تغوُّل على أكثر من مليون متر مربع لصالح نافذين في النظام البائد
تحقيق: بهاء الدين عيسى – نادر عطا
عندما أصدرت قيادة الحزب المخلوع قرارا في ديسمبر من العام 1992 بإنشاء مدينة السودان الرياضية هلل الجميع وكبروا واستبشروا خيرا وما كانوا يدرون أن “الثعالب الحرامية” يلعبون بعقولهم ويخططون للسرقة تحت مسمى تطوير البنية التحتية للرياضة، ليكتشفوا بعد مرور ما يقارب ثلاثين عاما أكبر عملية فساد إداري ومالي في تاريخ السودان وأكبر عملية سطو تمت على أراضي الدولة في عهد النظام البائد، استمرت هذه الحالة في النهب والضحك على عقول الرياضيين طويلا، فكان كلما أتى وزير جديد للرياضة يعِدُ بفتح الملف الملغوم وسرعان ما يغلقه حتى يحافظ على منصبه الصوري، تم التعدي في وضح النهار على المدينة الرياضية التي تقلصت مساحتها بسبب النهب من “1.488.144” ألف متر مربع لتصبح بعد التغول “406.000”م2 وتمت هذه السرقة على مراحل، حيث ذهبت أراضي المدينة الرياضية لنافذين وجزء منها لجهات مجهولة ، وكشف التقرير الخطير الذي كان مركونا في ديوان المراجع القومي طيلة السنوات الماضية ، حيث تحصلت (التيار) على نسخة منه وهو يؤكد بالدليل القاطع أن كل أراضي المدينة الرياضية المسروقة مسجلة باسم حكومة السودان حتى الآن، “الصحيفة” تفتح هذا الملف الخطير عبر حلقات متتالية لتملك الشعب الحقائق كاملة في أكبر عملية فساد شهدتها البلاد منذ الاستقلال.
# فكرة مدينة السودان الرياضية
جاءت فكرة مدينة السودان الرياضية في عام 1966 وتم طرح الفكرة لشركة بلغارية ودراسة المشروع مع مذكرة تفسيرية حددت سبعة سنوات لإكمال المشروع في مساحة “1.200.100” متر2 شمال الحزام الأخضر بتكلفة “8.655.000” جنية سوداني ولم يتوفر التمويل وتوقف المشروع، في عام 1972 قدرت التكلفة الكلية للمشروع بـ”56.300.240″ دولار ولم تُنفَّذ حتى عام 1981، أجريت دراسات أخرى أوضحت أن التكلفة 75.000.000، ووقف التمويل عائقا وتم إلغاء تخصيص الأرض ونزعت عام 1981 ليلغى إنشاء المدينة الرياضية شمال الخرطوم وفي 1992 جرت محاولات لإعادة الأرض وصدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإنشاء مدينة السودان الرياضية وصندوق لبناء المدينة وتم إيداع مبلغ “10.000.000” جنيه في ذلك التاريخ كبداية وتم إعادة تخصيص الأرض، وكان الرئيس المخلوع قد قرر نزع ملكية الساقية “33” مطري الجريف وتخصيص مساحتها لإنشاء المدينة الرياضية “دون تعويض”.
# تعدٍّ جهارا نهارا على أراضي المدينة
بدأ التعدي على أراضي المدينة الرياضية بمربع “26” غرب ومساحته “323.850” م2 بعدد “369” قطعة سكنية مساحة القطعة “500” م2، وقد تظلَّم أصحاب التعويضات كثيرا ولم يجدوا شيئا رغم أن لجنة المظالم رأت تعويضهم داخل المدينة، إلا أن قرار النزع صدر من الرئيس المخلوع لذلك رفض المستشار القانوني مخالفة القرار، علما بأن التعويض تم على مساحة “179.500” متر مربع وباقي المساحة تم التصرف فيها بالبيع الاستثماري بواسطة ولاية الخرطوم وقدرها “144.350” م2، وحدثت تعديات أخرى على مساحة “134.880” م2 بتوزيعها قطعا استثمارية بلغ عددها “712” قطعة، وتم التعدي أيضا على “686” قطعة وهنالك قطع وزعت لبناء مسجد ووحدة إدارية ونقطة شرطة إضافة إلى أربع دورات مياه، والأخطر أن هنالك “23” قطعة لم تجد المراجعة توضيحا لمساحتها، أما بقية المساحة فهي عبارة عن حجوزات لصالح ولاية الخرطوم لمواقع خدمات.
# وزارة الرياضة “برة الشبكة”
لم يكن لوزارة الشباب والرياضة أي دور مؤثر لإيقاف هذا التغول، حيث استقطعت هذه المساحات لاستثمارها قطعا تجارية بناء على خطاب مدير وحدة التخطيط العمراني في 1997 المعنون إلى لجنة التخطيط المعراني ولاية الخرطوم التي صادقت عليه ووزعت صور لعدد “13” جهة لتنفيذ القرار ليس من بينها وزارة الشباب والرياضة “المالك” وهنا خالف مدير وحدة التخطيط العمراني بالولاية القرارات بشأن تخصيص المساحات لمدينة السودان الرياضية وقد تم تنفيذ هذا القرار والمؤسف أن المراجعة لم تجد المستندات الخاصة بالقيمة البيعية لقطع الأرض والطريقة التي تم بها البيع وأين تم توريد عائدات البيع واكتفت بوضع توصية لتقييم الطقع المباعة وتحويل عائدها لوزارة الشباب والرياضة، محاسبة تسجيلات الأراضي لموافقتها تسجيل هذه القطع للمستفيدين دون تخويل من المالك.
# تعديات على جنوب المدينة الرياضية
تواصل التعدي على أراضي المدينة الرياضية حيث حدث تعدٍّ آخر على الجهة الجنوبية مربع “29” على مساحة “139.500” م2 لعدد “196” قطعة سكنية إضافة لمواقع الخدمات وتم هذا الأمر بموجب قرار اتخذه مدير وحدة التخطيط المعراني ولاية الخرطوم وصدقت عليه لجنة التخطيط العمراني ووزع هذا القرار لعدد “13” جهة ليس من بينها “المالك” وزارة الشباب والرياضة ولم يتم تنازل أو اتفاق بين وزيري الشباب والرياضة والتخطيط العمراني وجاءت توصية المراجعة بنفس التوصيات بشأن التعدي على مريع “26” باعتبار أن صاحبة الحق وزارة الشباب والرياضة لا تعرف شيئا عن التقييم والبيع والعائد.
# تعدٍّ على جنوب شرق المدينة
شمل التعدي على أراضي المدينة الرياضية الجهة الجنوبية الشرقية وحدث تعدٍّ على مساحة “55.500” متر2 وزعت بموجبها عدد “92” قطعة استثمارية بمساحات تتراوح بين “370/400” م2 وتم ذلك بناء على خطاب المدير العام للإيرادات ومذكرة مخطط مدن الولاية وصادقت لجنة التخطيط العمراني على ذلك وأيضا وزعت عدد “13” صورة لجهات ليس من بينها “المالك” وزارة الشباب والرياضة، والملاحظ أن الخطاب تم من مدير الإيرادات ولاية الخرطوم ومخطط مدن الولاية دون وضع أي اعتبار لوزارة الشؤون الهندسة أو وزارة الشباب والرياضة ليخالف بذلك القرارات التي صدرت في شأن المدينة الرياضية، ولم تجد لجنة المراجعة شيء لكتبته واكتفت بنفس التوصيات السابقة فيما يخص التعديات.
# الجهة الشرقية لم تسلم من التعدي
تواصل التعدي على أراضي المدينة الرياضية حيث لم تسلم الجهة الشرقية من التغول وحدثت تعديات بمساحات فردية لعده جهات منها القطعة رقم “339” بمساحة “11.359” م2 والقطعة رقم “394” بمساحة “17.040” م2 وفي العام 2008 خاطب محمد يوسف محمد وزير الشباب والرياضة وزير التخطيط العمراني لضم جزء من المدينة مساحته “45000” م2 لأرض المعسكرات بسوبا واستثمار جزء منها تجاريا، ورد وزير التخطيط العمراني على وزير الرياضة بأن تحصل وزارته على “50%” من المساحة وبموجب هذه المكاتبات صدر القرار وتم التصديق لتشييد قاعة مؤتمرات بمساحة “17.040”م2 وقطعتين استثماريتين بمساحة “4.589.44” م2 و”11.359.43″ م2 وفتح شارع شرق المدينة الرياضية بعرض “30” متر، ووزع هذا القرار على “13” جهة ليس من بينها “المالك” وزارة الشباب والرياضة ولم تجد الجهة التي قامت بالمراجعة ما يفيد عن كيفية التصرف في القطعتين المذكورتين، وتبين أن قاعة المؤتمرات متعددة الأغراض وصدقت لمنظمة طوعية، وجاء في التوصية إلغاء القرار لمخالفته قرار الرئيس المخلوع رقم “45” لسنة 1991م.
# جمعية مجهولة في قفص الاتهام
منحت القطعة رقم “379” مربع “26” بمساحة “4000” م2 لجمعية أصحاب الميمنة ودار القرآن واتضح أن هذه الجمعية غير مسجلة في سجل المنظمات الطوعية أو الخيرية والموقع الآن به مسجد ومجمع مبرة الشيخ عبد الرؤوف التكينة وجزء كبير منه غير مستغل وصُدِّقت هذه المساحة بتوجيه من وزير التخطيط العمراني وقامت اللجنة المفوضة بإنشاء المجمع الإسلامي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية ولاية الخرطوم، وحيثيات تسجل القطعة غير موجودة “أسباب التصديق داخل المدينة الرياضية والمكاتبات وغيرها” ولم تجد المراجعة ما يوضح لصالح أي جهة كان القرار، وفي توصية المراجعة جاء ما يلي: التحقيق من الجهة التي منحت لها هذه المساحة وإلغاء القرار لمخالفته قرار الرئيس المخلوع.
# مصحف أفريقيا وعبد الرحيم محمد حسين
هنالك قطع كثيرة تتبع للمدينة الرياضية تم بيعها لأفراد كقطع استثمارية دون وجود قرار تخطيطي بشأنها وهذا البيع تم بواسطة ولاية الخرطوم والقطع “332/320” بمساحة “4800” م2 الآن عبارة عن ورش لصيانة العربات، وطالبت توصية المراجعة بإلغاء هذا البيع وتحويل ملكية القطعتين لمدينة السودان الرياضية، أما القطعة “230” ومساحتها “35000” م2 فقد صُدِّقت لموقع مصحف أفريقيا بناء على قرار عبدالرحيم محمد حسين وزير الشؤون الهندسية ووزع القرار لعدد “14” جهة ليس من بينها وزارة الشباب والرياضة “المالك” ولم تجد المراجعة تصديقا للجهة التي يتبع لها مصحف أفريقيا ولم تجد المراجعة علاقة إدارية لعبد الرحيم محمد حسين بمصحف أفريقيا وطالبت توصية المراجعة بإلغاء التصديق ومعرفة الجهة التي يتبع لها مصحف أفريقيا لتسديد قيمة الجزء المشيد وبالعدم تطالب ولاية الخرطوم بتسديد القيمة.
# تمدد جامعة أفريقيا
خصصت لجامعة أفريقيا بتوجيه من يوسف عبد الفتاح لمدير جامعة أفريقيا العالمية وإشارة لخطاب وزير التخطيط فقد وافق الوزير على منح جامعة أفريقيا مساحة “85000” م2 بصورة لوزير الشؤون الهندسة ولاية الخرطوم شرف الدين بانقا وجهات أخرى ليس من بينها وزارة الشباب والرياضة، وبعد زيارة قامت بها لجنة المراجعة لجامعة أفريقيا اتضح تمدد الجامعة داخل أرض مدينة السودان الرياضية بـ”أكثر” من المساحة المصدق عليها واوصلت بمراجعة المساحة المصدقة مع المساحة الفعلية للجامعة وتعويض المدينة الرياضية من الجهة المالكة للجامعة من المساحة المشيدة، وبرر وزير الشؤون الهندسية شرف الدين بانقا بيع تلك المساحة بالقول: “شعرنا أن مساحة المدينة سيتم استقطاعها باستمرار لعدم وجود تمويل للبناء، كما أن عدم تعميرها سيجعل المنطقة عرضة للسكن العشوائي.
# سوار يعترف أمام البرلمان
اعترف وزير الشباب والرياضة حاج ماجد سوار أمام البرلمان في نهاية 2012 بعمليات البيع وبناء المخطط السكني، وأكد التصرف في بيع مربع 26 الأزهري بمساحة 323.850 م2 بواسطة الشؤون الهندسية التابعة لولاية الخرطوم، وامتداد “مربع 29 الأزهري” بمساحة 55.800 م2، ومربع جنوب السوق المركزي الواقع شمال مربع 26 الأزهري بمساحة 134.880 م2، ومنحت جمعية أصحاب الميمنة مساحة بلغت 42.000 م2، إضافة إلى مساحات مختزلة للشوارع شرق وجنوب المدينة 264.885 م2 بواسطة الشؤون الهندسية حتى تقلصت المساحة إلى 414.225 م2، وأوضح سوار أن التعديات تخالف الدستور الانتقالي لسنة 2005 وتخالف قانون الأراضي وقانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لسنة 1994 والمادة 183 من القانون الجنائي لسنة 1991م.
# قالوكوما والسور الخارجي للمدينة
ظل وزير الرياضة الأسبق حيدر قالوكوما -إبان شغله لمنصبه- يتجاهل الاستفسار عن مليون متر مربع ضاعت من المساحة المخصصة للمدينة الرياضية وفق إفاداته المتكررة التي كان يقول فيها: “منذ بداية تسلمي لمهام الوزارة تجاهلت كل الملفات الخاصة بالمساحات المفقودة من أراضي المدينة الرياضية، وركزتُ جهودي على بناء السور الخارجي للمدينة بغرض حماية المتبقي من المساحة”، وهو ما استغرق ستة أشهر، نتيجة موانع واعتراضات من شركة “دلش للمزادات”، المنفذة لمشروع محال تجارية، تم بناؤها بمساحة 300 م2 على الشريط الغربي للمدينة الرياضية، مما اضطرت الوزارة للدخول في نزاع قانوني مع الشركة التي تمتلك تلك المحال، وكسب قالوكوما القضية وأمرت المحكمة بإزالة المحال لعدم قانونية عقود البيع وجاء الحكم لصالح وزارة الشباب والرياضة واكتمل السور بشكله الحالي”.
# ملخص التعديات على المدينة الرياضة
بالعودة لملخص التعديات على مدينة السودان الرياضية انحصر التعدي على الآتي: استقطاع تعويض الملاك “179.500”م2، تعديات ولاية الخرطوم “525.300”م2، تعديات جهات أخرى “148.400”م2، تعديات أخرى لم تجد المراجعة المستندات الخاصة بها “828.800”م2، إجمالي المساحة المنهوبة “1.082.000”م2، مساحة مدينة السودان المتبقية “406.000”م2، فيما تبلغ جملة المساحة المخصصة للمدينة الرياضية “1.488.144”م2.