صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

ثقافة الاندهاش….!؟

285

راي حر

صلاح الاحمدي

ثقافة الاندهاش….!؟

الدهشة ثقافة او علي اقل تقدير نتاج للثقافة.ولكل ثقافة مسببات لدهشتها فالأمر الذي يدهش . فردا من ثقافة معينة قد لا يدهش فردا من ثقافة اخري ..ان الدهشة مثل الابتسامة والغضب والحزن والفرح جميعها مخرجات انسانية لمدخلات ثقافية واجتماعية .والدهشة ايضا نعمة إلهية مثل البصر والشم واللمس التذوق .فمن يفتقدها فانه يفتقد إثارة الاسئلة .والأسئلة هي مقدمة للتعلم والمعرفة ومقدمة للتغير والتقدم .
تحملنا المقدمة الانفة الي الحديث عن الحاكم الذي لا يندهش ففي كل صباح ترفع الي مكاتب رؤساء الدولة تقارير مخابرتية منتقاة يصوغها اشخاص مدربون علي ابعاد ما يكدر صفو المسؤول ومزاجه …يقرأ الحاكم (هذا اذا كان مزاجه رائقا للقراءة)
يقرأ ان امور البلاد والعباد علي افضل حال وتبدي له الاحصائيات المفبركة والتحاليل المنمقة والمفصلة علي هواه ان شؤون الناس ومطالبها ملباة وان وزراءه ومندوبيه في الداخل والخارج يعرقون ويجاهدون ويصلون الليل بالنهار من اجل مصلحة وراحة المجتمع فالتعليم منتظم والمرور في حالة انسياب والاسعار في متناول الجميع بفضل تعاون التجار وتضحياتهم للفقراء والمستشفيات مجهزة بالكامل من اطباء وممرضين واجهزة وادوية وتساوي ما بين المرضي في المواعيد وغرف الاستشفاء والحالة الثقافية في قمة عطائها وابداعاتها فهناك مهرجانات الافلام الدولية ومهرجانات .المسرحيات وعشرات الحفلات الموسيقية ويقرا الحاكم ان افراد شعبه يعملون ولا بطالة بين شباب الامة ولا كهولها والجميع علي مسافة واحدة .

نافذة
هنا الحاكم يحاول لحظة واحدة ان يتوقف ليندهش ويتساءل.هل هذه بلدي مثلا ام المدينة لافلاطون؟
ولكن دهشته تقع فقط عندما تصله اصوات شعبه التي تنادي باسقاطه واسقاط نظامه .هنا فقط يتساءل (وربما يكتشف متاخرا ) هل ان ما تعرضه عليه اجهزة مخابراته وتحليل خبرائه هي مجموعة من الاكاذيب والروايات المفبركة تبعده عن حقيقة الواقع روايات تفرحه وتسليه وتطيب خاطره ليعيش في عالمه المتخيل
لا يندهش الحاكم عندما يرفع له وزير التعليم تقريرأ ورديا يشبه رسائل العشاق عن حال التعليم مدللا بزيارة قام بها للمدرسة هياها له المنافقون ليشاهد طابور الصباح المنتظم والفصول التي ما زال دهان جدرانها طريا
ومقاعد الطلبة التي جددت علي عجل ومكيفاتها التي ركبت خلسة في الليلة السابقة ولان وزير التعليم رجل سياسة وليس رجل تعليم فان قضية المناهج الدراسية وتطويرها هي اخر يفقه وما يناقش .
يختم تقريره الي حاكمه بان التعليم في احسن حالاته وانتاجه .الحاكم لا يندهش عندما يشاهد قنواته المحلية وصحافة بلده اليومية التي تسبح وتكبر بحمده تستعرض مغادرته وقدومه ووداعه واستقباله والعناوين البارزة لانجازاته ومكارمه والاغاني الوطنية التي استبدلت اسم الوطن باسمه لكنه يندهش عندما يذاع البيان الاول الذي يعلن رحيله وسقوطه

نافذة اخيرة
خلاصة كل ذلك اننا في حاجة الي ثقافة متقدمة ومتطورة في ادارة حكم الشعوب .ثقافة تنظم العلاقة العادلة بين الحاكم والمحكومين وتقوم علي الشفافية والصراحة دون خوف او تردد او فزع من العواقب .ثقافة تثير الاسئلة وتتلقي الاجابات عليها .ثقافة تساير المتغيرات الكونية في كافة المجالات ثقافة منفتحة علي كافة الثقافات غير مؤدلجة او منحازة لقبيلة او عشيرة .ثقافة تتساوي فيها الفرص لجميع طوائف المجتمع (دون تفرقة او عنصرية )
امام القانون ويشعر جميع افراد المجتمع بانهم جزء من صنع قراراتهم ومصيرهم وليسوا مدفوعين له دفعا .

خاتمة
واخيرا ليس اخرأ نحن في حاجة الي ثقافة الحاكم الذي يتوقف عند التقارير الصباحية التي تعرض عليه ليبحث فيها عن الاسئلة التي تقدم لها التقارير الاجابات الجاهزة وعليه ان يكون في موقف المندهش اكثر من المتبلد
نحن في حاجة .الي اعادة تاسيس ثقافة مختلفة تاتي من خلال اعادة النظر في مناهج واساليب التعليم السائدة .هنا النوع من التعليم النمطي الطارد للعقل والمنطق والوعي .تعليم لايجهز تلاميذه للحوار الحر وقبول الاخر والمطالبة بالحقوق الدستورية والقانونية وانتقاد السلطة وتوجيه أدائها للصالح العام .وعلينا ان نعيد النظر في ثقافة الانتاج الإعلامي الذي تحول الي عرف مغلقة علي نفر قليلين يحتكرون عقل الامة ويتلاعبون به حسب اهوائهم وامزجتهم وما يخدم مصالحهم الضيقة نريد اعلاما يعيد لنا ولحكامنا الدهشة تلك الحاسة السادسة التي فقدنا فعالياتها ودورها الهام في تقدم المجتمع

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد