق الشعب الجنوب سوداني، فهم لم يحصدوا مالاً من الدعم السريع بعد أن خدعوهم، ولم يحفظوا كرامتهم وعزتهم كشعب دولة ناشئة تنتظرهم تضحيات لبناء دولتهم.. وليس تضحيات لقتل الشعوب المجاورة..!!
* أهل الجزيرة عامة لم يظهروا حسرة على ما فقدوه من أموال، فهم أصحاب الأيادي الخضراء المنتجة وسيعوضهم الله خيراً مما فقدوه، ولكن.. أفراد المليشيا ممن نجوا من الموت يعودون لأهلهم في دارفور وكردفان وتشاد والنيجر وغيرها يعودون لأهلهم يحملون أوزاراً على اوزارهم.. وسوف تصيبهم دعوات المظاليم آجلاً أم عاجلاً.. ويبقى الوزر الأكبر على من يؤيد الدعم السريع ويتبنى خطاباته وشعاراته، فهم على الأرض لا يمارسون سوى القتل والسرقة والنهب والسلب والإغتصاب وهي جرائم ستلصق في كل من يدافع عنهم ويظاهرهم ويحتمي بهم.. إذا كان بدوافع قبلية او سياسية..!!
.. نعود لنواصل..