صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

المونديال بعيونهم..كيف غيّرت قطر ثقافة المشجعين الغربيين في كأس العالم؟

288

مشجعون: مونديال قطر صديق للعائلة.. والملاعب أكثر ترحيباً مما هي عليه في بلادهم الأم

كورة سودانية/ وكالات

 

 

أكبر “خدعة” في مونديال قطر 2022

أحرز المهاجم الهولندي فاوت فيخهورست هدفا رائعا في شباك الأرجنتين، في الوقت القاتل من زمن اللقاء الذي جمعهما مساء الجمعة، في الدور ربع النهائي لكأس العالم لكرة القدم “قطر 2022”. وابتكر لاعبو منتخب هولندا طريقة رائعة لتنفيذ ضربة حرة مباشرة أسفرت عن هدف التعادل الثاني الذي سجله فاوت فيخهورست في الوقت القاتل في الدقيقة الـ11 المحتسبة بدلا من الضائع للوقت الأصلي للمباراة على ملعب لوسيل.ولكن المنتخب الأرجنتيني نجح في حسم نتيجة اللقاء لصالحه بركلات الترجيح (4-3)، ليحجز مقعدا له في “المربع الذهبي” لمونديال قطر 2022، وسيلتقي فيه مع نظيره الكرواتي الذي أطاح بالمنتخب البرازيلي، إثر فوزه عليه بركلات الترجيح (4-2) أيضا، بعد تعادلهما من دون أهداف في الوقت الأصلي، وبهدف لمثله في الوقت الإضافي للقاء الذي جمعهما يوم الجمعة، على استاد المدينة التعليمية بالريان.

 

 

مونديال قطر الأكثر أمانًا في تاريخ كأس العالم

أثبتت الأيامُ القليلة الماضية ما تتمتع به بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 من أعلى درجات الأمن والأمان والتنظيم الاحترافي الهادئ بعيدًا عن شغب الملاعب ومُشاحنات الجماهير لتستحقَ عن جدارة لقب البطولة الأكثر أمانًا في تاريخ كأس العالم. ورغم مرور أيام قليلة من المونديال إلا أن الراية ترصد ما شهدته البطولة في دور المجموعات من دلائل تنظيم أمني مُحترف استطاع أن يتجاوزَ مواقف حاسمة تتسم أحيانًا ببعض الحدة والعنف بين الجماهير لاختلاف الثقافات أو للمُنافسة الشديدة بين أطرافها وحتى في «أم المباريات» بين أمريكا وإيران المعروفة تاريخيًا بأنها أكثر مُباراة مشحونة سياسيًا بسبب طبيعة العلاقات بين واشنطن وطهران، إلا أنها شهدت تناغمًا لافتًا بين بعض الجماهير من البلدين.

واتضح صواب الرؤية القطرية في اتخاذها عددًا من القرارات الفارقة مثل حظر تناول الكحول في الملاعب ومناطق المُشجعين للحد من أعمال الشغب وتعزيز أمن الجماهير وأيضًا توفير خدمات مجانية لتسهيل الحركة والتنقل، وتعظيم استمتاع الجماهير بروعة كرة القدم داخل الملاعب وخارجها والأنشطة المُصاحبة من فعاليات تفيض بالفرح والبهجة مع باقة رائعة من ثقافات مُتنوعة تجمعها روح التآخي والمحبة والسلام والاحترام المُتبادل. وتجسدت نتائج القرارات القطرية بالتعاون مع الاتحاد الدولي لكرة القدم في الأجواء الآمنة في كافة المباريات رغم الرقم القياسي للحضور الجماهيري الذي تجاوز ٩٤٪ في الدور الأول بحضور مليون و216 ألفًا و879 مُشجعًا في أول 24 مُباراة إضافة إلى ملايين آخرين ممن يحضرون الفعاليات المُصاحبة على مدار أيام المونديال.

 

مُفارقة تستحق الدراسة

يعتبر المواطنون والمُقيمون في قطر الأمن والأمان أمرًا مُسلمًا به ولكن بلغة الحقائق، لم يكن عاديًا أن تتمكنَ قطر من إرساء الأمن والأمان لكافة الجماهير خارج وداخل الملعب في مُباراة بلجيكا والمغرب على سبيل المثال فيما تندلع أعمال شغب بين جماهير الفريقين على بُعد آلاف الكيلومترات في العاصمة البلجيكية بروكسل ووقوع صدامات بين الشرطة والجماهير بعد فوز مُنتخب المغرب على نظيره البلجيكي في مُفارقة تستحق الدراسة حول الأسباب والدوافع ومناخ الأمن العام وحقيقة الصورة النمطية التي يصر إعلام غربي على رسمها في أذهان العالم عن منطقتنا بأنها ساحة صراعات ونزاعات فيما تثبت قطر صورةً مُغايرةً كواحة للأمن والسلام والتعايش بين الجميع.

 

مظلة أمان

وبضدها تتبين الأشياء، حيث تتضح أهمية مظلة الأمن والأمان التي ينعم بها مونديال قطر بالتعرف على مآسٍ جلبتها أحداث عنف وشغب في بطولات كأس عالم سابقة منذ نشأتها قبل ٩٢ عامًا. ففي مونديال أوروجواي عام ١٩٣٠ حدثت مُشاجرات ضخمة بين جماهير أوروجواي والأرجنتين بعدما ردد جماهير الأخيرة شعارات النصر أو الموت وتم منع وقوع كارثة بسحب ١٥٠٠ قطعة سلاح كانت بحوزة بعض الجماهير. وفي مونديال شيلي ١٩٦٢ تحولت المُباراة بين مُنتخبي تشيلي وإيطاليا إلى ساحة حرب بسبب صحفيين إيطاليين انتقدا استضافة تشيلي البطولة واقتحمت الجماهير التشيلية الميدان عدة مرات لاستهداف الإيطاليين. وفي مونديال فرنسا ١٩٩٨ شهدت مدينة مرسيليا مُشاجرات هي الأعنف في تاريخ البطولة لمدة ثلاثة أيام بعد حرق مُشجعين إنجليز ينتمون لمجموعة الهوليجانز العلم التونسي.

 

رجال الأمن

يبرز دور رجال الأمن في قطر خلال المونديال في طريقة تعاملهم الراقية مع كافة الجماهير وتوضيحهم القواعد والقوانين برفق ولين دون تهوين أو تهويل من أي مُخالفة والتعامل معها بحكمة وعقلانية تُراعي اختلاف الثقافات والجنسيات واللغات لأن هدفها الأساسي هو تحقيق الأمان والحفاظ على سلامة الجميع. ومن قبل المونديال تُحافظ قطر على صدارتها قائمة الدول الأكثر أمنًا وأمانًا وخلوًّا من الجريمة على المستويين العربي والعالمي، من بين 135 دولة شملها تصنيف موسوعة قاعدة البيانات العالميَّة نامبيو (NUMBEO) لعام 2021، وذلك للعام الثالث على التوالي وللمرة الرابعة في تاريخها.ولم تحتل قطر مكانتها على قائمة الدول الأكثر أمانًا من فراغ، فهناك جهود جبارة تبذلها المؤسسات المعنيَّة بحفظ الأمن والأمان، وفي مُقدمتها وزارة الداخليَّة القطريَّة التي أرست قاعدةً راسخةً تلمسها في كل مكان بوجود عيون ساهرة على أمن الناس دون تضييق على حرياتهم أو فرض رقابة عليهم، فتشعر بالأمن والأمان دون أن تشعرَ بوجود فرد الأمن في كافة تفاصيل حياتك أو تخشى لقاءه، بل على العكس غالبًا ما يكونون داعمين ومُساعدين ومُبادرين لخدمة الناس جميعًا بشهامة وإخلاص ودون تمييز أو تفرقة.

القائمة السوداء

لم يكن لهذه الدرجة من الأمان أن تتحققَ أيضًا دون تعاون وتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة في إطار تعاون دولي مُميز يصعب حصره في سطور وعلى سبيل المثال وعلى غرار مرات سابقة، تحركت السلطات البريطانية لتطبيق إجراءات منع السفر إلى قطر بحق المُشجعين المُشاغبين المعروفين بال «الهوليجانز» وعددهم يتجاوز ١٣٠٠ شخص في قائمة سوداء لمنع مُشجعي كرة القدم من المتورطين في التصرفات العنيفة والمُسيئة من إنجلترا وويلز من السفر إلى قطر خلال بطولة كأس العالم.

دور الجماهير

يبرز أيضًا دور ضيوف قطر من الجماهير المُختلفة بالتزامهم بالقواعد والقوانين بما يُعزز أمن البطولة للجميع بالتعاون مع رجال الأمن والمُتطوعين الذين لا يبخلون على أحد بالمُساعدة والإرشاد. وشهدنا العديد من مقاطع الفيديو لجماهير يتبادلون التحية مع رجال أمن ممن يُساعدونهم في ارتداء الأزياء العربية والقطرية التقليدية بسعادة ومحبة غامرة، كما شهدنا في مُباراة أمريكا وإيران جماهير من الجانبين يُغنون معًا ويستمتعون بأجواء كرة القدم المونديالية التي تنشر البهجة والسرور في نفوس الجميع، وهي أجواء سوف تستمر لنهاية البطولة بتعاون رجال الأمن والجماهير المُلتزمة بالروح الرياضية والمُحبة لكرة القدم.

===

كيف غيّرت قطر ثقافة المشجعين الغربيين في كأس العالم؟

“أعتقد أن ثقافة المشجعين تتغير، لقد أصبحوا أكثر تنوعاً وأكثر ترحيباً، ويمكنك بالتأكيد رؤية ذلك في قطر”. هذا ما قاله الفتى محمد سليمان، البالغ من العمر 16 عاماً، من مدينة بولتون الإنجليزية، وهو يحدق في بانوراما شاسعة لمشجعي إنجلترا من حوله في الدوحة حيث مونديال كأس العالم، لمراسل صحيفة الغارديان البريطانية. فيما قال سليمان عبدول، والد محمد، وهما يرتديان قمصان الفريق الإنجليزي فيما وصفه كلاهما برحلة العمر، إنه كان يحلم دائماً بأخذ ابنه الصغير إلى كأس العالم. وأضاف: “خلال عطلة نهاية الأسبوع، كان مشجعو إنجلترا وويلز يتعاركون في إسبانيا. لكن ما من مشكلات هنا. ربما يكون لمنع الكحول علاقة بذلك، لكن هناك شعوراً بالأمان والترحيب في قطر”.

قطر تغيّر ثقافة المشجعين الأوروبيين

تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن هذه لم تكن أصواتاً منعزلة. ففي المترو أكد طارق غفور، مساعد المفوض السابق لشرطة لندن، على مدى تحسن ثقافة المشجعين الأوروبيين ومشجعي إنجلترا منذ أن كان يقوم بمراقبة المدرجات في السبعينيات. وأوضح ابنه، وهو أحد مستخدمي يوتيوب البارزين الذي عمل مع نادي “مانشستر سيتي”، أنه لم يواجه مشكلة في التشجيع قط بسبب لون بشرته. قال: “كرة القدم رياضة عالمية، وتحقق مساواةً رائعة”. بالطبع لا يزال غالبية مشجعي إنجلترا في قطر متوافقين مع الصورة النمطية التقليدية. لكن كل هذا بعيد كل البعد عن المرة الأخيرة التي لعب فيها المنتخب الإنجليزي في بطولة خارج أرضه، في دوري الأمم 2019 في البرتغال. تسبب الآلاف من المشجعين في حدوث فوضى عامة في بورتو ورددوا أغاني عن تومي روبنسون، والجيش الجمهوري الأيرلندي، والقاذفات الألمانية. أُلقِيَ القبض على اثنين من مشجعي إنجلترا وتعرضا للضرب بالهراوات على يد الشرطة بعد أن ألقيا زجاجات على مشجعين محليين وعلى الشرطة في منطقة مكتظة بالمشجعين.

 

شعور بالراحة والأمان في قطر

يقول العديد من الهنود والباكستانيين البريطانيين من الجيل الثاني أيضاً إن لديهم عائلات في المنطقة، ولذلك شعروا بالراحة في الخروج. هناك أيضاً العديد من العمال في قطر من جنسيات مختلفة، خاصةً من الهند، الذين اختاروا منتخب إنجلترا ليشجعوه في كأس العالم. وهذا ليس دائماً لأسباب تتعلق بكرة القدم أيضاً. وكما قالت مشجعة من تايلاند تُدعى ناسيساسا: “أنا أدعم منتخب إنجلترا؛ لأنه فريق جيد”.عامل آخر ساهم في هذا التغيير، وفقاً للأكاديمي جيمي كليلاند، هو أن العديد من المشجعين البيض لم يسافروا إلى قطر لأنها باهظة التكلفة -ما أدى إلى توسيع قاعدة المعجبين. يقول: “مع إقامة كأس العالم في منتصف الموسم، بالقرب من عيد الميلاد، وفي أزمة تكاليف المعيشة، فليس من المستغرَب أن نرى الكثير من المشجعين التقليديين يلزمون مكانهم في إنجلترا”.

“ثقافة مشجعي إنجلترا.. الفوضى والسكر”

بالنسبة لبيرسون، يعني ذلك أن “الجعة المتطايرة في الهواء، والوقوف على الطاولات، والهتاف الصاخب، وتعليق الأعلام ليس عنفاً، وهي ليست عنصرية بالضرورة، لكنها في الغالب بيضاء وذكورية”، حسب تعبيره. يضيف بيرسون: “مع ذلك، فإن هذه الثقافة الفرعية لمشجعي إنجلترا لم تسافر حقاً إلى قطر بأعداد كافية. في حين أنه في العادة بالنسبة للبطولات، أو المباريات الكبيرة، خاصة في أوروبا، تُعد هذه الثقافة الفرعية هي المهيمنة. وبالطبع، هذه الثقافة الفرعية ستسافر حتى لو لم يكن لديهم تذاكر، لأن حضور المباريات في الواقع ليس سبب وجودهم هناك”. لكن بيرسون يشير إلى أن ما نشهده في قطر 2022 هو “صورة عابرة، وليست اتجاهاً طويل الأجل”. يحذّر بيرسون، على سبيل المثال، من أننا قد لا نرى مثل هذا التنوع بين القاعدة الجماهيرية في إنجلترا لبطولة أوروبا 2024 في ألمانيا.ويضيف: “أعتقد أن حقيقة أنه من السهل الحصول على تذاكر في قطر قد أحدثت فرقاً كبيراً أيضاً فيما يتعلق بقاعدة جماهيرية أكثر تنوعاً، وغيّرت كثيراً بثقافة المشجعين”.

 

“مونديال قطر صديق للعائلة”

هذا الشعور بالراحة والأمان الذي لمسه المشجعون الغربيون في قطر لم يقتصر على الجماهير الإنجليزية، فهي حالة عامة لمن لم يكن معتاداً على هذا المشهد. ووجّهت عائلة كندية رسالة شكر إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بسبب إصراره على وضع قوانين تتماشى مع الثقافة العربية والإسلامية في مونديال قطر، مشيرين إلى أن البطولة صديقة للعائلة، وآمنة على الأطفال الذين جاؤوا لحضور المونديال. وعبرت العائلة في منشور على إنستغرام، حظي بتفاعل واسع، عن حجم سعادتها بحضور “المونديال صديق العائلة”. وتضمن المنشور صورة للعائلة وهي ترفع لافتة من المدرجات تشكر فيها أمير قطر، وكُتب فيها: “شكراً أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، هذا أفضل مونديال على الإطلاق”، وأضافت وسماً بآخر اللافتة: “صديق للعائلة”، في إشارة منها إلى أنها مناسبة لجميع أفراد العائلة، بمن فيهم الأطفال، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الدوحة، كمنع المشروبات الكحولية، الأمر الذي جعل البطولة أكثر أماناً، ومنع حدوث ممارسات مؤذية أو فوضوية. كما شاركت الأسرة الكندية صورة على موقع إنستغرام للافتة، وكتبت فيها: “شكراً لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد على تمسّكه بالقيم الإسلامية في هذا المونديال، هذا جعل البطولة “صديقة للأسرة”. وأضافت: “شكراً لكِ قطر على بناء الجسور، وعلى إظهار مَن أنتِ للعالم”. يشار إلى أن قطر كانت قد تعرّضت لحملة تشويه كبيرة قبل أيام من بدء بطولة كأس العالم، حيث واجهت اتهامات مزعومة بانتهاك حقوق الإنسان، بسبب إجراءات فرضتها تتناسب مع الثقافة العربية المسلمة، وهو ما جعل الغرب يضعها في مرمى الانتقادات، لكن جماهير كرة القدم التي التحقت بمنتخباتها كان لها رأي آخر. وقالت إيلي مولوسون، التي كانت تنظم حملات لتحسين تجارب المباريات لمشجعات كرة القدم، إنها قلقة للغاية بشأن زيارة قطر؛ لذا يقوم والدها بدور المرافق لها، لكن تبيّن أنه لا داعي لإزعاج نفسه، إذ توضح إيلي والعديد من مشجعات إنجلترا الأخريات، أنَّ كأس العالم هذه يمكن أن تخلق نموذجاً للعبة في بلدهم.تقول إيلي (19 عاماً)، التي تدير حملة HerGameToo: “يجب أن أقول إنَّ المجيء إلى هنا كان بمثابة صدمة حقيقية لنظامي، لم تكن هناك أية معاكسات لفظية أو بالتصفير، أو تمييز جنسي من أي نوع، وكانت ترتيبات البطولة المُنسَّقة بعناية، ووجد العديد من المشجعين أنَّ الملاعب أكثر ترحيباً مما هي عليه في بلادهم الأم”.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد