صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

باقي دقيقة وسامي مافي..

1٬800

كبد الحقيقة
د . مزمل أبو القاسم
باقي دقيقة وسامي مافي..

* اليوم تمر علينا الذكرى السنوية الخامسة عشر على رحيل أحد أعظم لاعبي السودان والمريخ عبر التاريخ، ونعني به الكابتن سامي عز الدين، بطل الكؤوس المحمولة جواً، الذي لاقى ربه راضياً مرضياً بإذن الله وهو يرتدي شعار المريخ كمساعد للمدرب في قاهرة المعز، في خواتيم معسكر إعدادي خضع له الفريق هناك.
* وفاءً لذكرى سيزر، نعيد نشر المقال الذي حوى رثاءً له، وورد فيه ما يلي: (شرقنا بالدمع.. تعبنا من ماراثون الحزن.. تجلدنا له فما أجدى.. تدثرنا بالصبر فما أفاد!
* تعبنا.. تعبنا.. أرهقنا الفقد تلو الفقد.. مزقنا الحزن.. اكتفينا منه.. وما اكتفى منا!
* لا يزال فينا فقد (صديق) حياً.. جرحه النازف لما يندمل.. ملامحه المترعة بالطيبة تداعب جفوننا الملتاعة فتحرمنا النوم.. وتسلب طمأنينة النفوس الوادعة!
* ما يزال معنا عبق (الربيع).. نسمة بتفيض بالأمل.. إنسان من عالم تاني.. جميل ووديع.. طيب.. ومتسامح وحقاني.
* كنا وما زلنا نتنسم روح (صلاح).. حزنه مقيم.. وفقده عظيم.. كان نجمة تسعى على قدمين.. اختارت أن تسكن عليين.
* وقبلهم غافلنا (حسين حلة).. ما وادعنا ولا قال لنا متى سيعود.. ولا منحنا برهةً لنتأمل ملامحه المترعة بالطيبة قبل الفراق.. ولا نبس ببنت شفة.. رحل صامتاً كعادته.. وانزوى فقيراً إلا من حب الملايين!
* أطبق شفتيه الغبشاوين وفات.. فافتقدته مساءاتنا الندية.. وبكته مآقينا المترعة.. حاشانا ما نسيناه .. أبداً!
* فكيف يريدون منا أن نودعك بعد كل هذا الفقد يا سيزر؟
* كيف نرثيك وأنت أكبر من كل حروف الرثاء.. واعظم من كل الكلمات؟
* من لجوبا بعدك يا سامي المقام .. من لها وهي تتجمل لتستقبل بشائر السلام.. وتضع هدفك الراقي في متحف الحب البديع؟ وتحمله في حدقات العيون المترعة بآمال الآتي من جوف المستقبل الجميل؟
* من يطرب بعدك أشجار المانجو يا سيزر؟ من يغني لفاتنة الجنوب ( جوبا مالك عليا.. جوبا شلتي عينيا)؟
* من يخاصر بعدك نيل الرجاف في حضرة النجوم ليرقص معه رقصة الفرح الجميل في ليلةٍ سكنت التاريخ.. وانتزعت دررالقبطان.. وأطربت ابن البان؟
* من يعزينا فيك وأنت تغازل شرفة المريخ من مدينة المآذن؟
* من يصبرنا عليك وأنت تختار أن تختلس منا لحظة الوداع لتحتضن السماء وتداعب النجوم وحيداً .. ولا تترك لنا سوى الدمع إزاراً ورداء؟
* أذكرك جيداً.. وأنت تنثني أمام البنزرت.. لتلف جزعك الرشيق ببراعةٍ ليست غريبة عليك.. وترفعها إلى فتح الرحمن من زاويةٍ مستحيلة.. متحدياً كل قوانين الفيزياء.. لتهزا بنيوتن وجاليلو.. وتفجأهم بمعادلةٍ جديدة.. لم نطالعها في أي كتاب للطبيعة!
* تقبل سانتو الهدية.. وانقض عليها بالرأس الذهبية.. معلناً وصول النجوم إلى نهائي الأحلام.. ورفعت لنا بعدها الكأس في قلب الأحراش.. وسطرت اسمك في عمق التاريخ.. كأول نجمٍ في السودان يرفع أربع كؤوس جوية!
* فكيف نرثيك بعد كل هذا العنفوان؟ وكيف نبكيك؟ وما تركت لنا قطرة من دموع الدم إلا وحملتها برفقتك وأنت تتأوه في ليلة الرحيل قبل أن تسلم الروح إلى باريها.. وتسلمنا إلى حزنٍ ما انفك يلاحقنا.. يدمي قلوبنا ويمزق مآقينا!
* ( قمرٌ لبابٍ واحدٍ .. ومهاجرٍ بالعشقِ، منقطعٍ لدربٍ قاصدٍ.. القلبُ زكَّته الخيولُ لعرسها يوم الرحيلِ فكان ميلادُ المطر.. هكذا…سحبٌ، دخان، برقٌ، رذاذ،
وزفير ماعزتي وراء “التُّكْل”.
النار والأبنوس، مدفأتي .. وعصيدة الدخن العتيقة “والكَوَلْ”..
بكاء أخي الصغير، فنِلّتي الشوهاء، سروالي الممزق من مطاردة السحالي والورل..
وزجاجة السمن المخبأ في السياج، ولم يزل**) !!
* ترنم ( أبكر) للوطن الجميل.. وساح في متونه ليطرق مواعين الصبابة.. وكنت فينا مثله..حاملاً للمسك يا سامي.. تحذي.. وتعالج.. حاشاك لا ضقت.. لا تأففت!
* جئت من فوهة الموهبة الفطرية.. أتيتنا من مدني السني.. وتربعت على عرش الإبداع.. فأحبك الأب الروحي.. وقال فيك كلمةً سارت مثلاً لكل من يقدرون النبوغ والموهبة الفذة.
* قالها شاخور: ( سامي ما بيطلع) عندما هتف البعض مطالبين باستبدالك في إحدى المباريات.. وبالفعل جاء الفرج من قدم سيزر.. فهتفوا له من الأعماق.. (باقي دقيقة.. سامي بجيبها)!
* لكن سامي اختار أن (يطلع) هذه المرة خلافاً لرغبات المريدين.. خرج بهدوء وهو الذي تعود على انتزاع ضجيج الأكف الصاخبة كلما داعب الكفر وأجبره على أن يدندن معه دون حبل للصوت!
* تسرب من بين أيديهم قبل أن تشبع من طلته الحلوة مآقيهم.
* حلقت روحه قبل جسده مع طائر عاد إلى الوطن ليعيده لهم جسداً مسجى .. وروحاً تغازل نجومها من شرفات جنات الخلد!
* سافر من غير وداع.. وكلماته المتفائلة ما زلت ترن في أذني (المريخ سجل كويس.. الأولاد الجداد كويسين خالص.. ما تخافوا علي المريخ.. ما بتجيهو عوجة)!
* (ليس ثمة من سؤالٍ عن مواقيت الرحيل.. وأرى التفاصيل العويصة في اشتعال السوق، في كيميا التحلل والذبول.. والنوقُ ترتع، ثم ترجع، ثم تبعر فوق أسفلت الشوارع،والنعامة تستغيث، وتدفنُ رأسها في شنطة البوليس، وأراكِ هاربةً من الدكان يا أماه.. أرى…أرى.. “يا ولد، أمسك لسانك.. يا مشوطن”..أو لا أرى.. وسكتُّ ممتشقاً رؤاي**) !
* لم غافلتنا يا سيزر؟ لم فجعتنا يا سليل مانديلا؟
* لم ترجلت يا عميد الجيل الأعظم؟ يا جالب الأفراح بالأجواء طائعة؟
* لم فجعتنا.. لم نثرت دموعنا بعد ما عودتنا نثر الفرح في ليالينا الكئيبة؟
* لم غيرت عادتك القديمة يا جرحنا النازف في عشيات النجوم؟
* كيف.. غافلتنا ورحلت؟ ولم أوجعتنا في لحظة الطلق الجديد؟
* لم؟ لم؟ لم لملمت أشياءك ورحلت عنا؟ ونحن في أمس الحاجة إليك يا سيزر؟
* ألم تعجبك هيئتنا الجديدة؟ ألم ترضيك ؟
* فلماذا لم تخبرنا كي نهيئ لك طلةً أخرى تليق بمقامك السامي.. يا سامي المقام؟
* باقي دقيقة.. وسامي بجيبها!!!
* باقي دقيقة.. وسامي مافي؟؟ فات.. ذهب.. مضى.. تخفى عن عيوننا.. و صورته الوضيئة ما زالت مرسومةً على شغاف القلوب.
* ذهب فقيراً لا يملك شيئاً من حطام الدنيا.. وكان أفضل منقب عن الذهب.. سنين عدداً.. يزخرف به هامة معشوقه الجميل.
* رحلت.. وما آذيت.. وما سمعنا منك إلا قولة خير.. زول طيب.. ومتفاني!
* تقبلك الله في عليين يا سامي بقدر ما أعطيت لوطنك وناديك.. وبقدر قلبك الكبير.. وصدرك الصافي النظيف الذي ما عرف الحقد أبداً.. ولا سكنته ضغينة!
* طب في عليائك وأسكن جنان الخُلد مع النبيين والصديقين والشهداء وحُسْن أؤلئك رفيقا .
* إنَّا لفراقك لمحزونون محزونون ولا نقول إلا ما يُرضي الله (إنَّا لله وإنا إليه راجعون).
* انتهى المقال لكن حزننا على سيزر لا يفنى.
* كان سامي رحمة الله عليه نسيج وحده في كل شيء.
* أسطورة يصعب تكرارها، ويستحيل تقفي أثرها.
* ما أحوجنا لاستعادة ذكراه العطرة كإنسان حبوب وعاشق للمريخ قبل أن يكون لاعباً من طينة العظماء.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد