ابو عركي البخيت يعيد ترتيب الشجن من على خشبة المسرح القومي.
210
مشاركة المقال
في يوم اسطوري ابو عركي البخيت يعيد ترتيب الشجن من على خشبة المسرح القومي. كتب / أيمن عبد الله صباح الخير
. تنفست شمس ذلك اليوم الصعداء وهي تقترب من حتفها اليومي ساعة المغيب ، وأبتهج المساء الشاحب الخطوات واحترف الطرب.هذا يقينٌ تسيد خاطر الناس تلك الامسية المهيبة وقد تغير الجو فجأةً من شديد السخونة نهاراً إلى مديد النسمات ليلاً. ولم يكن الشارع الأمدرماني الشهير الذي تعود الإكتظاظ بادياً عليه الاهتمام وعليه تمشت جموعٌ يبدو على ملامحها قبل ارجلها النشاط،والكل فيما يبدو حتى تلك النسمات تتجه
من كل الاتجاهات صوب نقطة واحدةً للتلاقي، وشلالٌ من الحب يسقط اعلى – لست ادري حده ولن اخمن – لكني اعلم ان الله جميلاً يحب الجمال. الزمان 1/6 .. المكان المسرح القومي أمدرمان .. المناسبة حفل الفنان ابو عركي البخيت. • فاصل اول موسيقى ابوعركي تنداح ومعها هتافات الجمهور الصاخب والصفير الحاد يصدح في الجنبات .
ظهورابو عركي
. ينزاح الستار .. ويظهر ابو عركي البخيت متمايلاً ومحياً الجمهور .. تعلو موجة من التصفيق ممتدة .. يزداد علو صوت الموسيقى .. ويصدح الفنان: لو كنت ناكر للهوى زييك كنت غفرت ليك .. كل العذاب الشفتو في حبك وكل حقي العليك لكني عايش للهوي وكل يوم بترجى فيك وريني كيف أغفر وإنت شقاي سببتو بي إيديك وكأنما كلمات الشاعرعوض أحمد خليفة هذه خطتها اللحظات هذه وكل المعذبون في الارض هذا المساء شجت قلوبهم وهم يستمعون لصوت المغني وهو يعبر عن خلجاتهم وأمتد وامتد الغناء .. وازداد الشجو. ويذدان عركي وهو يغني برائعته الوطنية .. التي يحذر فيه الشعب ويترجاه الإنتباه للوطن .. الكلمات التي صاغتها قريحته هو شخصياص قبل ان يزودها بالالحان ويتغنى بها. ولأن المقام مقام عشقٍ منذ البدء .. تمطق عركي غنائيته وهو يدلف من باب سعد الدين إبراهيم بمفخرته : عن حبيبتي أنا بحكي ليكم في ضل ضفائرة ملتقاكم مرت غنت عن هوانا فرحت كل الحزانا ولما طارت في الفضا رددت انغام رضى ولان العشاق كثر والحبيبات أوجع ما يكون في هذا الزمان إندلق المسرح بآهات المشجونين وتأوهاتهم ولم يشفع للموسيقى صوتها العالي وقد وقف أكثر من نصف الحضور على اقدامهم بعد ان غلبهم الوجع و(القعدة). ومن حيث لا ندري نحن ولا هو تسربل عركي مجدداً بغنائية عالية مجدداً وهو يردد والمسرح خلفه : بخاف .. انا بخاف اسال عليك الناس سر الريدة بينا يزيع ويردد الجمهور معه بحنية ويقين المريدين والتابعين بكامل الإيمان: فيصبح الحال هكذا .. يقول عركي : بخااااااف .. يردد الحضور بعده : بخاااااف : انا بخاف : أنا بخاااف ويستمر الغنا والناس كالشجيرات التي غزتها الريح يتمايلون في وجدٍ وطرب غائمين. لكنه يخرجهم من موجة الشجن هذه لموجةٍ أخرى فيردد أغنيته الوطنية زائعة الصيت ..( شمس السودان) ويعلو التصفيق قبل واثناء وبعد إكتمال الأغنية ويعلو الهتاف تا .ابوعركي بسعد الجمهور
اعتلى ابو عركي المسرح وكل يتحول من وضعٍ إلى آخر . فاصل ثاني لم يمهلهم المغني المتشح بالطرب طويلاً فصعد مرةً اخرى ووتريات جوقته الموسيقية تفعل فعلها الراتب في توشيح الموسيقى ومرةً اخرى عركي يبدأ كعادته بالغناء للحب ( ضانة بيك الدنيا مالك) ولأنه هو الكائن الذي لا ينتهي عشقه ابداً فيما يبدو ، يجترح من فؤاده أغنية أخرى لمحبيه: في عينيك دنيا غريبة دنيا ملانة محنة وطيبة وهنا بان تماماً لكل الحضور لماذا اصبح هو سيداً لغناء العاشقين .. فغنى عركي كأنما كان يجلس هو ومحبوبته فقط في مكانٍ نائٍ فغنى لها وغنى لها ووصل من الطرب أن تلوى ومال واحتشد، وأطرب نفسه لحد الثمالة ولم يتوقف حتى توقفت الموسيقى. لكنه عاد ورسم بمخيلة الكبير (التجاني حاج موسى) معاني اللإشتياق والوحشة فردد بصوت غلبته الاسية ونال منه الشوق ما نال: واااااااحشني .. واحشني يالرسيت مراسيك جوة زاتي .. إلا باكر لما ترجع انا بحكي ليك عن الحصل عن بعد المسافة وقربها لمن يفارق زول عيون غاليات عليو كتير وبحبها .. وبحبها. وحين تُغنا واحشني لا تترك مساحة لشئٍ آخر .. فأمتلأت خشبة المسرح بالمحبين والمفتونين والمذين تآمر الطر عليهم مع الوحشة ففعل بهم ما فعل، وارتفعت التأودات وأنين المشتاقين يعلو ويعلو ويعلو. وعركي كما غنى لمحبوبات محبيه ومعجبيه ، غنى لمحبوبته هو هذه المرة، فمن كلماتها ردد: يا قلب انا كنت قايلك تبت من بعب السفر ومن مخاواة القماري ومن شراب موية المطر تارييك كامن ليااااا بى شيتاٍ كتر ولأن الرجل الآن صرح وهو يعلن مصدر الوجع وطعن في مكامن الشجن صعد المعجبون على المسرح فتوقفت الاغنية قبل إكتمالها لا لشئ إلا لأن المغني الشفيف على ما يبدو اشفق على قلوب الحاضرين. ومن ثم لون عركي أمسيته بختامه المعهود: سهرنا الليل وكملنا في ظلال عينيك النعسانة سرحنا كتير في ساحاتو كملت ارواحنا الهيمانة يانور النور .. يانورة يافرح الأفراح .. يااااا بلورة. وهي الاخرى لم تكتمل لأن الناس تركوا مقاعدهم وحملوا الفنان على اعناقهم وصارت خشبة المسرح تغص بالحضور الراقص والمبتهج والمعانق لمحبوبه. • فاصل خاص عادة لا يمر حفل عركي مثله مثل باقي الحفلات لكنه يحتشد بالكثير من المشاهد الجميلة والبهية والتعبيرات الصارخة المهذبة. أولها جلوس محبوبته و(أم عياله) عفاف الصادق أمامه كالعادة وهو يغني تراقبه وترقب عشقه وتطرب لتغنيه الذي تعلم أنه لها لوحدها دون نساء العالمين. وثانيها مشهد الشاب الاصلع الهائم الذي يحمل لوحةً فيها صورة الفنان ملفوف بعلم السودان، يعد ويجلس بالقرب منه في كل هدوء وادب لحظة تغنيه باغنية (واحشني). ثالثاً .. تأود الحضور الواضح وعلو صوت عشقهم وهو ما يؤكد ماذهب إليه الناس قبلنا أن عركي هو فنان العشاق الاول في السودان. رابعاً صعود فتاة وتوقفها أمامه لبرهة وهي تنظر إليه وهو لحظة تغنيه بـ(في عينيك دنيا غريب) .. ثم نزولها وهي منشرحة دون أن تقترب من الفنان أو تصافحه على غير العادة. خامساً والأهم .. العدد الكبير للحضور الذي كان قرابة الثلاث ألف شخص اغلبهم من الشباب وتحديداً الشابات. سادساً .. عدد كبير من الحضور كان يحمل أعلام السودان ويرفرف بها حتى عند التغني للحبية الأنثى .. والتعبيرات والهتافات الوطنية العالية لحظة التغني للوطن. ملخص الشجن الذي خرجنا به من هذه الامسية اننا في حوجة لمزيد منها ومن هذا النوع من الغناء المهذب للسلوك البشري والمقوم للبشر، وأن عركي ظل وسيظل ميقات فرائحياً للكلم الطيب والغناء العذب الجميل وللقيم وكل المعاني السامية