العمود الحر
عبدالعزيز المازري
أبو شيبة والهلال: قراءة في تقرير يكشف أسباب الفشل ومسؤوليات الإدارة
في الوقت الذي يتخذ فيه البعض الحرب شماعة للفشل، حققت دول مثل العراق، الذي خرج لتوه من الحصار والدمار، كأس آسيا 2007 في ملحمة رياضية أذهلت العالم. وفي نيجيريا، ورغم تمرد بوكو حرام، توّج منتخبها بذهبية أولمبياد أتلانتا 1996، وواصلت أنديتها التألق أفريقيًا. أما السودان، وبرغم ما يعيشه من أزمات، فقد تأهل منتخبه الوطني إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا، فكيف نبرر لفشل إدارة الهلال وتراجع نتائجه بالحرب، رغم توفر كل عوامل النجاح من دعم وإمكانات واستقرار إداري نسبي؟! وحتى سوريا، وسط لهيب الحرب، شارك منتخبها في تصفيات كأس العالم ووصل للملحق. تلك أمم حولت جراحها إلى إنجاز، بينما البعض هنا يحول الاستقرار إلى عذر للهروب من المسؤولية.
كتب الزميل خالد أبو شيبة تقريرًا متزنًا يستحق التقدير، لكنه لم يُحمّل المدرب فلوران مسؤوليته كاملة. وهنا نختلف. فلوران لم يكن مجرد ضحية… بل أحد أعمدة الفشل.
مدرب بلا موقف، بلا مشروع، يفتقر إلى الشجاعة الفنية، وتنعدم لديه الرؤية المستقبلية. فريقه بلا هوية، وتبديلاته عشوائية، وتعامله مع اللاعبين الوطنيين مجحف.
ما حدث في معسكر السعودية دليل دامغ: تم الاستغناء عن أبوعاقلة لأسباب غير مقنعة، والصيني هرب بسبب مشكلات داخلية، ويسأل رئيس البعثة المهندس رامي كمال: أين التوضيح؟ فالخروج ليس قرارًا فنيًا، والقرار لم يكن من المدرب وحده، بل من دائرة ضيقة يدير بها العليقي الهلال كما يشاء. دائرة أصبحت “تسيّر النادي”، وأوصلتنا إلى واقع مؤلم… فريق بلا مهاجم، ولا صانع لعب، في موسم تتوفر فيه الموارد ولا تُحسن الإدارة التصرف. لاعب مثل الطيب بن زيتون، هل فلوران من سجله؟ بالطبع لا، فتلك الدائرة الضيقة التي يغلق رئيس القطاع نفسه فيها هي من أوصلته لهذا الوضع.
القطاع الرياضي لا يعمل بمؤسسية، بل بمزاجية من يتصدرون المشهد. أما التسجيلات والاستغناء وضياع العظم الوطني من الشباب فكانت مهزلة: لا رؤية، لا تنسيق، فقط اجتهادات فردية وشخصيات تفرض نفسها بلا كفاءة.
والمحصلة؟ إخفاقات قاربت الفضيحة، وخروج متكرر من البطولات، والآن نقترب من دوري النخبة دون مهاجم صريح ولا تجهيز حقيقي، والمدرب منشغل بعقده الجديد وتفاوضه مع الفرق الأخرى على مشهد من القطاع الرياضي لا مهموم بقضايا الفريق.
المشكلة لم تكن في “الأرضية” ولا في “الحرب الإعلامية” كما يحاول البعض تصويرها. المنتخبات واجهت ظروفًا أصعب ونجحت. نحن نملك الاستقرار والمال… ونفتقد الفكر والرؤية.
نقدّر تقرير خالد ومتابعته الدقيقة. لكن الحقيقة أن فلوران، والعليقي، ودائرته الخاصة، هم من قادوا الهلال لهذا الواقع.
الهلال لا يُدار بالترضيات… بل بالمحاسبة.
في المشهد الرياضي، يُساء فهم النقد وكأنه عداء، بينما هو في جوهره تقييم وتصويب. حين ننتقد أداء المدرب أو مشروع العليقي، لا نحمل ضغينة، بل نبحث عن الإصلاح. البعض يريد إعلامًا يزين الواقع حتى في عز الهزيمة، لكن الحقيقة أن التطبيل لا يصنع بطولات. الناقد الحقيقي لا يجامل، بل يفتح الجراح ليداويها. نحن لا نصمت حين يخفق المشروع، ولا نجمّل الفشل. لأن الكيان أهم من الأفراد، وسنظل نكتب بحب، لا تملقًا… وننقد لنُصلح، لا لنهدم.
الهلال يواجه أزمة إدارية وفنية حقيقية تُهدد مستقبله، وسط تبريرات متكررة بالظروف العامة التي لا تعفي الإدارة من مسؤولياتها. التراجع ناتج عن قرارات ارتجالية وتهميش اللاعب الوطني، مع استمرار في نهج عقيم لا يُواكب طموحات الجماهير. النقد المطروح نابع من حرص على الكيان، وليس عداءً. المطلوب هو تغيير جذري يقوده فكر احترافي، لا تبريري، يُعيد للهلال بريقه ودوره القيادي في الكرة السودانية. لا مجال للمجاملات، فالتغيير ضرورة لا ترف، وهو مسؤولية جماعية لإنقاذ نادٍ بحجم الهلال وتاريخه.
**كلمة حرة أخيرة**
في زمن العليقي، اللاعب الوطني يُستبعد، والمدرب يتفاوض، والقطاع غايب، والمهاجم ضايع…
اخر كلمة
سمعت واحد قال: الفريق ناقص حظ… قلت ليه: لا، ناقص دماغ يخطط !