العمود الحر
عبدالعزيز المازري
الهلال… حين يُجلد الخصم بالقدم !
رباعيات الخيام وضرب الحمام
إنه الهلال يا سادة… من أربع رئات يتنفس، ومن أربعة أركان يهاجم، ومن أربعة أهداف يهين الغرور.
من لا يعرفه؟
فليسأل الدامر… وليسأل المريخ،
وليسأل الشباك التي ما زالت تبحث عن الكرة الرابعة!
على أرض الدامر، وفي عصرٍ تلألأت فيه الشمس وكأنها جاءت لتشهد المَجد، نزل الهلال كأنما ينزل جيشُ نصرٍ مؤزر، لا يهاب اللقاء ولا يلتفت للخلف.
دخل الملعبَ لا على هيئة فريقٍ يسعى لنقطة، بل كقائدٍ حسمَ أمره، وقرر أن يُدوِّي التاريخ بصوتٍ لا لبس فيه: “أنا الهلال، وكفى!”
كان المساء كأنه عرسٌ أزرق، والميدان مسرحًا يتنفّس المجد…
وها هو الهلال يعود، لا عودة المُرتبك، بل عودة مَن خاض السُبل الوعرة، وتعلّم من الجراح، فخرج منها عَضَلةً فوق عضلة، وخُطوةً تُدهش الرمل تحت الأقدام.
لم يكن فوزًا، بل بيان هوية.
في استاد الدامر، حيث العَشب يشهد ويُدوّن، وقف الفريق كمن يروي ملحمة لا تحتمل النسيان.
لعب الهلال كرةً لا تُهادن ولا تستجدي التصفيق، بل تفرضه.
هلال النار والشرار، لعب برجولةٍ تُشبه صرير السيوف في غُبار المعركة…
لا مكان فيه للمتخاذلين، ولا مساحة للمترددين، بل فقط لمن يضع قلبه تحت الحذاء، ويُركضه مع كل تمريرة.
ومن رحم هذه الروح القتالية، وُلدت عبقرية التدريب… من يصف خالد بخيت؟
ذاك الذي لم يرتجف في لحظة القرار، ولم يبالِ بالأقاويل، بل تقدم بخطى الواثق، فكان ربان السفينة، إذ اعتدل الموج وتلاطمت الألسنة. قرأ المباراة كما تُقرأ الكتب العتيقة، وفكّ شفرات المريخ كأنما هو واضعها!
فكان كما قال المتنبي:
> إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
> فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
منح المدرب خالد بخيت الحكاية عنوانها، وبدأ مشواره بيُتم التوقعات، وها هو اليوم يُتخمها بالدهشة.
قرأ المباراة كما تُقرأ القصيدة العتيقة: بتأنٍ، وبنبضٍ يعرف الموسيقى.
لا صُراخ، لا مغامرة فجة، بل هندسة فكر، وانضباط رجل يعرف أن المجد لا يُمنح… بل يُنتزع.
ولقد انتُزع حقًا!
ما هذا الفريق؟ أهو الهلال الذي أرهقنا وجعًا في موسم مراوغات النخبة؟
أهو الهلال ؟
لا… هذا هلالٌ جديد، عضلاته من فولاذ، وحواسه تقرأ الملعب كما يقرأ العاشق وجه حبيبته حين تنكسر.
أما الاستاد؟
كأنك تمشي على سجادة أندلسية!
يا سلام على الواجهة الزرقاء، ويا سلام على نُضج المعمار، حيث كل زاوية تقول: هذا بيتنا… بيت الهلال.
ولأن البيت لا يُبنى بلا رجال، فهؤلاء اللاعبون كتبوا أسماءهم على جدار المجد:
فكانوا من نورٍ ومن نار، من رجاحة فكر وقوة ساق، ومن عزيمة لا تعرف الانكسار.
ارنق، فارس، صلاح عادل، وكلّ أبناء الوطن كلهم نحتوا أسماءهم على جدار المجد بأسنان العزيمة…
وكانت قلوبهم تنبض بشعار الهلال لا يُبدّله شيء، ولا تطفئه عتمة شك.
والمحترفون؟
كأنما بُعثوا من مدرسة العز، تحرّكوا كالنسور، وسددوا كالرماح، وجعلوا من المريخ متفرجًا على المأساة، لا لاعبًا فيها.
أبوعشرين… وجه وقاد، كتب اسمه بحبرٍ من ذهب.
عبد الرؤوف… أرسل كلمته في صمت، ثم صرخ بالتمرير.
والي الدين خضر… ترك مَن شكك فيه يعضّ على كلماته.
الغربال… كقائدٍ يمسك العصا من كل قوتها.
كل لاعب اليوم قال:
“نحن هنا، لسنا زينة على دكة البدلاء، ولسنا موظفين نُجيد توقيع الحضور!”
الهلال لم يلعب فقط… بل قدّم دروسًا مجانية في اللياقة، في الضغط العالي، في التحوّل السريع، في فن تكسير الخصم دون خشونة، وترويض الكرة دون أن تشتكي.
وكان الجمهور هو المعادل الأخلاقي لهذه الكتيبة…
ذاك الجبل الأزرق الذي لا يتزحزح.
هتف، صبر، آمن، ثم وقف اليوم ليقول:
“شُفتو؟ الهلال دا ما بموت… الهلال دا بيغيب ويرجع سيف!”
والسؤال الآن:
من المتصدّر؟ من المتفوّق؟ من الذي لم يهزمه الاتحاد ولا الإعلام ولا غدر الجدول؟
إنه الهلال… سيد هذه النخبة، وبطلها الحقيقي، لا بكثرة الظهور في الصحف، بل بكثرة الركض في الميدان.
**وهنا، كما ترتّل الروح نشيد يقينها، نهتف مع البرعي:**
> زيل مـرض الجسـمِ فـي طبايعـه الأربعـة
> بــارك إسبُـوعـنـا لـيــوم الأربـعــا
> أيـام السـنـةِ التسعـيـن فــي أربـعـة
> وبُحُورنـا السبـعـة وأنهـارنـا الأربـعـة
> نسلَـم مـن أربعـة وُنحشـر مـع أربـعـة
> **يا صاحِ هِمَّنا لزيارة اُمنا مصر المؤمّنا بأهل الله**
**وهنا، من عُمق العشق الأزرق، يُقال بالنبض لا باللسان:**
> أنت قاضي ولي حكمك سيفه ماضي
> أباح دمايا، وحبك استعمر حواسي
> وللفؤاد أعلن حمايا
> ألف عام في خمسمية
> ياخي لو صار انتهايا برضو بهواك للنهاية
> شوقي دايم وقلبي هايم وفي النسايم
كلمات حرة:
الآن فقط… يحق لنا أن نبتسم.
لا لأننا فزنا، بل لأننا استعدنا هلالنا.
وإذا كان هذا مجرد بداية، فموعدنا مع الذهب لن يكون أمنية، بل استحقاق.
قال الهلال كلمته، ورسم الحد الفاصل بين من يحكم الميدان، ومن يعيش على وهم البيانات والتصريحات.
الهلال دخل المباراة الأخيرة بفرصة واحدة لا غير: الانتصار.
لا مجال للتعادل، ولا وقت لانتظار هدايا الآخرين.
كان الرهان على رجال في الميدان… لا على سمكرة اتحاد ولا فهلوة جدول.
وحينما انتصر، سقطت الألسن التي خرجت تهدد وتشتم.
انتهت فزّاعة اللائحة.
وانهارت خطط التواطؤ.
أربعة أهداف كاملة:
* ثلاثية نظيفة في الشوط الأول
* هدف رابع من توقيع رؤوفا
هلال يُنهي المهمة… وكأنها عرض سينمائي من بطولة الزُرقة!
ومن عجائب المريخاب أنهم أرادوا اللعب في ملعب الهلال وكأننا تحت إدارتهم!
فخرجوا من البطولة بخيبة وقهر… وتاريخ كتب: الهلال هو من حضر، أما المريخ… فغاب!
هذا هو الهلال الذي نريد…
الهلال حينما يتكلم، لا يتكلم بمؤتمر صحفي… بل يُدوّي بهدف.
كلمات حرة:
قالوا سنخطف بطاقة التأهل…
فخطفنا صمتهم.
قالوا مؤامرة… فوجدوها في شباكهم!
الهلال تأهل… والكونفدرالية ليست للمجاملات.
والدامر؟ لم تكن مجرد مباراة…
بل زلزالًا في وجه من أراد البطولة بالشكوى.
الهلال قالها من البداية:
لن نطلب إحسانًا من اتحاد، بل سننتزع حقنا من الميدان!
والأرض كانت شاهدة…
القدم تكلّمت، والقانون سقط في وجه المنطق الأزرق.
سجل الغربال، ثم رؤوفا، ثم جان كلود، ثم رؤوفا مجددًا…
وفي كل هدف، كانت الجماهير تردد:
“الملعب لا يرحم… ولا يُطربه الضجيج.”
وهكذا، حين يُحاصر الهلال… يتحوّل إلى إعصار.
جلدٌ ناعم، مؤلم، أنيق، لا يحتج… فقط يُعلّم.
والمريخ؟
أين المريخ؟
خرجوا بحناجرهم يتباكون…
فانتهى بهم المطاف في الدامر، والدامر لا ترحم من لا يحترم السيف حين يُشهر!
لقد تَحَوَّلوا إلى ظِلّ فريق، وانكشفت أسطورتهم التي صُنعت من هواء إعلام، لا من عَرق ميدان.
مريخ
ضائع، تائه، مشوّش.
كأنهم في امتحان نهائي بدون مذاكرة!
وفي ظل ضياعهم، صرخ إعلامهم: “اللائحة لينا!”
فرد الهلال: “نحن اللائحة.”
كل نجم كان في مكانه.
كل خطوة كانت تقول:
“الهلال عاد… لا بالكلام، بل بالفعل.”
وخالد بخيت؟
وقف له الجميع احترامًا.
ما فعله ليس تعديلات… بل إعادة ولادة فريق.
الهلال؟
قبيلة، شجرة نسب لا تتبدّل.
نغمة لا تعرف الصفر… ولا تحب الوصافة.
كلمات حرة
* المريخ خرج من النهائي لا مهزوماً فحسب، بل مفضوحًا.
* اللقب ذهبي… لكن العرض كان ألماسًا!
* شكرًا خالد بخيت… لقد نطقت بالإنجاز حين سكتت الألسن.
* هذا هو الهلال… حين يُقرر، لا يترك خلفه سوى الأطلال.
أما جماهير الهلال؟
فما كانت حضورًا فحسب، بل كانت الصفّ الأول في نشيد النصر، والزغرودة الأولى في عرس البطولة.
كأنها تقول:
**من لا يعرف الهلال في سطوته، فليسأل المريخ عن وجعه!**
لقد انكسر صمت الطبول، وتكلم السيف…
وكانت الضربة قاضية، والأربعة لا تقبل جدالاً ولا تأويلاً، ولا يصلح معها سمكرة اتحاد، ولا ترقيع لوائح، ولا صياح إعلام مأجور.
الهلال؟
هذا فريقٌ إذا دخل الملعب، جعل الخصم يفكر لا في الفوز، بل في كيف يخرج بأقل الخسائر.
وإن سألتني عن وصفه اليوم؟
فإني أستعير من البوصيري:
> ومحياك يكادُ السيفُ يَسْتَلُّهُ
> من الغِمدِ إذا ما لاحَ في الحَلَكِ!
وإن كان من كلمة شكر، فإنها لا تُهدى لشخصٍ دون آخر، بل تُهدى **لكل من حمل شعلة الهلال**، ورفعها في زمن الظلمة، حتى أضاءت سماء الدامر بنور الانتصار:
**تحية لجنود الهلال الخُلّص**، من الكتيبة داخل المستطيل إلى الجندي المجهول خلف الكواليس…
تحية لـ**جمهور الهلال العظيم**، من حضر في الدامر، ومن ظلّ يدعو في الغربة، ومن سهر في العراء يهتف: “يا هلال فوق فوق”.
تحية لـ**الإعلام الحر** الذي كتب قبل اللقاء بعقيدة الأزرق، لا بلون الدولار، فكان صداه مدويًا في وجدان اللاعبين.
تحية لـ**كل قلمٍ أزرق** كتب داعمًا ومُحرّضًا، لا يطلب مجدًا، بل يُطالب بحق.
تحية لكل من قال قبل المباراة: “ثقوا بالهلال”، فصدق الوعد ووقع القول.
**هذا النصر ليس رقمًا على لوحة النتائج، بل شرفٌ يُوشّح به صدور المخلصين!**
ولأن الهلال لا ينسى رجاله… نقول لكل من ساند وساهم:
**”جزاكم الله عن الهلال خير الجزاء، ونِعمَ الدرب دربكم، ونِعمَ الهلال رفيق مسيرتكم!”**
**خاتمة حرة:**
إذا كان التاريخ يُنصف من يحترم الملعب،
فالهلال اليوم هو التاريخ…
**والبقية: أخبار منتهية الصلاحية.**
مجرد مشجع ساكت … ومتعصب متهور …ليس إلا .
من لا يشكر الناس لا يشكر الله .
أبقى ..واشكر الناس بي الأسماء …( خلينا من حكاية الجنود المجهولة دي !!!)