قال رجل حكيم ذات مرة:(الفراشة رغم جمالها حشرة والصبار رغم قساوته زهرة ، فلا تحكم على الناس بأشكالهم ،بل احكم عليهم بأعمالهم .. كن من تكون فاليوم تمشي وغدا مدفون ، إهتمامنا عظيم بمسمياتنا في الدنيا بروف دكتور باشا مهندس الخ .. ولكن يبقى السؤال المهم ماذا أعددنا لمسمياتنا في الآخرة ؟؟ قال تعالى: ياليتني قدمت لحياتي ..)
* نعم الحياة الحقيقية ليست هي الحياة الدنيا الآن وإنما هي حياة أخري عليا دائمة أبدية .. إفعل الخير مهما صغر فلا تدري أي حسنة تدخلك الجنة.
* ظروف مرضية غيبتني عن حضور حفل تأبين أستاذي وأستاذ الصحافة الرياضية الراحل المقيم أحمد محمد الحسن بنادي المريخ بأم درمان.
* عرفت المريخ وأحببته وأنا يافع بحي سوق الشجرة بأم درمان وترسخ الحب ونحن نستمع لمباراة للمريخ والهلال عام ١٩٧١م عندما تردد إسم نجم المريخ المتوهج حينها محسن عطا وهو جارنا بالحي واشقاؤه إخوة وأصدقاء ووالدهم عم عطا كان بمثابة الوالد يأمر فيطاع..
* غادرنا أم درمان لقرية الجبلين جنوب كوستي لعمل الوالد في شركة شل ولم يغادر المريخ خيالنا وظللنا نحبه ونتابع أخباره .
* منتصف السبعينيات إنتقلنا الى مدينة الدويم وبمدارسها درست المرحلتين المتوسطة والثانوية وبما إنها مدينة تعشق الرياضة عامة وتتنفس كرة القدم وتنقسم بين المريخ والهلال العاصميين والأشبال والوطن بالمدينة وعلى الفور كان خيار الأشبال هو الأول لإرتدائه اللون الأحمر القاني ، ولن أنسى شقيقي أو توأمي كما كان البعض يعتقد عمر عابدين الهلالي المتعصب للون الأزرق والذي لم يبدل مجتمع الدويم حتى اللحظة ، إنقسمنا في المنزل بين المريخ والهلال وبدأت مراحل أرشفتنا للأحداث الرياضية ولكل واحد منا دفترا لصور النجوم وأخبار الناديين ، وفي المدرسة المتوسطة كانت هناك عدد من التلاميذ له نفس الإهتمام دفاتر الكور تجد الأهتمام أكثر من دفاتر دروسنا ويا ما تمت معاقبتنا جراء ذلك الاهتمام .وكيف لا نذكر البارعين في جمع صور النجوم الكبار في المريخ ( كمال عبدالوهاب وبشارة ومحسن عطا وسانتو مدني وسانتو الخرطوم وحموري الكبير والصغير وسليمان عبدالقادر وكوري والطيب سند والهادي سليم الخ..) ولمعت أسماء جدو واولاد الطيب مكي وفي الهلال كان اخي عمر عابدين وعادل كرار والزبير حمد وسلسلة طويلة تنتظر الصحف وتتلقفها وتجد إزدحام مبالغ فيه لشراء الصحف ومتابعة الأخبار والتمتع بصور كبار النجوم والاحتفاظ بها .
* في تلك الفترة وبدون مبالغة لو قلت لكم كم كان إعجابي وتعلقي بكتابات الأستاذ أحمد محمد الحسن بجريدة الصحافة والآخرين يناكفون بكتابات ميرغني أبوشنب بجريدة الأيام ، كانت كتابات أحمد رائعة بديعة ساحرة جعلت المريخ يرسخ في جوانحنا ولا يغادرها ، أسلوب ساحر فيه بلاغة وحلاوة وذوق بينما كان غريمه بجريدة الأيام ميرغني أبوشنب شرسا مقاتلا كتاباته مثيرة للجدل دائما.
* لم يغادر أحمد محمد الحسن خيالي المريخي وأكاد أحفظ عباراته وكتاباته ومقالاته وصوره واحتفظ بصفحاته منذ ذلك الزمان الباكر وحتى الإن ..
* سافرت الى مدينة الاسكندرية مطلع الثمانينيات للدراسة بجامعة بيروت العربية وهناك التقيت بشقيق الاستاذ أحمد وهو صديقي وزميلي ورفيقي في حزب البعث العربي الاشتراكي عثمان محمد الحسن والذي كان قمة الذوق والأدب والعلم ودرس القانون بجامعة الاسكندرية ، وجاءت العطلة الدراسية ودخلت منزل أستاذنا أحمد محمد الحسن لأول مرة عن طريق رفيقي عثمان محمد الحسن المريخي الرائع وعرفني على الاستاذ احمد ووجدته رجل قمة التواضع وموسوعة رياضية وفاجأته بإرشيف كتاباته القديمة والتي حفظتها وأنا تلميذ صغير وأعجب بها .
* دعاني الاستاذ احمد لحضور إجتماع بمنزل الاستاذ حسن محمد عبدالله بحي المسالمة بخصوص كتاب توثيق تأريخ المريخ وفي الاجتماع تعرفت عن قرب بكبار رجالات المريخ وكان ذلك تقريبا في العام ١٩٩٨م وإعتمدني كبار المريخ عضوا باللجنة ويرجع الفضل للأستاذ أحمد محمد الحسن.
* بدأت علاقتي بالكتابة الصحفية لأول مرة عام ١٩٨٧م بجريدة الهدف الناطقة بإسم حزب البعث العربي الاشتراكي ثم جريدة التلغراف لفترة قصيرة وقام إنقلاب الجبهة الاسلامية في ١٩٨٩م .
* عدت للكتابة غير المحترفة متعاونا مع صحيفة المشاهد عام ١٩٩٨م بواسطة الأخ مزمل أبوالقاسم المريخي الذي دعاني للتعاون المستمر معهم في البحث والتنقيب في تأريخ المريخ وقد كان .
*في ١٩٩٩م طلبني الأستاذ أحمد محمد الحسن للعمل رسميا معهم بجريدة المريخ وقد كان وله الفضل في ذلك وحقيقة إستفدت منه ومن متابعته الدقيقة لكل مايكتب ويحكي لنا تحاربه مع طه محمد طه ومع السر قدور ومرسي وهاشم ضيف الله ..وتوطدت العلاقة بيننا وشابها ماشابها من تعرجات وتلك شيمة البشر ولكن رغم كل شئ لم يغب الاحترام والتقدير العلاقة بيننا وإختلاف وجهات النظر شئ طبيعي وصحي.
* نعود للأستاذ أحمد محمد الحسن ومن خلال متابعتي للصحافة ومايكتب فيها منذ ١٩٣٥م وكيف كان أسلوبها وأبرز كتابها في السياسة والرياضة فنجد إن أحمد محمد الحسن حاج علي ظهر في نهاية الخمسينيات وكتب وهو طالب بالمرحلة الثانوية بجريدة الثورة ثم جريدة الناس لصاحبها محمد مكي وكتب أحمد بصفحة الحياة والناس بينما يقود صفحة الرياضة الثنائي الخطير ( السر قدور ومرسي صالح سراج) وكليهما شاعر وأديب بارع وحولا الصحافة الرياضية من (صحافة الأخبار) الى الأسلوب الأدبي الرائع والذي وجد قبولا في الشارع الرياضي وتحولت عناوين جريدة الناس الى ذلك الاسلوب الشاعري ودخلت الاقلام الادبية المجال الرياضي زرافت ووحدانا ، في ظروف خاصة ونتيجة لمشكلة حدثت بين مكي والثنائي قدور ومرسي تحول أحمد محمد الحسن الى صفحة الرياضة مطلع الستينيات وتشرب أسلوب قدور ومرسي وبالتالي فهو ابن تلك المدرسة الأدبية في الكتابة الرياضية.
* في منتصف الستينيات وبعد ثورة أكتوبر أي في ١٩٦٥م صدرت لأول مرة في أفريقيا والعالم العربي صحيفة رياضية خاصة بناد الا وهي صحيفة المريخ وكان رئيس تحريرها طه محمد طه وتم إختيار أحمد محمد الحسن سكرتيرا للتحرير حتى عام ١٩٦٧م عندما إندلعت الأزمة الادارية بنادي المريخ بل قل عهد الفتنة واستعرت الحرب وأقيل طه محمد طه من منصبه كرئيس تحرير بعد خلافه مع سكرتير النادي حسن أبو العائلة والمقال الشهير الذي كتبه طه وهاجم فيه أبوالعائلة تحت عنوان( اللهم اغفر لنا فقد كنا نعبد الأصنام) وعل الفور تم إختيار أحمد محمد الحسن رئيسا للتحرير وقاد الصحيفة بحنكة ودراية مستفيدا من الإرث الكبير وتجارب الكبار الذين عمل معهم.
* بعد إنقلاب جعفر النميري عام ١٩٦٩م وفي مطلع السبعينيات تحول أحمد للعمل بصحيفة الصحافة العريقة وكان يرأس القسم الرياضي المربي هاشم ضيف الله( أستاذ النميري بمدرسة حنتوب) عمل أحمد مع رجل من طراز آخر ومدرسة تختلف تماما عن الآخرين ، هاشم ضيف الله نجم الهلال في الثلاثينيات والأربعينيات والذي تأثر بالنهج الانجليزي في الإنضباط والضبط والربط ولايترك صغيرة ولاكبيرة للصدفة وكان رياضيا حقيقيا ومعلما مربيا ومدربا لكرة القدم وتحول أحمد الى تلميذ كما قال لي في مدرسة هاشم ضيف الله والذي وجد في احمد تلميذا مطيعا نجيبا ويحب عمله بأخلاص.
* الصحافة والايام كانتا قمة الصحافة أيام حكم النميري ولم تكن هناك صحف أخرة ماعدا القوات المسلحة ولم يكن لها تأثير بجانب مجلتي الإذاعة والمسرح والتلفزيون والشباب والرياضة.
* في عام ١٩٧٨م وفي قمة شغف الشارع بالأخبار الرياضية والتي جعلت جريدة الأيام تصدر ملحقا رياضيا خاصا جعل الأستاذ النعمان حسن ومحمد محمود هساي يصدران جريدة رياضية خاصة هي ( نجوم وكواكب) وبعدها ظهرت صحف رياضية متخصصة وكان الأستاذ أحمد محمد الحسن قد أصدر جريدة خاصة به هي صحيفة الملاعب ثم بعدها دمجها مع صديقه وقريبه أحمد الحبو ولكنها لم تستمر طويلا.
* ولج أحمد محمد الحسن مجال العمل النقابي وكان ضمن الاوائل الذين كونوا نقابة الصحافة الرياضية عام ١٩٧٠م بمعية الاساتذة مبارك خوجلي وعمر عبدالتام وشهلابي ورفاقهم ثم واصل في كل الكيانات النقابية حتى ايامه الأخيرة.
* الراحل المقيم يحتاج الى مجلدات لتسطير سيرته الذاتية رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا وجعل البركة في أهل بيته والحمدلله الذي جعل إبنه النجيب محمد مواصلا مسيرة والده بخطى واثقة والحمد لله.