للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
الفاخر للمساخر.. (في ستين) !
* التبرير الذي استخدمته وزارة المالية لتمرير الصفقة الغريبة والمريبة التي أبرمتها بلا مناقصة مع شركة الفاخر للأعمال المتقدمة يدل على أن الفساد استشرى في أجهزة الدولة، وأصبح داءً عصياً على العلاج، حتى في زمن الثورة، وفي عزِّ وقت التشدق بمبادئ الشفافية والعدالة ومحاربة المحسوبية واسترداد الأموال المنهوبة.
* عقد باطل، يراد به إهدار المزيد من أموال الدولة على قططٍ سمانٍ، استمرأت أكل السحت، ونهب أموال المسحوقين بتبريرٍ كذوب، وزعمٍ أرعنٍ، ادعت به وزارة المالية أن تمكين الشركة المحظوظة من احتكار تصدير الذهب بلا منافسة ولا مناقصة سيسهم في تخفيض سعر الدولار إلى ستين جنيهاً في فترةٍ وجيزة!
* هذا الفساد المقنن لم يحدث حتى في عز زمن التمكين الإنقاذي، الذي استبيح فيه المال العام، وأهدرت فيه ثروات الدولة من عوائد النفط والذهب بنهجٍ أرعن، أورثنا الفقر، وأذاقنا ذل الحاجة.
* نسألهم بدءاً، إذا كانت صفقة الفساد الفاخر ستؤدي إلى تخفيض سعر الدولار كما تزعمون، فلماذا تتحدثون عن ستين جنيهاً، وليس خمسين أو أربعين، أو حتى أربعة؟
* بحثنا عن الكمية التي مُنحت للشركة ذات الحظوة فوجدناها تتلخص بدءاً في طنين من الذهب، تتراوح قيمتهما ما بين سبعين إلى ثمانين مليون دولار في الحد الأقصى، فهل سيسهم توريد ذلك المبلغ في تخفيض سعر الدولار لما يقارب الثلاثين جنيهاً في فترةٍ وجيزةٍ، كما ادعت وزارة المالية، بدغدغةٍ رخيصةٍ لمشاعر البسطاء؟
* من يصدق ذلك الزعم العبيط عليه مراجعة مستشفى التيجاني الماحي في أقرب فرصة.
* من سخريات القدر أن تنتهك وزارة المالية كل نصوص قانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض، بعد أن أنهكت نفسها في إعداده (من 38 ورقة و83 مادة)، وتزدري دليلاً يحدد موجهات الشراء والتعاقد، أشرفت على تجهيزه ثلة من أبرز خبراء الوزارة نفسها، وحوى (126) صفحة، و(19) فصلاً، و(12) جدولاً، و(7) أشكال توضيحية، كي تمنح شركةً بعينها عقداً يعلوه الفساد، وتظلله المحسوبية، بزعم أنه سيسهم في تخفيض سعر الدولار!
* نسأل السيد وزير المالية.. الدكتور إبراهيم البدوي، الخبير الاقتصادي الدولي، الذي زعم من أتوا به أنه سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملأتها الإنقاذ جوراً ومحسوبيةً وفساداً، وأكدوا أنه سيكمل ولاية وزارة المالية على المال العام، ويمنع نهبه وإهداره على الفاسدين والمحاسيب وينمي الإيرادات، ويحسن حال الاقتصاد.. نسأله: لماذا اختصت وزارته شركة الفاخر دون غيرها بعقد تصدير الذهب؟
* لماذا لم تجرِ مناقصةً مفتوحةً، تمكن بها كل الشركات القادرة والمؤهلة على المنافسة لإنجاز المهمة المطلوبة؟
* ما الذي يتوافر (للفاخر) ولا تمتلكه غيرها كي تنال كل تلك الحظوة الغريبة والمريبة، وتحتكر تصدير المعدن النفيس دون سواها؟
* ننتظر من نيابة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه، ونيابة الأموال العامة ومكافحة الفساد أن تشكلا فريقاً مشتركاً للتحقيق في ملابسات الصفقة، واستجواب كل المتورطين فيها، وتحويلهم إلى المحاكمة، كي نصدق أن النفوس التي أزهقت، والأطراف التي قُطِّعت في ثورة الشعب الفتية لم تضع هدراً، وأن العهد الجديد لا يقبل الفساد، ولا يحتمل المزيد من هدر أموال الغبش على مترفين، لا يراعون في وطنهم وأهلهم إلَّاً ولا ذمة.
* إبطال العقد بأمر رئيس الوزراء أو وزير العدل لا يكفي، المطلوب التحقيق في ملابساته، ومحاسبة المتورطين فيه بصرامة، كي لا يتكرر مرةً أخرى، ويوقن الجميع بأن ثورة ديسمبر المجيدة لم تتفجر لتمكن الفاسدين من تقنين فسادهم، وإلباسه أثواباً جديدة، يريدون تلوينها بدماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءً لوطنهم هاتفين (سلمية سلمية.. ضد الحرامية).
* هذا العقد المريب مخصص (للمساخر)، لا (للفاخر)، والصمت عنه يعني فشل الثورة، وضياع مكتسباتها، واستمرار فساد العهد القديم.
* هذا الفساد المعلن مرفوض، حتى ولو أدى إلى تخفيض سعر الدولار إلى (قرشين)، ناهيك عن ستين.
* عقد الفاخر (فِي ستين)!