صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

أكثر من عام على كارثة الهلالية…لم يبق الطفل الرضيع ليبكي أمه وأبيه وإخوته..!!

2

أكثر من عام على كارثة الهلالية…لم يبق الطفل الرضيع ليبكي أمه وأبيه وإخوته..!!

أبوعاقله أماسا
* طيلة الفترة التي مكثنا فيها بالجزيرة إبان تواجد أوباش آل دقلو فيها، مرت علينا عدة مواقف إنسانية في غاية الحساسية، من عينة تلك المشاهد التي تدفع الدموع لتنهمر بغزارة وبلا توقف، وفي ظروف كانت أقسى وأثقل على قلوب الناس من كل فواجع الدنيا، وليس أقسى من الإعتياد على أخبار الموت، ففي عادة أهلي بمدينة أبوعشر أنهم يذيعون أخبار الموت من مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد، وبصيغة تكاد تكون متفق عليها، وهذه العادة تشترك فيها معظم قرى ومدن الجزيرة، حيث أن صيغة الخبر تحمل إسم المتوفي، أبناءه، أشقاءه ومكان وساعة الدفن وبعدها يتوجه المشيعين إلى المكان المحدد.
* أيام كارثة الهلالية كانت ثقيلة على القلب بكل ما تحمل العبارة، ووقتها كان الجنجويد الأشرار قد أسكتوا فيها المآذن، وحبسوا الآلاف في مسيد الشيخ الطيب ود المرين ومنعوهم من الخروج إلى البحر حيث الحياة والمياه، ومات الآلاف هناك بعد أن أجبروا على الشرب من مياه مصدرها بئر قديم ومهجور، وهرب من هرب وبقي فيها من بقي حبيساً ما بين الرعب والجوع والموت.
* نسبة لعلاقات الرحم التي تربط مدينتي أبوعشر والهلالية عبر عدد مقدر إلى الضفة الغربية للنيل الأزرق، وأنشأ أبناء أبوعشر بقيادة بن المدينة البار والدكتور الإنسان علاء الدين بابكر هجانة غرفة عمليات بمركز مكة الطبي والذي غص بالناس، ونسبة لكثرة الحالات التي تتطلب العناية نصبوا صيواناً كبيراً إمتد لأكثر من مائة متر ليستوعب المرضى ومعظمهم يعبر من هناك ما بين الموت والحياة فيسارع به المتطوعين إلى المركز لتجرى له الإسعافات الأولية.. منهم من نجا من الموت ومنهم من كتب كرقم بين الضحايا.
* عدد الحالات كان أكبر من المتوقع بكثير، وهو ما دعى الناس لإستنفار كل الكوادر الطبية بالمدينتين، فكانت ملحمة إنسانية ستظل عالقة بالأذهان ماعشنا، وفي اليوم الثالث تقريباً ذهبت لمتابعة ما يحدث من الصباح الباكر، وتنقلت ما بين المركز وضفة النيل حيث يتم نقل العابرين من المرضى بكوارو الحمير، وعند منتصف النهار تمت إذاعة إحدى السيدات توفيت بالمركز وهو ما يعني التوجه إلى مقابر الفكي الأمين للدفن، والطريق يمر بالخيمة التي كانت تبدو وكأنها سرداق عزاء لا ينتهي، والوجوه جميعها واجمة ما بين مودع لحبيب رحل، ومترقب لزيارة ملك الموت ليأخذ آخر، وأثناء مرورنا رأيت امرأة تحمل طفلاً لا يتعدى الثمانية أشهر وكان يبكي بصوت عالي وهي تحاول إسكاته، طلبوا منها أن ترضعه ولكن ردها الصاعق لخص كل أحزان الدنيا في قصة هذا الرضيع، فقد كانت المتوفية أمه، وقبلها رحل والده وأشقاءه الكبار ولم يبق من أسرته ضمن النازحين إلى مدينتنا إلا معارف أهله وتلك المرأة التي تحمله… ياااااااا ربي..!!
* دخلت في حالة أشبه بالصدمة أو الغيبوبة، وبالكاد وصلت إلى بيتنا ولجأت إلى ركن قصي حيث لا يراني أحد وبكيت بحرقة ماستطعت، وسكبت من دموع الهزيمة والإنكسار ما خشيت أن يره أحد.. لم أبحث عن إجابات للأسئلة التي تزاحمت في رأسي ومع مرور الوقت سلمت أمري للخالق وخرجت لألحق بالمشيعين وفي الأثناء أذيع أربعة آخرون.. ومايزال منظر الطفل عالق في الذهن وصورته لا تبارح مخيلتي برغم مرور أكثر من عام.. والأسئلة تتكرر كل يوم دون أن تجد إجابة شافية: يا ترى هل وجد الطفل أحداً من أقرباءه (خالته، عمته، جدته) أو من يعوله ويمنحه الدفء؟.. أين هو الآن؟.. وماذا فعلت به الأيام؟
* ما حدث بمدينة الهلالية كان أكبر من معاني وتفاصيل الكارثة، فقد مات منها أكثر من ثلاثة آلاف، وفقدت بعض العائلات الكبيرة مثل عائلة المشرفاب أكثر من النصف، كما فقدت بعض الأسر أيضاً أكثر من نصفها، وبعض البيوت أغلقت تماماً بموت جميع أهلها..!!
– ما حدث هناك مازال كابوساً يقض المضاجع ويجثم على القلوب لكل من عاشوا تلك الأيام.. فقد مات الكرام وبعضهم لم يجد قطعة قماش يكفن به، فدفنوا بملابسهم في مقابر جماعية..!!
– مات بعضهم مسموماً وآخرين ماتوا جوعاً ورعباً وعطشاً وكان الموت بالرصاصة وقتها رحمة..!!
ألا لعنة الله على الجنجويد، ومن شايعهم، وساندهم، ودعمهم، وتعاطف معهم..!!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد