صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

عَــودة شريف

110

صَـابِنَّهَـا
محمد عبد الماجد

عَــودة شريف

أعظم انتصار تحققه على من أساء إليك، أو من ظلمك، ليس هو أن ترد له الإساءة وتنتقم لنفسك وتنتصر لها، أعظم انتصار يمكن أن تحققه هنا هو أن تسامحه وتعفو عنه، إذا وصلت لهذه المرحلة فذلك لا يعني أنك تنتصر عليه فقط، ذلك يعني أنك تنتصر كذلك على نفسك، والنفس أمّارة بالسوء وأنت عندما تهذبها وتؤدِّبها بالعفو، فذلك يعني أنك تزجرها وتجمِّلها وترتقي بها.
العفو يخلق في النفس سلاماً داخليّاً، والتسامح لا الانتقام هو الذي يجعلك تنوم قرير العين، هادئ النفس، مُطمئن البال.
إذا ظلمك شخصٌ أو اعتدى عليك، وحملت في نفسك كرهاً أو غِلاً أو حقداً عليه، فإن غِلك هذا يضرك أنت لا يضره هو، كما أنّ غِلك هذا يظلمك أنت أكثر من ظلمه إليك، لا تظلم نفسك بحمل الغِل والحقد والحسد، هذه الأشياء هي التي تهلك الصحة وتبدد العافية، وتورث الأمراض.. الحقد والحسد يحرقان حامله، أنت لا تحرق من تحسده بحسدك له.
عدوُّك ينتصر عليك، عندما يجعلك تحمل الغِل والحقد عليه.
في هذه الحياة يمكن أن تتعرّض لظلم من أقرب الناس إليك، هذا أمرٌ راسخٌ في البشر منذ الأزل، قتل قابيل أخيه هابيل، لتكون أول جريمة في الأرض بسبب الحسد وذلك لأن الله سبحانه وتعالى تقبل من هابيل صدقته ولم يتقبل من قابيل فأشعل ذلك في نفسه الحسد، فقتل أخيه (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)) صدق الله العظيم.
بسبب الحسد عجز حتى أن يكون مثل الغراب الذي رآه سوءته.
وفي القصة دلالة أخرى على أن الله لا يقبل الأعمال الصالحة إلا من النفوس الطيبة والسوية، الخالية من الحقد والحسد، حيث رد هابيل على أخيه موضحاً قبول الله سبحانه وتعالى صدقته: (إنما يتقبل الله من المتقين)، والله طيب لا يقبل إلا كل طيب.. ولم يكن قابيل تقياً لأنه كان يحمل (الحسد)، فهل انتبهنا إلى ذلك؟
وقصة يوسف توضح أن الإخوة بسبب (الغِيرة) يمكن أن يتآمروا على أخيهم لتفضيله عليهم من قبل أبيهم. (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)) صدق الله العظيم.
إذن الظلم والجرم يمكن أن يقع عليك من أقرب الناس فلا تشعلوا النيران عندما يظلم أخ أخيه فتحسبوا أن ذلك أمر غريب ولا يحدث إلا في عهدنا هذا.
أما دواء ذلك والتغلُّب على الحسد والحقد والغل والكراهية لن يكون إلا بالتسامح والعفو والصفح، وكل هذه القيم تؤدي إلى التقوى، وعلينا أن نعرف قيمة ذلك لأن الله سبحانه تعالى يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) صدق الله العظيم.
لا تحسب أن في العفو والصفح ضعفاً، النفوس الكبيرة والعظيمة تعرفها بذلك، الإنسان الذي لا يستطيع أن يعفو ويصفح هو إنسان ضعيف ومهتز وعادةً يكون ضحية للأمراض والقلق والتوتر والهواجس.
عمرك لن تعيشه مرتين، واليوم الذي يمضي لن يعود، فقد تكون هذه الساعة التي أنت فيها هي آخر ساعة لك في الحياة فلماذا تحمل فيها الغِل والحقد والحسد، عش حياتك في سلام نفسي تنعم بالراحة والأمان والطمأنينة.
عندما أراد الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة أن يعيشوا في أمان وسلام وهدوء قال سبحانه تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الأعراف: 43].
هذا حديث واضح أننا لن ندخل الجنة بغِلنا، وإنّنا لكي نحيا في أمان وسلام، علينا أن ننزع مما في صدورنا من غلٍّ، إذا نجحت في ذلك في الحياة الدنيا سوف يتحقق لك الكثير من المكاسب في الدنيا والآخرة.
أقول ذلك، لأنني سعدت للرسالة أو الفيديو الذي ظهر فيه شريف الفحيل أخيراً وهو يعتذر للناس عما بدر منه في الفترة الأخيرة، ويعلل ذلك بسبب الضغوط التي كان يتعرض لها، هي ضغوط لن تبارحه ولكن تغلب عليها، والأهم من ذلك أن يظل على هذا الحال وأن لا يعود إلى ما كان يحسبه تنفساً له وانتقاماً، عندما كان يهاجم في زملائه ويرهب فيهم محققاً لنفسه انتصاراً ذاتياً في ظل مجتمع يدفعنا إلى ذلك.
في هذا العصر، علينا أن نعلم أنّ الشيطان أصبح يدخل علينا من خلال الضغوط، الضغوط الاقتصادية والضغوط الاجتماعية وضغوط النجومية، لذلك أول انتصار على الشيطان هو انتصارك على الضغوط النفسية التي تتعرّض لها أياً كان نوعها.
في مجتمعنا هذا ـ الناس ومواقع التواصل تدفعك إلى الغلط، وهذا ليس بصورة مباشرة، وإنما عن طريق ردود الفعل والمتابعة والنجومية التي تحققها عندما تتهوّر أو عندما تسيئ لشخص، إنهم حينها يجعلونك بطلاً، سوف تجد تدافع الناس حولك وازدياد المتابعين لك حتى تظن أنك على صواب وأنت تتصدّر (الترند)، عادةً يحدث ذلك عندما تقع في الخطأ وتتهور، أما عندما تكون على صواب وتظهر بشكل عقلاني ومحترم فلن تجد اهتماماً، ولن تُحظى بردود الفعل.
شريف الفحيل دفعه المجتمع إلى ما وقع فيه، لأنّ المجتمع أصبح يترقب (لايفاته) وينتظر الهجوم الذي سوف يتعرّض له الفنانون والفضائح الذي سوف يظهرها شريف الفحيل ـ كلنا كنا نصفق لذلك ونستمتع بالغسيل القذر، ولكن كنا على قناعة أنّ ما يقوم به شريف الفحيل غلط.
دفع المجتمع لشريف الفحيل لا يعني أننا نعفي شريف الفحيل مما وقع فيه، أنت لا تستطيع أن تصلح المجتمع ولا تملك قدرة السيطرة عليه ـ (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)).
ولكن تستطيع أن تسيطر على نفسك، وهذا ما يجب أن ينتبه له الفنان شريف الفحيل.
شريف الفحيل اعتذر للناس، وهذا أمرٌ يُحمد عليه وهو بداية صحيحة وعودة حقيقية للوعي، لكن ولكي يكمل شريف الفحيل انتصاره على نفسه، عليه أن يعتذر لمن أساء إليه، عليه أن يعتذر لزميله محمد بشير الدولي، وللفنان أبو صلعة، وقبل ذلك لأخيه، وذلك أمرٌ يرفعه ولا ينقص منه في شئ.
إنّ الذين صفقوا لتلك الإساءات، طبيعي أن لا يعجبهم ما قام به شريف الفحيل وهو يعتذر عما بدر منه، فنحن نريد جنازة حتى نشبع فيها لطماً، على شريف الفحيل أن يعلم أنه سوف يتعرّض لمزيدٍ من الضغوط وأن شياطين الإنس والجن لن يتركوه، إلا إذا عاد إلى ضلاله القديم، لذلك نقول إن المرحلة القادمة في حياة شريف الفحيل هي الأصعب، لأن الردة دائماً تكون أسوأ، نتمنى أن لا تحدث أي انتكاسة لشريف الفحيل وأن يصرف وقته وجهده في عمله والتجويد فيه ـ النجاح قادر على أن ينتشل أي شخص من هفواته ومن الضياع.. الانتصار على الضغوط يتحقق بالنجاح، والنجاح قادرٌ أن يحمي صاحبه.
إنّ من عيوب مواقع التواصل الاجتماعي هي أنها تستلم الشخص في لحظات ضعفه وتفترش له الأرض زهوراً عندما يكون في لحظات ضعف وكلنا نمر بهذه اللحظات، عليك أن تبعد عن مواقع التواصل الاجتماعي عندما تكون في لحظة ضعف، لا تنقل إحباطك وعدم ثقتك في الناس والإساءة إليهم عندما تكون في لحظات ضعف، أبعد عن الطاقة السلبية، إذا تمكنت منك الطاقة السلبية فلا تنقلها للآخرين، الحديث عن الآمال والأحلام والطموح حديث عن معنويات لا ماديات، ما الذي يضيرك في لحظات الضيق والضجر أن تتحدث عن الأمل، وأن تنتصر به على الواقع المر.
لقد كانت بداية الرشد الذي عاد إليه شريف الفحيل هو أنه ظهر في فيديو بصورة محترمة، على شريف الفحيل أن ينظر لحالته تلك وهو في هذا الوضع المحترم وحالته عندما كان يظهر وهو يمسح في وجهه بالبودرة وهو يلبس فانلة حمالات داخلية، ويحمل عصاة مسح ويبدو مهتزاً ومضطرباً وهو يهاجم في زملائه الفنانين، إذا قارن شريف الفحيل بين تلك الفيديوهات والفيديو الأخير الذي ظهر فيه سوف يكتشف الفرق، رغم أن الذين هتفوا له بالأمس وصفقوا له وهو يسب ويشتم، أكثر من الذين هتفوا وصفقوا له عندما خرج معتذراً.
الاعتذار ليس ضعفاً، الاعتذار قوة، سمعت بعضهم يقول إنّه كان يقع في الخطأ حتى يكتشف قوة نفسه في الاعتذار.
والله سبحانه وتعالى يحب التوابين والتوبة تحدث لمن يقع في الخطأ، مع ذلك فإن الله يحب التائب عن ذنبه، وتلك رحمة أكرمنا بها الله عز وجل، لأننا كلنا نقع في الأخطاء. (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)) صدق الله العظيم.
في العادة عندما تمتلك موهبة، تتعرّض لامتحانات واختبارات كثيرة، الضغوط يمكن أن تجعلك تفقد نفسك، في تاريخ السودان الكثير من العباقرة تعرّضوا لحالات نفسية سيئة، حدث ذلك قبل انتشار ووجود مواقع التواصل الاجتماعي، النجم في هذا الزمن يُحاصر ويتعرّض للكثير من الضغوط، الانتقادات والردم وردود الفعل تظل تلاحقك في كل خطوة، إذا لم تكن تمتلك نفساً سوية وقوية لن تستطيع السير، ستسلم نفسك للأوهام، وسوف تبدأ تفقد نفسك عندما تشعر أنك ضحية وتستسلم لذلك الشعور وتبدو ناقماً على المجتمع والحياة والظروف.
إذا كنت تشعر بأنك ضحية، فعليك أن تعلم أنك ضحية لنفسك، لوم نفسك قبل أن تلوم الآخرين، ثم أدرك أن أولى خطوات التعافي والنهوض والعودة تبدأ من نفسك.
نصيحة لشريف الفحيل أن يحصن نفسه بالنجاح، وأن ينصرف في العمل ويجتهد في ذلك، أوقات الفراغ والاستسلام لها في مثل حالة شريف الفحيل تزيد من العواقب والإشكاليات، عليه أن يملأ أوقات فراغه بما فيه خير له، عليه أن يبعد قدر الإمكان عن مواقع التواصل الاجتماعي وأن لا يظهر فيها إلا في الخير لا في القيل، في العمل لا في القول.
ولا حاجة لي أن أقول إن في ديننا الحنيف كل الصلاح وكل الفلاح ـ في الصلاة والقرآن الكريم راحة للنفس، بل راحةٌ للبدن وعافية وصحة له.
الإشكالية التي نحن فيها، هي أن الشر والسوء يدفعانا له العالم كله ـ شياطين الإنس والجن، أما الخير فلن تدفعك له إلا نفسك.
العلاج يبدأ منك.
نحسب أن شريف الفحيل عاد، نتمنى له ونسأل الله له الهداية والاستقرار والنجاح. (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر).

متاريس
تاني عاوز أقول شنو؟
في هذه الحرب لا تبقى ناقلاً جيداً للغل والغبن والحقد.
كل هذه الجراح التداوي منها فقط بالتسامح.
لا تحمل ضغينة في نفسك، مهما تعرّضت لظلم واستهداف واستحقار.
بعد فتح مكة التي أخرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحب البقاع لنفسه، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ… إلى أن قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ.
انظر إلى أن أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حاربوه وقاتلوه وعذبوا أصحابه كانوا مع ذلك يظنون فيه الخير وهو عليه الصلاة والسلام أهل لذلك، وهم كفرة وفجرة.

ترس أخير: في حاجَـة تاني؟

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد