• جيل الوطنية والإنسانية السوداني ينتصر .. والناس تغني لشاعر الشعب.
93
مشاركة المقال
• في أربعينية محجوب شريف • جيل الوطنية والإنسانية السوداني ينتصر .. والناس تغني لشاعر الشعب.
• كورة سودانية / أيمن عبد الله صباح الخير.
لم تكن هكذا صدفةً، أو مجرد لحظة إتفاق جماعي عابرة، بل هي موقف إنساني كامل،وانحياز تاريخي جسدت به جموع الحاضرين في ذلك الحيز المكاني إنتمائها التام لمشروع الحب والخير والحقيقة والجمال، وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك ان العامل الوراثي في الإنسان السوداني ظل برغم الظرف الممتد طوال عقود من المعاناة يحمل ذات الشفرة الإنسانية الحقة، وينقل بين الأجيال تباعاً جين المورث لحب الشعر والقيم الإنسانية الخيرة والحقة. ولم يكن الشعب مجرد محتفي وهو ينتمي لجهته اليسرى،حيث ينبض القلب بلغته الخاصة،
وحبره السري الذي يبصره بشغاف فؤاده،ويراه مهما كان قصياً ويقطف وجداً من تدانيه. ولم يكن الناس ليقرروا أن يجتمعون هكذا بحب، ووسامة منقطعة النظير، أو يكنوا هكذا بكل اريحية وعفوية صادقة يلتقون ذات يوم كامل ليحتفلون معا وتحت ظل واحد ممدود بمفردة أو فكرة ليؤذنون لها ولصاحبها بالخلود، لم يكونوا سوى بشر إجتمعوا ليسجلوا إعترافاً بالجميل. نهار الأحد (17 مايو) إنه الزمان .. أما المكان فهو العاصمة الوطنية أم درمان وبالتحديد في ميدان يتوسط ابنية سكنية بسيطة في منطقة الثورة الحارة 21 الشهيرة، وبدقة متناهية حيث كان يسكن المواطن السوداني محجوب محمد شريف الاستاذ الذي احيل للصالح العام قبل عقد من الزمان، والذي عرف بشاعريته وبكتابته التي تلامس مشاعر الناس وصميم حياتهم وتفاصيلها اليومية حتى نال بكل الرضا لقب شاعر الشعب، والذي توفي في الثاني من أبريل هذا العام، حيث إجتمع السودانيون لإحياء ذكرى أربعينية رحيله. خيمة ضاربة في الإتساع،وأنتشار كثيف لبشر تختلف سحناتهم واشكالهم وإثنياتهم ومعتقداتهم بل حتى أزياؤهم، لكنهم يتفقون في القدرة على قراءة تلك المفردات الخفية التي كتبت بحبر الإنسانية السري الذي يتطلب رؤيته وفك شفرته الحساسة المعقدة الكثير من الشفافية والنبيل من الإحساس.لغة استطاع ان يخطها السوداني محجوب شريف برؤية عميقة وبعيدة، وقدر بها على ضرب مثال في الصدق جعله محل إتفاق اجتماعي عام على فضيلتي الشرف والانسانية.
برنامج حافل
. إبتدأ برنامج الاحتفال بقراءة آيات بينات من القرآن الكريم،ثم تراتيل عبر بها القائمون على أمر البرنامج على فكرة المحتفى به التي ظل يروج لها طوال حياته حول قبول الآخر. ثم تقدمت مجموعة منشدة ترنمت وتماوجت وهي تمدح المصطفى عليه الصلاة والسلام. ومن ثم انطلق التماهي في ولوج عوالم محجوب شريف التي شيدها بنفسه للوطن، فاعتلى الشاعر محمد طه القدال المسرح ووقف على منصته منشداً من الكلام ابلغه ومن الشعر أجله مغنياً به لرفيق الحرف وصديق المفردة والتشبيهات البهية،ليفعل فعلته الدائمة في نشر تواشيح الكلمات المعتقة عبر رائعته الفريدة ( أحلام الحزن الفرعوني): بحر المالح سيلاً ضرَع وموجاً فرَع .. من الشام مناك لى السهلة النجدية ياود الزنج .. الام البكر الزنجية لو آخر خيمة إنفجت كانت ركزت فوق سنار لى ريحة القلوة العربية كانت فابريقة بن .. كانت مشط الابنوس كانت في الشعر القرقد …. … كانتا في الطبع الحار الريد الحار .. الحزن الحار الحزن الجن الأحمر. ولم يكن القدال عادياً وهو ينشد قصيدته العتيقة عادياً بل كان استثنائياً كما هو حال اليوم .. اليوم الذي تعذت فيه مفاهيم الحزن وذكريات الرحيل مجرد التحدث بالمحاسن وزرف الدموع إلى افعال أكثر إنسانية وقدسية وجمالاً. ولم يكن وحده الإنتماء السياسي ذاك الذي جعل (كورال الحزب الشيوعي السوداني) يصدح باغنيات صنع حميمها الثوري الراحل بل هو حجم المعنى الذي حملته تلك الكلمات ورونقه وحقيقته، وتشاببه الراقي مع شكل الناس في المكان.والكورال بازيائه التقليدية المعهودة طرق باب الكلمة المعنى والكلمة السياسة واشار لوجه “شريف” السياسي.
ازهري يشارك
قدم عدد من الشعراء العديد من القصائد فكانت مشاركة الشاعر “أزهري محمد علي” باناقته المعروفة يشد إزار المكان، وينشد شعراً كما أحسبه انا أبلغ ما قيل من قريض في مزاج الحريات الاخير، والذي قد يجعل من سنتمترات الحرية المتاحة بوناً شاسعاً للمد والجزر والفيض الحلال. أزهري ترنم: سيبك من البنزين خلينا في الحاصل دم الشهيد بى كم وأزهري إذا تحدث شعرا نطقت الثورة، وفهمت الناس اسرار الإبداع المحموم بالعاطفة الثورية الصادقة. وهو ما أكده وهو يتعالى في نصه عن محجوب شريف. •
كوكبة من الفنانين كانوا حضورا
بكرة حيبنوا مدائن حُب النهارية المختلفة التي مايزين بين الجميل والنبيل، أعتلت خشبة مسرحها نماذج سودانية مبدعة بحزن، وحزينة بإبداع وهي تتذكر محجوب شريف وتستدعي ذكراه الاربعينية. وهذا ما قالته فرقة (مجموعة عقد الجلاد) وهي تتغنى وتقول للوطن وإنسانه كما قال محجوب شريف وتغنى،فتفاؤل الاخير بمولودته “البنت” التي تحدى بها ظنون المجتمع وجهله، وهو يعلن فرحه بقدومها وتنقلها في الدراسة حتى تخرجها،فتساعد والدها وتفعل فعل الرجال: في اللحظة ديك والتو … لحظة الميلاد كنت نقطة ضؤ فرهدت بيك فرهيد وانتشيت بالريد وطرت بيك الجو قالو ايضا بت ….. قلت مالو ولو بختي بختي .. انت بتي .. امي واختي.. همي شيلي .. شيلي مني.. مني ختي
بشوفها عز التبتبة بتي البريدة مرتبة دولابا داك والمرتبا جات من قبيل من مكتبا ادت ابوها مرتبا سددنا دين دكان حسين …كستني توب نجدنا كم.. كم مرتبه جيهت بيتنا القديم السقف داك والمسطبة.
ولان عقد الجلاد بإبنها (شمت) من الموقنين بقيمة شاعر الشعب الشعرية والفكرية تعلقت بغنائيته، وانحازت إنحيازاً كاملاً للمشروع فعلمت جمهورها الشاب إدمان ما يكتب: تبتبا ..تبتبا .. تبتب باكر تعرف تقرأ وتكتب ويا ما ترتب .. تبتبا ..تبتبا .. تبتب نحن بنحلم وكم نتمني هي تحقق كل ما تحب تبني حياتا الند بالند أي مكانه وخانه تسد هدهدا هدهدا هدهد كل الورد ينوم ويفرهد زي عصفوره تطير وترك تحبا وتمسك تاني تفك .. سيبا تلكلك سيبا تفكفك عايزة تنطط بكره حترسم وياما تخطط تبتبا ..تبتبا.. تبتب بكره حيبنو مدائن حب ما بيعكر صفو الجو صفارة حرب تشطب من قاموس الدنيا الضرب الشك الخوف ينعمو كم بالشم والشوف. ولم يكن بالمقدور أن المجموعة المغنية المثقفة أن تتوقف وسط هذه الأجواء الصيفية الفرحة، وهذا الحضور المختلف، وهذا اليوم القييم، فتغنت عقد الجلاد وتغنت حتى أوشكت على إكمال كل ما كتب محجوب شريف لهم، فتوهج الجلاديون وهم يفتحون الباب واسعاً هكذا .. نعم بكامل إتساعه وآمال النور المتوقفة عنهم منذ تسعة سنوات تصعد وتقف بجوارهم بخاطر الكبير الشريف محجوب شريف. النهار المختلف ايدته غنائية (أبو عركي البخيت) .. وحين يكون عركي حضوراً .. يكون الزمان حضور، وتجئ كل الملامح السودانية والموسيقية الخاصة وتبتهج به المساءات القادمة تباعاً. فــ عركي الذي سيدشن بعد ايام لاحقات البومه الغنائي الجديد استبشر باللقاء وفرد جناح واحدة من عروساته الجديدة ، وقدمها قرباناً على شرف اليوم وتحيةً لصديق أيامه ونضالاتها محجوب شريف.
الاطفال والابداع
ولأن الأطفال يحسون ويشعرون ويتعلمون وينقشون البراءة في أقبية الزمن فكانوا حضوراً ملائكياً ذاك النهار، لتجسد طفولتهم رؤية الغد الممكن في البلد، فأطفال (مركز هند) لونوا الوقت وهم يبصمون بالعشرة على جدران المنزل أن أنت حبيبنا ياوطن. لكن أطفال كوستي جاءوا أكثر مدداً وهم يناقشون بفرقتهم ( أطفال كوستي المسرحية) قضية الوطن الراهن ومشكل الضغا ر مثلهم بلغة أوضح وعرض مسرحي خمل ما حمل من مضامين رسالية أنتجها الكبار وقدمها الصغار في وعاء اللغة البسيطة وهم يقدمون مسرحية عن أطفال الشوارع والمتشردون من أطفال بلادي التي هي بلادهم. أما إنسانية محجوب شريف جسدها ذلك الإتصال الهاتفي الرقيق الذي رن به هاتف “القدال” ليأتي صوت المتحدث الكبير العربي (الأبنودي) وهو يحي الشعب وشاعر الشعب، ويقول أنه جزء لا يتجزء من هذه التجربة الشريفة بمسمى صاحبها وفعلها وشهادة أهلها الذين ما سكتوا إلا ليهتفوا (ماكا الوليد العاق .. لا خنت لا سراق) في زمن تحمل عقاربه الفساد مع الدقائق وفي وطن يعلن فيه الىن عن قوائم مذهلة من المفسدين ولصوص المال العام. اما محمد جبارة بحن (الشوايقة) المشهور، حمل طمبوره ورتب ما تبقى من مزاج الذكرى: عفارم … عفارم يا شعباً مسالم .. يا حر الإرادة وجماعي القيادة … يا وكتين تصادم بروقك تضوي … ورعودك تدوي ورياحك تقصقص رقاب المظالم كتابك ترابك … يا أمي إنت عالم تربط المعاني … وتفك الطلاسم أكفك تزاحم … تبارك تراحم تعلي السيادة … وتحلي الشهادة … بأسمى الملاحم يا سكر يا طاعم مسيخ البكان البعيد عن عيونك مرير الزمان اليخيِّب ظنونك.
وبرغم أن “النفاج” اينعت واثمرت وطرحت السبب الذي من أجله قدمها محجوب شريف فتغنت بــ(منلوج عن قبائل السودان).
كلمة للاسرة الراحل محجوب
مي محجوب شريف اليانعة التي من أجلها اخطت والدها قصيدته الحبلى بالقيم “نقطة ضو” تحدثت ذات لحظة فأفاضت في التعبير والتجلى حالها حال كل ابناء محجوب شريف من السودانيين. الظهيرة بكامل بهائها ونضرتها واحتفاليتها وحزنها، وامتدادها حتى منتصف الليل أبدعت يوم هو أيضاً أبدع في خلق تمازج وجداني وسوداني فُقد منذ عهد قديم وأندثر. لكنا لا يمكن أن نفوت ونحن ندون في ذاكرة الزمان والأوطان أن الناس ذات نهارية خلابة إنتصروا لنفسهم واحتفلوا بحزنهم ببراعة ويقين التابعين والمريدين. وصدق المؤمنين، ووعي المثقفين، وإخلاص الوطنين،وأحتفلوا بوطنهم وشعرهم وإنسانيتهم التي جدسها محجوب شريف