صَـابِنَّها
محمد عبد الماجد
لَقَد وَقعتم في الفَــخ
ونحنُ في هذا المقام، والهلال يلعب مباراة الإياب أمام الأهلي المصري في نواكشوط، بعد أن خسر مباراة الذهاب في القاهرة 0 / 1، ليس لنا غير أن نتبتل بدعاء نوح عليه الصلاة والسلام في سورة القمر حينما دعا ربه: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (10).
وننتظر أن تتم الاستجابة فننتصر ونتأهّـل بإذن الله وتوفيقه للدور المقبل بعد أن كان الهلال مغلوباً في مباراة الذهاب.
فدعا ربه أني مغلوب فانتصر، ما أوجز وأبرك وأجل هذه الكلمات المحدودة التي حقّقت الانتصار. قيل إنّ الدعاء من العبادات التي يتجسّد فيها الكثير من القيم وفيه الكثير من الإيمانات.
أدعو الله وأنتم موقنون بالاستجابة، سيكون لكم ما تتطلبون وما تدعون به.
نعم ننشد النصر، لتعود إلى أم درمان فرحتها وتخرج شوارعها من جديد بعد أن عادت.
شارع الشنقيطي ينتظر أن يأتي له الفرح من أرض الشناقيط ليحدث تلاقي الحلم والحقيقة والأماني والواقع.
هذا الحُب الذي يجمع بين السودان وموريتانيا لم يأتِ من فـراغ، فقد عبرت عنه حتى شوارعنا.
حُـرمنا من استاد الهلال، التنافس والتزاحُم على أبوابه، حُرمنا من شغف مُدرّجاته ومن هتافات جماهيره، ولكن لم ينجحوا أن يحرمونا من هذا الإحساس ونحن نلعب في مصر أو في ليبيا أو جنوب السودان أو موريتانيا.
إحساسنا معنا في أي أرض وأي زمان، في كل ملعب وفي كل وقت.
إذا كان الهلال يلعب في المواسم السابقة باسم السودان فهو في هذا الموسم يضيف لنفسه شرفاً جديداً ويضاعف من مسؤولياته، لأنه في هذا الموسم يمثل السودان ويمثل موريتانيا.
ليس من أجل السودان وحده ـ من أجل موريتانيا أيضاً سوف تخوضون مباراتكم أمام الأهلي المصري.
هذه المباراة لا تخصّنا وحدنا كسودانيين، هذه المباراة تخص الموريتانيين أيضاً، لذلك على الهلال أن يعلم انه يلعب من أجل بلدين ويبحث عن النصر من أجل شعبين.
أن تمثل بلدين فإن ذلك من عزم الأمور.
هل كانت صدفة أن يختار الهلال والمريخ موريتانيا دون كل الدول العربية والأفريقية، ليلعبا في الدوري الموريتاني؟ ويخرج المريخ من الأدوار التمهيدية، وينشد الهلال اللقب ويقاتل من أجله.
هل كانت صدفة أن يكون ملعب شيخا بيديا في نواكشوط ملعب أرضيته (نجيل صناعي)؟
هل كانت صدفة أن يلعب الهلال مبارياته في مرحلة المجموعات في ملعب شيخا بيديا؟ فيتأهّل متصدراً لمجموعته بعد أن أقصى مازيمبي الكونغولي والشباب التنزاني.
ومثلما أبعد الهلال فريق الأهلي الليبي من الأدوار التمهيدية، ننتظر أن نبعد بإذن الله الأهلي المصري من الأدوار الإقصائية.. وما شرب منه الأهلي الليبي سوف يشرب منه بإذن الله الأهلي المصري.
وكلهم في الهزيمة أهلي.
هل هي صدفة أن تكون مباراة الهلال في إياب دور الثمانية أمام الأهلي في نواكشوط؟
نحن لم نختار الحكم الموريتاني الذي أُبعد عن إدارة مباراة الذهاب بين الهلال والأهلي، ولم نختار الحكم التشادي الذي كان بديلاً للحكم الموريتاني، لكن الأقدار كانت رحيمة بالهلال، والاختيار جاء برداً وسلاماً على الهلال رغم التخوف الذي كان قبل المباراة من الحكم التشادي.
بعد انتهاء المباراة كان الأهلي هو الذي يشكو من الحكم، مع أنّ هناك حالات كان يفترض أن يظهر فيها الحكم بطاقته الحمراء على بعض لاعبي الأهلي، مع ذلك الهلال لم يتضجر ولم يعترض كما كانوا يفعلون.
دعوني أعود للسؤال وما تقاطعوني.
هل هي صدفة أن يكون بين صفوف لاعبي الهلال ثلاثة لاعبين يحملون الجنسية الموريتانية؟
نحن والله لم نرتب لذلك لهذا الهدف، لم نكن نعلم اننا في يوم الثلاثاء 8 أبريل سوف نواجه في ملعب شيخيا بيديا فريق الأهلي المصري.
هكذا جرت المقادير.
نعرف أنّ هذا لم يأتِ من فراغ. كأن الأقدار كانت ترتب لنا تلك الحميمية.
إنّ كل الطرق تؤدي إلى موريتانيا.. ليس طريق الشنقيطي وحده، أعتقد أن الهلال بإمكانه ان ينهي جدلية مبررات الأهلي، الأرض والجمهور والشمس ومياه الصرف الصحي.
ها هو الهلال يلتقي الأهلي في موريتانيا بعيداً عن ملعبه، وبعيداً عن جماهيره، وتحت الأضواء الكاشفة، رغم ذلك لا يغيب الشغف ولا يغيب الحب، ولا تغيب حتى الشمس، مع أنّ الهلال يلعب عند الساعة السابعة بتوقيت موريتانيا، التاسعة بتوقيت السودان ومصر.
الطيب صالح أروع من كان يقول الكلام الجميل قال: (لا تقل ان الكلام الجميل لا يجدي. أن عاجلاً أم آجلاً تتحول الكلمات الصادقة إلى أفعال).
وها هي تتحول.
أنا أثق في كل ذلك سيحدث، لا نستجدي الشعب الموريتاني، فهو أكبر من ذلك، لكن نرد لهم جميل ما صنعوا.
لن نستعمل الحيلة المصرية، أو كما يسمونها (الفهلوة)، سوف نحترم خيارهم كما ظللت أكرر كثيراً، وقد حدّدوا خيارهم في أن يكونوا جوار الهلال. ولكن لو فعلوا غير ذلك، سوف يبقى الاحترام.
أعلنوا عن مساندتهم للهلال بشجاعة، رغم الصيت المصري ورغم نفوذهم وسيطرتهم على الاتحاد الأفريقي، لذلك أتمنى أن لا يخذلهم الهلال.. كنت في السابق عندما يلعب الهلال مباراة أمام خصم كبير، احمل هَمّ جماهير الهلال، الآن أحمل هَمّ الجماهير الموريتانية، لا أريد لهذه الجماهير أن تعود من ملعب شيخا بيديا دون أن يتأهل الهلال لدور الأربعة.
مطلوب من الهلال أن يسعدهم كما أسعدنا كثيراً، خاصةً في المواجهات التي تكون أمام الأهلي المصري، جربنا فرحة الانتصار على الأهلي، ونريد للهلال أن يُفرح الشعب الموريتاني بانتصاره على أهلي مصر.
هذا الحُب والتقدير الذي وجدناه من الشعب الموريتاني لا يوفي حقه إلا الانتصار على الأهلي، فإن كان قبل ذلك للانتصار على الأهلي حلاوة، فإن للانتصار عليه في المواجهة القادمة حلاوتين.
كأن الهلال يلعب في أم درمان، وقد سبق أن لعب في النهائي مرتين في هذه البطولة باستاد الهلال، ولكن لم يكن الهلال يجد الدعم من روابط الأندية الأخرى.
كان جمهور الهلال يساند فربقه وحده ـ الآخرون بحكم المنافسة والعصبية ربما كانوا ينتظرون خسارته.
لم يساند المريخ فريق الهلال حتى وإن كان ذلك على سبيل الدبلوماسية واللباقة والدعاية، ولم تفعلها رابطة الموردة بحضارتها وتاريخها الكبير، بل إنّ أندية قريبة للهلال مثل الأهلي شندي والأمل عطبرة والميرغني كسلا لم تقم بما قامت به روابط أندية في موريتانيا، كنا نعتقد أنها غريبة علينا.. لم نتوقع من من تلك الروابط وهي منافسة أنديتها للهلال في الدوري الموريتاني أن تساند الهلال أمام الأهلي، وأن تعلن ذلك بصورة رسمية.
أعلنها أولتراس أف سي انواذيبو وبدأت استعداداتهم مبكرة لمساندة الهلال وتشجيعه.. كأنهم عاشوا في أزقة أبو روف، وترعرعوا في ود نوباوي، وشبُّوا في العرضة شمال.
كأنهم مشوا في شارع العرضة وحاموا في ميدان المولد، وانتشوا بمدائحه، وأكلوا فول النوش، وشاهدوا منصور بشير تنقا.
لم ينته الأمر عن أولتراس نادي أف سي انواذبيو، وإنما أعلنها بشكل رسمي رئيس النادي عبد العزيز بوغربال.
وكذلك فعلت رابطة مشجعي نادي الشمال ـ هذا النادي الذي اكتشفت الآن لماذا أحببته من أول وهلة؟ لقد سبقنا قلبي إليهم قبل إعلانهم لمساندة الهلال، أتراهم استمعوا لخليل فرح في الشرف الباذخ؟
لم نعهد ذلك من الأهلي الخرطوم والعباسية والخرطوم الوطني عندما كان الهلال يلعب في أم درمان فوجدناه عند جماهير أولمبيك السبخة.
الأمر الذي أدهشني حقاً هو أنّ مشجعي المنتخب الموريتاني أعلنوا عن مُساندتهم للهلال أمام الأهلي المصري، هذا شرفٌ ومساندة نعتز بها. ما أعظم أن يفعل ذلك مشجعو المنتخب.
لو لم نجد منهم غير هذا الإعلان لكفانا ذلك، كفى الرعب والهلع الذي يعيشه الأهلي المصري من ذلك الحب والمساندة التي يُحظى بها الهلال في موريتانيا.
هل كل هذه الأمور تمت صدفة؟
الإخوة الموريتانيون هذه المباراة تخصكم كما تخصنا، لنا فيها مثل ما لكم، إذا انتصر الهلال إن شاء الله سنقول لكم مبروك، وإذا خسر لا قدر الله سنقول لكم هاردلك، لقد أصبحنا نحمل همّكم أكثر مما نحمله على أنفسنا.. لهذا لا بد للهلال أن ينتصر، ولا بد للقدر بإذن الواحد القهار أن يستجيب.
إذا الشعب يوم أراد النصر.. فلا بد أن يستجيب القدر، فكيف إن أراد ذلك شعبان.
لقد كان الأهلي المصري يجتهد كثيراً من أجل ان يحرم الهلال من ملعبه وكان يجتهد إن فشل في ذلك في أن يحرمه من جماهيره ليلعب الهلال على ملعبه مباراة صامتة.
حتى الحكم الموريتاني عملوا من أجل إبعاده عـن مباراة الذهاب ونجحوا في ذلك، ليثبتوا لنا بذلك قدرتهم على تحديد الملعب وتحديد الحكم وتغييره بما يتوافق مع هواهم!!
ولا نستبعد أنّ خوض الهلال لمباراته أمام الأهلي في المساء أيضاً كان بتدخل من نادي الأهلي ليستجيب لهم الاتحاد الأفريقي، اللهم ويقطع بتحديد المباراة في المساء، والأهلي معروفٌ ومعلومٌ أنه يخشى اللعب في العصر تحت اضواء الشمس.
هذه المرة سوف نقول للأهلي شكراً، لأنكم كنتم من بين الأسباب التي جعلتنا نلعب في شيخا بيديا.
الأهلي سوف يتفاجأ عندما يجد أن ملعب شيخا بيديا هو ملعب الهلال، وأنّ مقنعي انواذيبو هم أولتراس الهلال، وأن جماهير الهلال هي جماهير موريتانيا، وأنّ الثالثة شمال هم رابطة جماهير نادي الشمال، وأنّ ملوك المدرجات هم أولمبيك السيخة.
ام درمان حاضرة في نواكشوط، بثوراتها وأمبداتها، بموردتها وعباسيتها، بطابيتها وحوش خليفتها، بإذاعتها وتلفزيونها ومسرحها ودار رياضيتها.
نعم دعوني أكرر قول الطيب صالح (لا تقل إنّ الكلام الجميل لا يجدي. أن عاجلاً أم آجلاً تتحوّل الكلمات الصادقة إلى أفعال).
هل تستوعبون ذلك؟
لقد قامت الجماهير الموريتانية ما كان يمكن أن تقوم به جماهير الهلال وهي قد حُرمت من فريقها بسبب الحرب.
وقام الإعلام الموريتاني بما هو أجل وأعظم مما كنا نقوم به نحن قبل المباريات في إعلام الهلال.
المسافات لم تعد مانعاً، والغياب لم يمنعنا من الحضور.
إنّه الهلال يا سادة، ينثر الحب والفرح في كل أرض، لا يشعر بالغربة ولا يحس بالوحدة، يحمل أم درمانه في جوفه ويلعب كما يلعب في أم درمان.
لا يفوتني أن أكرِّر وصاياي وأن أقول للاعبي الهلال ألعبوا كورتكم، وابعدوا عن الانفعال والتوتُّـر، واعملوا على أن تستمتعوا بالمباراة فيستمتع الجمهور الموريتاني بذلك.
افعلوا ما تشاءون في الأهلي فإنّ هزيمة الكبار ليس هنالك ما هو أمتع وأحلى منها.
ليس هنالك أجمل من أن نشاهد بكاء الأهلي وشكوته عند الهزيمة، فهم إن لم يجدوا سبيلاً للشكوى من الحكم سوف يشكون من أرضية الملعب أو من الجمهور أو من الشمس.
في موريتانيا لا أدري من ماذا سوف يشكون؟ ربما يشكون هذه المرة من الإعلام الموريتاني ومن انواذيبو والشمال وأولمبيك سيخة، قد يشكون حتى من مشجعي المنتخب الموريتاني.
على الهلال أن يكون حاضراً حتى نسمع هذه الشكاوى، فمازلت أرى أنّ الأهلي لم يعد يسيطر على أعصابه، فقد نشاهد ضربة جزاء للهلال وقد يخرج الكرت الأحمر لأحد للاعبي الأهلي.
مباراة سوف تكون حافلة بالإثارة، وسوف نعبر من خلالها بإذن الله لدور الأربعة لنكون على بُعد خطوة من اللقب.
اللهم نسألك بما سألك به سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام عندما دعا ربه فاستجبت له: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (10) القمر.
…
متاريس
ألعبوا كورة أمام الأهلي.. ما في حاجة بتجهجه الأهلي غير أنك تلعب كورتك.
على جان كلود وكوليبالي أن يثبتا أنّ دفاع الأهلي شوارع.
أفضل ما يمكن أن تشكروا به الجمهور الموريتاني هو أن تنتصروا على الأهلي وتتأهّلوا للدور المقبل.
كبه يمكن أن يكون مفاجأة سارة للهلالاب في المباراة.
التهديف من خارج الصندوق مهمٌ.
الأهلي سيحاول أن يخطف هدفاً في أول ربع ساعة ليقتل المباراة ويرتاح.
التنظيم الدفاعي مهم.
الهدف سيأتي.. سيأتي.
ما تستعجلوا.
الإخوة والزملاء المتابعون للمباراة والمعلقون عليها في صفحاتكم، لا تنقلوا السلبيات ولا تحبطوا الجمهور.
..
ترس أخير: نلتقي بعد المباراة إن شاء الله على موعدٍ مع الفرح.