صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

التّحليل الفَني طَلَع (ملاريَـا)

60

صَـابِنَّهَـا
محمد عبدالماجد

التّحليل الفَني طَلَع (ملاريَـا)

ربّما من زمن طويل لم أتابع الأستديوهات التحليلية، ولم أهتم قط ببرنامج معني بالتحليل الفني للمباريات والمنافسات، وإن كانت متابعة هذه البرامج تبدو إلزامية علينا، لأنها جُزءٌ من عملنا ـ ولكن أنا نفرت منها أو نزحت أو هربت، ولن أستطيع معها صبراً، لأنها لا تقدم شيئاً، وهي لا تقوم بشئ غير أنها تفسد فكرك ورؤيتك التي تستنبطها من المباراة، وجميع تلك الأستديوهات معنية فقط بالنقد أو المدح (المباشر) ـ تتحدّث عن حالات إجادة (واضحة)، أو حالات إخفاق (ظاهرة)، وهذا أصغر مشجع يمكن أن يقوم به، الأمر لا يحتاج لكل هذا الجهد والدكاترة والبدل (الفول ست) ـ الموضوع ما عاوز (فلسفة) قدر دي، وفاصل إعلاني ونرجع تاني، عليكم الله ما ترجعوا ـ التحليل يجب أن يكون أعمق من ذلك، أعمق من أن أمدح أو أقدح فقط، حللوا الأشياء (المخفية)، لا تحلِّلوا الأشياء (الظاهرة)، استعراض الحالات البارزة والتعليق عليها أمرٌ عفا عليه الزمن وأكل وشرب ـ نعم قد نكون نحن شركاء في ذلك ونقوم بنفس الدور في كتاباتنا، لكن هذا لا يعني أن ما يحدث صحيح، مشاركتك في الأخطاء، لا يعني الإقرار بصحتها، وربما نحن نفعل ذلك لأننا ضحايا لهذا الفهم أو الأسلوب أو لأننا نخضع لتأثيره، أو نخاطب جماهير خاضعة لولاية هذا الفهم، وحتى نكسر هذا الأسلوب نحتاج إلى الانتقال للمربع للتالي بشئ من التروي والتأني، والخروج من التقليدية يحتاج إلى قليل من التقليدية.
وأنت من حقك عزيزي القارئ ـ أو بدون (عزيزي) تلك حتى لا تشعر بالاستجداء أن لا تقرأ لنا، أو أن تقرأ ما يروق لك فقط، ولك أن تعلق وتنتقد ما نكتبه وتقدم وجهة نظرك كما نفعل نحن مع الآخرين ـ يهمّنا هنا أن لا نكون أصداء لصوت واحد، يجب أن نقدم أصواتاً مختلفة وصوراً عديدة حتى لا نكون ضحية للصوت الواحد ـ الصوت الواحد حتى لو كان صحيحاً (مشكلة).. في الاختلاف (نعمة) أو (رحمة).
لقد هجرت أستديوهات وبرامج التحليل الفني منذ زمن، لأنّني شعرت أنها لا تقدم جديداً، أو أنها لا تضيف لي شئاً، لم تعد تدهشني تلك الأستديوهات، وهي لا تفعل غير أنها تفسد رؤيتي وذوقي الفني ـ حتى أستديوهات قنوات “بي إن سبورت” تقوم بنفس الدور (النمطي) الممل، مقدم، ولاعب سابق ومخرج كل ما يفعله هو أن يعيد اللقطة، واقيف هنا، وارجع شوية. أحياناً أشعر أن الأستديو التحليلي (معاد) رغم أن المباراة (مباشر)، فهم لا جديد لهم، نفس القفشات والابتسامات وتبادل المزحات فيما بينهم ـ نحن نسمع نفس العبارات والنظريات والتحليلات من الطرابلسي وعزيز بينج والجلاهمة ووائل جمعة وهيثم فاروق وغيرهم، يشهد الله أنّني رجعت لغوغل لأنّني لا أعرفهم ولا أقف عندهم ـ وحتى تحليلات أبوتريكة من خلال توقفي عندها للاستماع أحياناً لها تبقى (فطيرة) وبلا قيمة، وإن حاول أبوتريكة كسرها بشئ من (السخرية) أو التعبيرات الشعبية، ظناً منه أن هذا هو أسلوب جديد في التحليل، وإن اجتهد المذيع لتوسيع دائرة ابتسامته لها، إعتقادا أنه بذلك ينقلها ويفرضها على المشاهد ـ لكن في النهاية كل هذه التحليلات لا تخرج من (النمطية) والكلام المُكرّر ـ يرفعون الفريق الذي انتصر إلى عنان السماء وإن انتصر بضربة جزاء ظالمة ويتحدّثون عن مدربه ونجومه بتبجل كبير، أما الفريق الذي يخسر فهو يا ويلٌ لهم منه.
الناس ديل بين الشوطين يمكن أن يقولوا كلاماً، ويتحدثون كلاماً آخر بعد نهاية المباراة إذا تغيّرت النتيجة.
تحليلاتهم الفنية كلها مرتبطة بالنتيجة، وهذه كارثة ـ التحليل يجب أن يكون عن الأداء وليس النتيجة.
عندما أتابع مباراة لوحدي يشهد الله إنّني بين الشوطين أصمت الصوت، أو أبعد عن التلفاز واشغل نفسي بشئ آخر إن تابعت المباراة مع شخص آخر، وذلك لأنّ التحليلات الفنية (ممكن تعمل لي تسمم)، حتى وإن كان الهلال طرفاً للمباراة لا أهتم بما يقال في الأستديو التحليلي، وإن انتصر الهلال ورفعوه السماء.. وأحسب أن كثيرين يشاركوني في ذلك ويُفضِّلون (الإعلانات) من تلك التحليلات، وعبر تجوالي في كثير من (المقاهي) في العاصمة المصرية، وجدت أنّ كثيراً من المقاهي تفعل ما أفعل وتقوم بإغلاق الصوت بين الشوطين أو بعد نهاية المباراة.
بل إنّني أحياناً أقوم بقفل صوت المعلق أو التلفاز أثناء سير المباراة واكتفي بمتابعتها صورة بدون صوت، عندما يدخل معلق المباراة علينا بنظرياته ويتفرّغ للتحليل ونقل رأيه الشخصي عن المباراة، أو يقدم لنا معلومات فقط تخدم وجهة نظره.
تابعت مباراة السودان والجزائر من القناة الجزائرية الأولى ـ معلق المباراة الجزائري كان ينتقد لاعبي المنتخب السوداني على تدخلاتهم العنيفة، بشكل عنيف وعندما يقوم لاعبو المنتخب الجزائري بفعل نفس الشئ، يشيد بروحهم القتالية ويتحدث عن أن الروح القتالية هي ما يميز الجزائريين، ومعروفٌ أن المنتخب الجزائري يُطلق عليه محاربو الصحراء.. الروح في المنتخب السوداني تعتبر تفلتاً أو تهوُّراً وعند الآخرين يعتبرونها رجولة وروحَـاً قتالية.. هذه إزدواجية في التحليل.
صلاح عادل من دون شك أخطأ في أنه أصبح مُتعهِّداً للكروت الحمراء، لكن أهم ما يميز صلاح عادل هو روحه القتالية، إدارة هذه الروح لا تبقى خاضعة فقط للاعب، الجهاز الفني أيضاً مسؤول عن ذلك، ونحن أيضاً لدينا دورٌ ولكن بنقد إيجابي لا تنمر، يمكن الوصول بتلك الروح القتالية إلى درجة من القبول لا توصلها للكرت الأحمر، ولا تجعلها باهتةً أو باردة ـ وطرد صلاح عادل في كثير من المباريات يُسأل عنه المدير الفني، لأن صلاح عادل في كل المباريات التي طُرد فيها لم ينل الكرت الأحمر (مباشرةً)، وإنما كان يُطرد بالكرت الأصفر الثاني، وكما يقول رؤوف خليف إذا أصفرّت أحمرّت، لذلك يفترض عندما يتعرّض صلاح عادل للكرت الأصفر الأول أن يتم استبداله، خاصةً وأنت تعرف أنك تتعامل مع لاعب طريقة لعبه وأسلوبه في الملعب فيه شئٌ من العنف والتجاوز أو التهور، إذا حدث ذلك مرة أو مرتين واستبدل صلاح عادل بعد نيله الكرت الأصفر، فإنّ صلاح عادل سوف يكون حريصاً بعد ذلك كي لا ينال الكرت الأصفر الأول، إلا إذا كان مُجبراً على ذلك، لأن الكروت أحياناً نفسها نوعٌ من التكتيك والنظام ـ علماً بأننا نتفق أن من مقومات مركز صلاح عادل العنف وإن من مواصفاته التعرض للكروت الملونة ـ الخروج الآن بصورة جماعية للهجوم على صلاح عادل، هو تهورٌ آخر، هو نهجٌ اعتدنا أن نتبعه نحن ونسير عليه، لأننا لا نملك أفقاً أبعد من ذلك، ولا نعرف غير المعالجات المباشرة، رغم أن الأبحاث وكل النظريات والتجارب أثبتت أنّ (المباشرة) في التعامل مع النقد أو التربية أو حتى العلوم والثقافة والفنون، لم تعد مجدية ـ للتقويم اتبع أسلوباً آخر غير هذا الأسلوب الذي نمارسه في نقدنا.
الأسلوب الضمني أو المجازي أصبح أنفع من المباشرة القائمة على (الصريخ).
انتهجوا أسلوب (الرمزية) في الإصلاح، لم يعد الأسلوب المباشر يؤدي إلا للمزيد من التهور ـ ارفع درجات النقد ترتكز في النقد (الرمزي)، وكذلك يبقى الشعر (الرمزي) والرسم (السريالي)، والنظريات غير المباشرة هى الأعلى قيمةً والأعمق أثراً ـ أكيد نحن لا نطالب ذلك من كل الناس، ولكن أهل الاختصاص أو الأعلى فيهم يجب أن يتبعوا هذا النهج بدلاً من ممارسة (الزعيق) فقط، لأنه أضحى فعلاً أو صوتاً جماعياً.
قودوا الجمهور إلى محطات الوعي ولا تجعلوه يقودكم هو إلى صوامع الهتاف والشعارات والعاطفة.
البعض قد يشعر أنني أدافع عن صلاح عادل على مخالفة ارتكبها واستحق عليها الكرت، وقد ظلّ يُكرِّرها صلاح عادل في مبارياته الأخيرة ـ من شعر أنني أدافع عن صلاح عادل فهو قد فهم خطأً ـ غير معني في مثل هذه الحالات بالأشخاص ـ أجنح إلى انتقاد أسلوب أو فهم عام، أما شخصنة القضايا وإقامة المشانق والمَقَاصِلُ لمن أخطأ فهذا أمرٌ لا أحبه ـ لا أفضِّل أن أكون جزءاً من حملة على (شخص)، أياً كان وفي أي مجال وإن أخطأ ـ القاتل الذي تجاوز وارتكب أبشع جريمة إن كان لا يملك القدرة على توكيل محام للدفاع عنه، فإن المحكمة ملزمة من مال الدولة أن توكِّل له محامياً وأن تصرف على ذلك من خزينتها وهي المعنية بإنزال أكبر عقوبة عليه ـ المحاكمة العادلة تجير المحاكم على ذلك، فكيف لنا نحن أن نقيم محاكم ومَقَاصِل ومجالد على أشخاص نرى أنهم أخطأوا في ألعاب رياضية أو ترفيهية فنحكم عليهم بالموت ونكون نحن في نفس الوقت الخصم والحكم.. والأنكأ من ذلك أننا نرفض حتى من يقدم مبرراً لهم، أو يعرض وجهة نظر أخرى.
كثيرون كتبوا عن قتالية صلاح عادل وعن رجولته ولعبه القوي والعنيف ـ شجّعوه على ذلك، وقد يكونوا دفعوه لهذه المخالفات ـ عندما يُطرد ويتهوّر يخرجوا علينا نفس الذين شجّعوه لمحاسبة صلاح عادل على روحه القتالية!
ضبط هذه الروح ليس مسؤولية صلاح عادل وحده، ومعالجة ذلك الأمر لا يتم بهذه الطريقة وذلك الصراخ ـ أنتم بهذا ترتكبون مخالفات أكبر من تلك التي يرتكبها صلاح عادل ـ لو كان هنالك (حكمٌ) لما يُكتب ويُقدم لمنح هذا الحكم نصف من يكتبون، ويُقدِّمون الكرت الأحمر دون الرجوع إلى غرفة الفأر.
أذكر أن أحدهم كان يأتي في المساء لموقف شندي وهو في كامل الأناقة، يتناول (صندوق بيبسي)، ويجلس بعيداً بعد أن يطلب من ست الشاي “شاي بي لبن” ثم يضيف وهو في منتهى الجدية: عاوز شاي لبن بدون لبن!
ست الشاي تقول ليه شاي لبن بدون لبن كيف؟ إنت عاوز شاي سادة؟ فيقول لها بلهجة حادة: لا.. لا عاوز شاي لبن بدون لبن.. لا أعرف إلى أين ينتهي بهما الحوار، ولكن كورة صلاح عادل بدون تلك الروح القتالية التي تميّز بها يبقى لا جدوى منها ـ وأعتقد أنّ العنف الذي لعب به المنتخب السوداني ساعد في أن نخسر بثلاثة أهداف فقط حتى بعد طرد صلاح عادل ـ يُخيّل لي أننا لو لعبنا كورة منظمة ولو لم يظهر صلاح عادل وإرنق وكرشوم وبخيت خميس وجوباك بهذه الروح كنا خسرنا أكثر.
الفروقات الفنية كانت كبيرة.
إرنق أبعد إحدى الكرات بصورة ممتازة، جعلنا كلنا نصفق له بعد أن استخلص الكرة أو أبعدها من الملعب بصورة انزلاقية رائعة يجيدها إرنق ـ لكن تدخل إرنق هذا كان يمكن أن يُعرِّضه للكرت الأحمر المباشر، لو نجح المهاجم الجزائري في الوصول للكرة قبل إرنق، وجعل قدم إرنق تلامس قدمه، كان الكرت الأحمر واقع لا محالة، ليس على إرنق وحده ـ بل كان كرشوم أيضاً سوف يُطرد معه، لأنّ المخالفة كانت سوف تكون كبيرة، فقد صرخ معلق المباراة الجزائري على تدخل إرنق أكثر من اللاعب الجزائري نفسه، علماً بأن تدخل إرنق هذا لم يحتسبه الحكم مخالفة رغم قوته ـ ولولا أن (التقدير) و(التايم) كان جيداً كان المنتخب السوداني سوف يكمل المباراة بتسعة لاعبين.. والتوفيق حالف إرنق في هذه اللعبة.
إرنق كان مهدداً بالطرد في أي وقت، بعد أن نال الكرت الأصفر، لذلك كنت أرى أن يتم استبداله، خاصةً في وجود الطيب عبد الرازق اللاعب الهادئ والرزين ـ لو طرد إرنق فإنّ المسؤول عن ذلك المدرب وليس اللاعب.
أما إذا تحدّثت عن الأستديوهات الفنية للمباريات في الدوري المصري، وأنا أصلاً أخصص العمود للتحليل الفني فلا يمكن أن نتجاوز مدرسة التحليل الفني المصري وهي تحليلات سوف تجد فيها العجب ـ الغالبية يخشون من الجماهير عندما يحللون مباراة لفريق جماهيري ولا يستطيعون أن ينتقدوا أحداً في حالات الانتصارات، وحتى عند الهزيمة هم ينتقدون إذا أحسوا أنّ الجماهير غاضبة من المدرب أو من لاعب أو من الحكم، فهم يحققون ما يطلبه الجمهور ـ ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تكشف ذلك وتفرض توجهاتها على الجميع.
الأخطاء الفردية عادةً لا أقف عندها كثيراً، أقف دائماً عند أخطاء المؤسسة أو المنظومة، وكثير من أخطاء لاعبينا هي بسبب غياب الأكاديميات والمدارس الكروية والاحتراف الخارجي، وعدم وجود منافسات أو نشاط للمراحل السنية ـ علينا أن نتقبّل من لاعبينا كل شئ وأن نشكرهم على ما يقدمونه، فهم يلعبون بدون أكاديميات وبدون منافسات وبدون ملاعب وبدون بنية تحتية وبدون حوافز كمان!
يلعبون بالفطرة، لا يُعقل أن نطالب بالاحترافية في نشاط يمارس بصورة (هوائية).
منتخبنا السوداني يلعب أمام منتخبات معظم قوامها قادم من الدوريات الأوروبية ـ بعضهم كان مرشحاً لجائزة أفضل لاعب في العالم ـ هذه ليست مبررات ولكن عليكم أن لا تنسوا ذلك.
لا تطبقوا نظرياتكم فقط على قمة الهرم ـ هذه النظريات يجب أن تطبِّقوها في قاعدة الهرم.
المواهب السودانية في طريقها للانعدام ـ ما تبقى منها لا تقسو عليها.
ادعموا اللاعب وادعموا المدرب، لأنهم هم الجهة الوحيدة التي نحاسبها عند الخسارة، أما عند الانتصار فإننا نشكر معتصم جعفر وأسامة عطا المنان والسوباط والعليقي.

متاريس
عندي (فاطي سطر) عن ريمونتادا المريخ.
الناس ديل أصلو ما بنقصر معاهم.
لاعبو المنتخب لا تعيدوهم للهلال ضحايا أو بقايا حطام ـ لا تحطموهم، الهلال تنتظره بعد أيام مواجهتان أمام صن داونز خلال أسبوع.
لذلك لا تفقدوا الثقة للاعبي المنتخب وهم غالبيتهم من الهلال.
لا تحطموا لاعبيكم ـ كي تثبتوا أنكم حقانيين.
كل الدعم للمنتخب وجهازه الفني.

ترس أخير: مُشكلتنا إننا نحن بنتحاسب قبل البطولة ما تنتهي.. الحساب قبل ما نغسل ـ غسِّـلوا أول.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد