أبوعاقله أماسا
* العودة إلى الخرطوم ليست قضية سياسية تدخل في الأجندة التي يزايد بها السياسيين على بعضهم، كما أن بعض المواطنين المتضررين من مسألة الحرب والنزوح غير مخيرين بين العودة وغيرها، وهم في الأساس ليسو طرفاً في الحرب حتى تعلق مصائرهم بأمزجة من يديرون الجدل الآن حول هذا الأمر.
– عدت إلى الخرطوم ست مرات منذ التحرير، وفي كل مرة كنت أحرص على مراقبة حركة الناس ورصد كل ماهو إيجابي وسلبي، والإجابة على اسئلة كثيرة يطرحها المهتمون بمسألة العودة- وأنا منهم بطبيعة الحال- مثل: هل بمقدرنا العودة إلى الخرطوم والعيش فيها بشكل عادي؟..وهل تستطيع السلطات فرض الأمن فيها؟
– كانت آخر زياراتي خلال الإسبوع الماضي، ومكثت فيها من الإثنين والثلاثاء والأربعاء، تجولت فيها ما بين الثورات من شرقها إلى غربها، وهي المناطق الأكثر ازدحاماً والأقل تأثيراً، وللمرة الأولى قمت بزيارة أخي وبن عمي خميس عثمان بسوق أم درمان بعد أن عاد إلى عمله منذ شهور بمتجره، ورأيت بأم عيني حركة الناس والتجار هناك، ولاحظت أن هنالك إصرار ممن لايكترثون بتحذيرات القحاتة ولا ترغيب المعسكر الآخر، وهم على يقين أن مايدور في الأسافير ماهي إلا ثرثرة من قبيل التي أوصلت البلد إلى الحافة.
– ومن سوق أم درمان عبرت إلى الشهداء بشارع الدكاترة، ومنها بالمواصلات إلى السوق العربي، وبالتحديد كانت زيارة لصديقي بهاء الدين مختار ود البوب، بمعارض شيخ الدين أخوان للمعدات الكهربائية في شارع الحرية، وقد عادوا بإصرار كبير لممارسة تجارتهم وقضيت عنده زهاء الساعتين وعرفت منه الكثير عن حركة التجارة والمواطنين وحركته الشخصية من وإلى مقر عمله بالمواصلات العامة..!!
– لم أر اكثر مما كنت أتوقعه من تغييرات بسبب الدمار، وبقدر ما كانت هنالك مباني مدمرة أو محترقة بالكامل كانت هنالك مبانٍ لم تصب بأذى، ربما نهب مافيها، ولكنها كمبنى لا تحتاج إلا لترميمات حتى تعود كما كانت.
– هنالك إصرار كبير من المواطنين للعودة،وكنت أراقب ذلك من خلال مراقبتي لحركة البصات السياحية والشاحنات والحافلات وسيارات الملاكي التي تدخل إلى الخرطوم يومياً وهي تعبر بمنطقتنا تحمل مواطنين إخناروا العودة، خاصة من تلك الفئات التي لا ترى في ذلك خياراً من عدة خيارات وإنما هو خيار واحد فقط.. العودة والعودة وبإصرار.. فالعودة إلى الخرطوم عندهم تعني العودة إلى الحياة..!
– التواجد الشرطي مطمئن للغاية، وعليه تتوقف المسائل الأمنية والإنضباط، وتأكيداً على ذلك لاحظت الكثير من الطمأنينة في أم درمان نتيجة لحملات القوة المشتركة، ولم أصادف إلا جريمة ١٣٠ داخل سوق صابرين وقعت في الساعات الأولى من الصباح ويبدو أن القوات الأمنية مجتهدة في فك طلاسمها.. جريمة يظهر أن وراءها جريمة أخرى..!
– عموم الأوضاع في الخرطوم تشهد تطورات إيجابية فيما يخص الخدمات وعودة المواطنين، ومعظم الأحياء شهدت بالفعل عودة المياه، وبعضها عادت إليها الكهرباء وبدأت الأسواق تأخذ وضعها الطبيعي والحياة تعود إلى المستشفيات أيضاً، ولأن بعض الأسر مقيدة بالمدارس في الولايات وفي مصر نتوقع أن ترتفع أعداد العائدين إلى الأضعاف بنهاية أغسطس وبداية سبتمبر.