شاهدت الجلاء … وصفقت لرفع العلم بعد طرد الانجليز.
شيخ صادق عبد الله عبد الماجد درسني ..وتأثرت بالفنان أبوداوؤد.
حاوره : أيمن عبد الله صباح الخير
مقدمة:
لأن لغة الحياة الطبيعية هي الأمل .. ولأن مفردة التفاؤل التي تصنعه يجملها الإنسان بالفنون..ولأن المرض يصيب الجسد لكنه لا ينال من الروح .. مقولةً أكدها ضيفنا الذي جلسنا معه لنغني ونجمّل دنياواتنا بالاستماع لفنانٍ بذل جليل عمره وكل حياته لتزيين المجتمع ،وتعليمه ،وتثقيفه،وإذكاء وجدانه عبر التغني بالمفردات التقية النقية الممراحة.ولأن الرجل معلم،ومغنٍ،ورياضي،واجتماعي من الطراز الفريد ،كان اللقاء فريداً..فتح من خلاله الفنان (ميرغني محمد أبنعوف) الشهير بمحمد ميرغني أبواب ذاكرته شاهداً على الفن والسياسة والمجتمع لاكثر من نصف قرنٍ من الزمان.
هو ولد في بدايات الأربعينيات من القرن الفائت،واشتهر بالغناء والثقافة..تنقل مابين مدينتي بحري وامدرمان.عايشناه من تفاصيل الحديث وتنقلنا معه بين خضم ذكرياته ونقلنا لكم بالكلم والإحساس بعض ما استطعنا من هذه المشاهد
· الرحم المكاني الذي تكون فيه محمد ميرغني الإنسان… وذاكرة الأيام في ماضيك…. ؟
– أنا كنت محظوظ لأن ربنا جابني في مدينة أمدرمان- وتحديداً في منطقة سخنة جدا – ًفيها رؤساء السودان ومبدعيه ..((بها اسماعيل الأزهري..عبد الله خليل..عبد الخالق محجوب.. سرور.. كرومة.. زنقار.. برعي أحمد البشير)).يعني كان شئ مكتمل ورفيع جداً. وكانت المنطقة مليئة بالحراك الثقافي والديني (بها الشيخ قريب الله والشيخ حمد النيل ..السادة الادارسة ..بالاضافي للمهدي)فالصوفية والمدائح خلقت فيني حاجات كثيرة (ده كلو سمع ). ايضاً المكتبات والكتب والمجلات..السينما ومشاهدة كبار الفنانين.
· كيف كان المنزل ………… ؟
– الوالد كان عنده (الفونوغراف) وكمية كبيرة من الاسشطوانات لكبار مغنيي ذلك الزمان (عرب واجانب وسودانيين) وكنت أنا استمع وباستمرار للاغنيات.. (الكلام ده كان وأنا عمرلاي ست سنوات).
· من في رايك من الفنانين الذين استمعت إليهم فاصابك بعدوى الغناء … وما مدى تأثرك بالذاكرة السمعية للمنزل…؟
– نشأتي كما ذكرت كانت في هذا الجو المشحون بالإبداع والغناء والشعر جعلتني أتأثر بالكثيرين من المغنين والمؤدين السودانيين والعرب.
· مراحل حياتك باكاديمياتها …. ؟
درست الابتدائية بمدرسة شيخ أمين قرب معهد سكينة وكان ذلك في اربعينيات القرن الماضي ، ثم امتحنت للمرحلة الوسطى وقبلت في مدرسة الأحفاد لدراسة الوسطى،ومنها إلى الاهلية الوسطى بالخرطوم قرب (الكامبوني).. وحتى ذلك الوقت لم أكن أحلم أن اصبح فنان بل كنت اتمنى أن أكون مهندس أو تاجر.. (ضحك وقال : تاجر عندو قروش كتيييييرة) .
ثم التحقت بمهعد المدرسن ببخت الرضا… وانتدبت للدراسة بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح.
· هل تذكر عدد من الأساتذة الذين تعلمت على يدهم في تلك المراحل…؟
– اذكر العديد منهم … كان شيخنا وابو فصلنا الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد .. لكني اذكر نمؤ الحركة الثقافية والسشياسية في السودان وتشكُل الوعي السياسي السوداني حيث كنت في العام 1961م طالباً بالصف الأول وسطى.
· 1956م تداعيات المرحلة ..الاستقلال.. رفع العلم .. وفرحة الشعب بالحرية …. ؟
– ( سرح لمدة ..وابتسامة زهو عينيه .. ليواصل بعد بكلمات يتدفق منها الحنين والشجن ) ……….. نعم عشنا وشاهدنا الجلاء وراينا خروج الانجليز،وصفقنا لرفع العلم السوداني ..وكنت شخصياً في ميدان المالية (كنت صغيراً) في استقبال الرئيس المصري (محمد نجيب) الذي جاء من الباب الشرقي ودخل غلى القصر من الباب الشمالي .. وكنت لصغر حجمي معصوراً على السياج ومن زحمة الناس كانت أقدامي لا تلامس الارض .
· اين كنت من الحركة السياسية السودانية آنذاك …؟
– كنت مع حزب الإتحاد والنظام والعمل مع الزعيم اسماعيل الأزهري .. وذلك لاننا كنا نسكن قربه (ومستمتعين به) ونسمع كلامه واصدقاء ابنائهوتربينا على يده بحكم الجيرة .. وكان بيتنا يقع بين دار الجبهة المعادية للاستعمار(الحزب الشيوعي) ودار جبهة الميثاق الاسلامي (المؤتمر الوطني) .. وتخيل أن تكون وسط حراك وزوابع سياسية كهذه..وشهدنا اياماً مرة متمثلة في حواث مارس والتي شهدت صداماً بين الحكومة (الحزب الاتحادي) والانصار في ميدان كتنشنر (المالية الآن) فمات الكثيرون من الناس.
· متى بدأ ميرغني الغناء ….؟
– بدات التغني في ستينيات القرن الماضي .. اشتريت عود وتعلمت العزف وتركت لعب كرة القدم وسرت في طرق الغناء ( كنت العب لفريق الأمير البحراوي ) .. يعني سبت الكورة وقلبت غنا طوالي.
· أول مكان تغنيت فيه .. وأول أغنية كاملة … ؟
– تغنيت لأول مرة ، بمسرح نادي الأمير..وكل أغاني أحمد المصطفى وعبد العزيز محمد داوؤد وحسن عطية وخضر بشير كنت أتغنى بها.
· شعراء شاركوا في مسيرة الابداع ….؟
– كثيرين هم الشعراء السودانيين الذين تعاملت معهم على سبيل المثال لا الحصر..(السر دوليب..اسماعيل حسن..التجانى حاج موسى.. مصطفى سند.. سوركتي.. صلاح حاج سعيد.. صديق مدثر.. وآخرين كثر).
· متى أجزت صوتك….؟
– كان ذلك في يوم 26/ابريل/1965م ..وبأغنية (أنا والاشواق) وهي أول أغنية خرجتلي عبر التلفاز.
· معالم حياتك الخاصة…؟
– أنا تزوجت في العام 1970م من بنت الجيران وشقيقة صديقي، وكنت حينها بالصف الأول بمعهد الموسيقى والمسرح.
· بمناسبة ذكر المعهد ..هل تذكر من المبدعين المعروفين الآن رافقوك في الدراسة بمعهد الموسيقى…؟
– أذكر الراحل الدوش..وهاشم صديق..بقسم الدراماوعلي ميرغني وغيره بقسم الموسيقى.
· ما هي قصة أغنية تباريح الهوى…؟
– أنا سمعت القصيدة ولم أكن أعرف أنها منحت لزيدان ابراهيم فحفظتها وتغنيت بها في برنامج إذاعي مع الاعلامي الراقي علم الدين حامد.
· مهرجانات في مسيرة مرغني الغنائية…؟
– العديد من المهرجانات ..مهرجان الاغنيات ..مهرجانات الثقافة الأول والثاني والثالث.
· محمد مرغني بالغناء وهو مغمض العينين…؟
– هي الصوفية من علمتني حالات الانجذاب ومعايشة احساس الكلمات والالحان التي اتغنى بها.
· كم يبلغ إرثك الغنائي حتى الآن….؟
-كثير جداً..وكثير…
· قاطعته: كثير لدرجة أنك لا تستطيع احصائه..؟
– رد بحزم: لا لكن حصره يحتاج لوقت قد لا يتوفر لك ولي الآن.
· لو لم تحترف الغناء … ماذا كنت ستكون…؟
كنت سأكون مزارع…
· قاطعته مرة أخرى : لماذا…؟
– ربنا خلقنا وخلق ارزاقنا من الارض ..كنت بزرع ..وبقرع..وعندي نجامة بدل العود..وساقيتي.
· الساحة الغنائية السودانية الآن…؟
– لكل زمانٍ مغنيه … ولكل عهدٍ ناسه.
· هل هناك تدهور في زائقة المستمع السوداني…؟
– التدهور في كل نواحي الحياة، وهذا التدهور بالتأكيد يسوق الثقافة معه.
· شهور من الألم والمعناة عاشها محمد مرغني بسبب المرض ،ماذا أنت قائل…؟
– هذا امتحان من رب العالمين ..وربنا يجعلها كفارة.
· بعد سنوات من التغني والبحث والاجتهاد … هل أنت راضٍ عن التجربة…؟
– (رد بحزم واضح) .. إنت ما بترضى.. إذا رضيت معناها خلاص وقفت فأنت بتسمع كل يوم من الحوليك وتعمل مقارنة.
· لك الختام.
– شكراً لكم … اولاً على الزيارة .. وثانياً على هذا الحوار الجميل.