صَابِنّها
محمد عبد الماجد
رفقاً بالغربال وإخوانه
اللاعب النّـادر يجب أن تكون حريصاً للمحافظة عليه، والعمل على راحته، فهو عُملة نادرة، لا يجب أن تنظر إلى المكسب فقط وتنظر إلى الانتصار وتسعى إليه حتى ولو كان على حساب سلامة اللاعب.
لا تنظر إلى المكسب الآني، هنالك مكسبٌ بعيدٌ أهم وأعظم قيمة وفائدة.
شوفوا (الحكمة) دي ما بتلقوها في حِتة تانية!! ولا عندي ليكم منها كتير!!
إنتوا لو بتصبروا ما بتجيكم عوجة.
لا أكتب عن محمد عبد الرحمن الغربال لألفت الأنظار إليه، وأجذب (العين) وأجيب ليه الكلام أو الهوا، كما يقول الضاربهم الهوا والهوى، وإنّما أكتب عنه من أجل المحافظة عليه، وتوضيح وتبيين مجازفة الاستهلاك له، والاعتماد عليه في الهلال والمنتخب كمهاجم رئيسي لا بديل له ولا غيار.. أسأل الله أن يحفظه ويغطي عليه ويبعد عنه الإصابات، ويذلل له العوائق، ويُسهِّل له الطريق للشباك ليدكّها دكاً دكا، ويفرها فراً فرا وينفضها نفضاً نفضا حتى تستغيث،(نمر بكون هسع نَفَسو قام هو وطبنجة). هكذا يفعل الغربال الآن، حيث ظلّ اللاعب يُسجِّل مع الهلال والمنتخب في كافة البطولات، لا يفرق بين المنتخب الغاني والمنتخب التنزاني أو المريخ وإنتر نواكشوط كلهم عنده سواء، حيث يبقي هدفه الأساسي هو الوصول لشباك الخصوم بغض النظر عن البطولة أو المنافسة التي يشارك فيها.. ما شاء الله على الغربال.. اللهم زد وبارك في أهدافه واجعلها دائماً الحاسمة والقاضية، والمُؤهِّلة والمُوصِّلة للنهائيات والبطولات والكأسات والألقاب.
يمثل محمد عبد الرحمن الغربال في هذا الموسم حالةً نادرةً ربما ينفرد بها وحده في العالم دون غيره من اللاعبين.
يُشارك محمد عبد الرحمن الغربال في كل تصفيات المنتخب السوداني المُؤهِّلة لنهائيات كأس العالم وتصفيات بطولتي الكان والشان، وهو في كل قريب من النهائيات بإذن الله تعالى وتوفيقه، ويشارك معه في ذلك الشرف عددٌ من اللاعبين، لعل أوضحهم والي الدين خضر بوغبا، الذي يعطي ويبدع أينما كان، ويحسن ويخلص في كافة المنافسات، لكن ميزة الغربال أنه سجّل في كل المناسبات التي شارك فيها سواء كان ذلك مع المنتخب أو مع الهلال.. أهداف الغربال لا تغيب عن أي منافسة مثل شمس الإمبراطورية الإنجليزية عندما كانت في أوج عظمتها.
شمس الإمبراطورية الإنجليزية دي ما بتلقوها في حِتة تانية.
يصل عدد تلك المباريات مع المنتخب في التصفيات وحدها الى ما يقرب من (21) مباراة ـ 10 مباريات في تصفيات كأس العالم، 6 مباريات في تصفيات نهائيات الأمم الأفريقية (الكان) و4 مباريات في تصفيات بطولة الأمم الأفريقية للمنتخبات المحلية (الشان)، علماً بأنّ هنالك مباريات لعبها المنتخب قبل التأهل إلى مرحلة المجموعات المؤدية إلى نهائيات كأس العالم ونهائيات الأمم الأفريقية، مما يرفع عدد المباريات إلى 25 أو 26 مباراة قبل الوصول إلى النهائيات.
إذا تأهّـل المنتخب السوداني الى النهائيات وهو قريبٌ من ذلك بإذن الله في بطولة الأمم الأفريقية ونهائيات كأس العالم، ونهائيات بطولة الشان، يمكن أن يرتفع عدد مباريات المنتخب في موسم واحد الى 30 أو 32 مباراة دولية.. إذا لعب فقط الدور الأول أو مرحلة المجموعات في الشان والكان والتي سوف تُلعب بعد أيامٍ قليلةٍ، وهذا عددٌ خرافي وقياسي في عدد المباريات الدولية، مما يجعلنا نقول، الأجدى كان ألّا يُشارك المنتخب في تصفيات الشان أو يشارك ولكن مع إعفاء عناصر المنتخب الأول من المشاركة مع المنتخب الذي يُشارك في بطولة الشان.
لاعبو الهلال الدوليين يشاركون مع المنتخب في كل هذه المنافسات، وقد اخترنا الغربال نموذجاً لنُوضِّح الاستهلاك الذي يصل لمرحلة الطحن الذي يتعرّض له لاعبو الهلال.
نتحدّث عن لاعبي الهلال، لأن فريق الهلال يُشارك في بطولة الأندية الأفريقية للأبطال، علماً بأنّ الهلال شارك في بطولة سيكافا وبطولة السوبر السودانية في تنزانيا بما يقرب من 8 مباريات، والمريخ لم يشارك في سيكافا وخرج من البطولة الأفريقية من المرحلة التمهيدية، وانسحب من أمام الهلال في بطولة السوبر. كذلك حال اللاعب المحترف سواء كان مع الهلال كأجنبي أو كمحترف سوداني يلعب في الخارج أفضل، وروزنامة مبارياته أرحم، لأنه لا يُشارك مع بلاده السودان في بطولة الشان، إذا كان محترفاً سودانياً يلعب في الخارج، أمّا المحترفون الأجانب في السودان، فإنّ مشاركاتهم مع منتخبات بلادهم محدودة، عكس المنتخب السوداني الذي يُشارك في ثلاث تصفيات للمونديال والكان والشان في وقتٍ واحدٍ، وهذا أمرٌ لم يحدث حتى للمنتخبات الأفريقية، حيث انسحبت مصر والجزائر من بطولة الشان، ومن شارك من المنتخبات الأفريقية في تلك المنافسة شارك بالمنتخب الثاني الأولمبي أو الشباب كما حدث من المنتخب التنزاني.
لعب الهلال أفريقياً 4 مباريات في مرحلة التمهيدي وسوف يلعب خلال 45 يوماً 6 مباريات قوية وصعبة في مرحلة المجموعات في الفترة ما بين 26 نوفمبر 2024 وحتى 19 يناير 2025م، ليرتفع عدد المباريات إلى 10 ينتظر أن ترتفع إن شاء الله في حال تأهّـل الهلال من مرحلة المجموعات.
يلعب الهلال في الدوري الموريتاني بروزنامة ضاغطة وفي ملاعب أرضيتها ذات نجيل صناعي تُضاعف من عدد الإصابات.
سيلعب الهلال حتى شهر يونيو المُقبل 30 مباراة في الدوري الموريتاني، وينتظر أن يشارك الهلال والمريخ بعد ذلك في الدوري السوداني في منافسة قد تصل مبارياتها إلى 20 مباراة، ولكن سنعتبر أن الهلال والمريخ سوف يشاركان في الدوري السوداني في المرحلة النهائية وفي 10 مباريات فقط، مما يعني أن الهلال والمريخ هما الناديان الوحيدان اللذان يُشاركان في دوريين مختلفين بمبارياتٍ، حدّها الأدنى قد يصل إلى 40 مباراة.
هذا يعني أنّ متوسط عدد المباريات في موسم واحد للاعب الهلال الدولي أو لمحمد عبد الرحمن تحديداً يمكن أن يصل إلى 90 مباراة كحد أدنى، وهذا رقمٌ مُخيفٌ، علماً بأنّ متوسط عدد مباريات اللاعب في أوروبا ومشاركاته لا تتجاوز 65 أو 70 مباراة مع ناديه ومنتخب بلاده، على أسوأ الفروض.
لا يُمكن أن يُشارك لاعبٌ مع منتخب بلاده في ثلاث تصفيات مختلفة بأوروبا، كما أنّ الأجهزة الفنية للأندية في إنجلترا مثلاً تلعب في بطولات مثل كأس الرابطة وكأس الاتحاد بقوائم تختلف من التي تُلعب بها في الدوري الإنجليزي.
حتى الأهلي المصري الذي يُشارك في عدد كبير من البطولات، يُشارك في بطولات تتألف من مباراة واحدة مثل مباراة السوبر الأفريقي أو من مباراتين مثل السوبر المصري، علماً أنّ الأهلي انسحب في الموسم الماضي من منافسة كأس مصر، كما انسحب المنتخب المصري من بطولة الشان.
الهلال الذي يُشارك منه حوالي عشرة عناصر مع منتخب السودان، وتُشارك ثلاثة عناصر أجنبية مع منتخبات بلادها بصورة مستمرة في منافسات تُلعب على ملاعب رديئة، وبعد تنقُّلات وسفريات مُرهقة في أفريقيا، سوف يكون مُجابهاً أن يلعب 6 مباريات في مرحلة المجموعات مع أقوى الأندية الأفريقية وفي دول مختلفة خلال 45 يوماً.
ويُمكن لعناصر الهلال الدولية أن تلعب في نفس الفترة أو خلالها أو بعدها أو قبلها بفترة قصيرة في نهائيات الشان ونهائيات الكان تباعاً.
الغربال يعمل ليكم شنو؟ الغربال يتقطّع؟!
بربكم هذه الوضعية أليس أفضل منها الحرب على قول المدرب كفاح عندما وصف حال المريخ؟
هذه طاحونة أخرى يُمكن أن تُعرِّض لاعبي الهلال لا قدر الله للإصابات أو على أفضل الأحوال ستُعرِّضهم للإرهاق أو الملل أو الضجر.
إذا كانت هذه هي المشكلة فما هو الحل؟ لا أعتقد أنّ اتحاد الكرة السوداني سوف تعنيه الحلول كثيراً.. الاتحاد السوداني يبحث عن مصلحته ولن يقف عند مصلحة النادي أو اللاعب.
لذلك على الهلال أن يبحث عن حلول ذاتية.
من بين الحلول التي يُمكن أن تُخرج الهلال من هذه الضغوط هو أن يلعب الدوري الموريتاني بالصف الثاني وعناصره الشابة، وأن لا يشرك عناصره الأساسية حتى حال تواجدها، وله أن يشركهم فقط في أوقاتٍ محدودةٍ وقصيرةٍ في بعض المباريات من أجل الانسجام والتفاهم والمُحافظة على الفورمة الجماعية للفريق.
تحدّثنا عن ما يقرب من مائة مباراة يُمكن أن يلعبها اللاعب الدولي في الهلال، دون التطرق إلى أكثر من 20 مباراة ودية خاضها الهلال ضمن غمار الاستعداد للمنافسات الرسمية.
تخيّلوا في هذه الحرب أنّ هنالك لاعباً يلعب 120 مباراة في موسم واحد بمعدل يصل في السنة الواحدة إلى مباراة كل ثلاثة أيام، إذا حدث تقدمٌ في البطولات. وهنالك لاعبٌ ناشئ أو لاعبٌ في الدوري الممتاز السوداني لم يلعب مباراة واحدة منذ أكثر من عام ونصف ولا حتى يتمرن مراناً عادياً، في وجود اتحاد كرة قدم سوداني يتنقل أعضاؤه بين العواصم المختلفة من فندق إلى فندق وهم فرحين بما أنجزه المنتخب السوداني، عسى ذلك أن يبرر لهم ما يفعلونه في البوفيهات المفتوحة وما يأخذونه من نثريات وحوافز.
هذه الخارطة التي استعرضناها تدق الخطر، وتُظهر مُعدلاً مُخيفاً ووضعاً يؤكد أنّنا نمارس الإعدام على لاعبي الهلال لعباً أو رمياً بالمباريات، وحتى ألخِّص لكم الواقع بشئٍ يختزل كل القصة، أذكر لكم ما حكاه السيناريست العالمي أدريان برونل حينما كتب في كتابه عن سيناريو الفيلم قائلاً: (أهمية أدوات الربط واضحة في قصة أوسكار وايلد. كان يعمل في مكتبه فترة الصباح كلها عندما أتت إليه مديرة المنزل بغذائه. فسألته قائلة: هل قمت بعمل جيد في الصباح مستر وايلد؟).
فأجاب: رائع لقد حذفت فاصلة.
وعندما أتت له بشاي ما بعد الظهر، سألت عن سير العمل.
أجابها وايلد: (في الواقع حسن جداً لقد أعدت وضع الفاصلة مرة أخرى).
هذا أوسكار وايلد يقضي يومه كله في كتابة فاصلة أو حذفها وهو من أفضل من عمل في هذا المجال، فكيف يكون حال لاعب يلعب 120 مباراة في الموسم الواحد في ملاعب مثل الزلط يصل إليها بعد رحلة طيران تستمر 14 أو 17 ساعة وهو يتنقل من مناخ الى مناخ، ومن مطار إلى مطار، ومن منافسة إلى منافسة.
يلعب اللاعب هذه المباريات في ظل ضغوط جماهيرية وإعلامية كبيرة، وفي أجواء قد يشوب بعضها الإرهاب مع تحكيم أفريقي مازال يُتّهم بالفساد رغم الإشراقات الأخيرة لمحمود إسماعيل شانتير وإخوته.
إنّنا نطالب اتحاد الكرة أو نُطالب الهلال أن يستعمل سياسة أوسكار وايلد الذي ينفق يومه كله في كتابة (الفاصلة) أو حذفه، بعد ذلك.
في الموسم الماضي، كنا نشكو من عدم وجود تنافُس أو دوري يُشارك فيه الهلال يُجهِّزه للبطولة الأفريقية.. لكن هذا الموسم يبدو أنّ كثرة المباريات وتعدُّد المُنافسات سوف يكون ضرره أكبر من عدم المشاركة والمُنافسة، إن لم يتعامل الهلال مع هذا الوضع بحكمة وخطة وخبرة.
نحتاج فعلاً إلى مدرب برؤية فلوران ومدير كرة بخبرة عبد المهيمن الأمين، للخروج من هذا الضغط.
أرجوكم افعلوا كما كان يفعل أوسكار وايلد، لا تهملوا الروابط، ولا تهملوا صغائر الأشياء.
مشكلتنا إنّنا لا ندرك أنّ كبرى الكوارث تبدأ من مشكلة بسيطة، وأعظم الحرائق من مُستصغر الشّــرر.
…
متاريس
لا شك إنّني سعيدٌ بمتابعة الأستاذ خالد عزالدين وتعليقاته وتحاياه كما أبلغني الزميل علي عصام، ولا شك أنّنا نستفيد من ذلك، وقد عرفنا خالد عزالدين لا يبخل بملاحظاته حتى ونحن نكتب وقتها في صحف متنافسة.
أرجو من الزميل علي عصام وهو أدق مني في ذلك، لا سيما وهو متخصصٌ في الجانب الإحصائي، أن يقدم لنا إحصائية لمشاركات الغربال ولاعبي الهلال مع المنتخب والهلال في الموسم الواحد، ومقارنة ذلك بما يحدث في أوروبا رغم أنّ المقارنة معدومة بيننا وأوروبا بسبب جودة الملاعب وسهولة الترحال والانتقال وقُـرب الدول والمدن في أوروبا.
كما تختلف التغذية بين اللاعب الأوروبي واللاعب السوداني، وهناك اختلافٌ في التكوين والظروف.. هناك اختلافٌ في كل شئ.
كواسي أبياه رفقاً بالغربال وإخوانه، وأبياه كما نعلم إنسانٌ ومُربٍّ قبل أن يكون مدرباً.
أرحموا من في الملعب.
اللهم أحفظ الغربال وإخوته.
اللهم أحفظ السودان وأهله.
اللهم أحفظ شعبه في كل أرض وتحت أيِّ سماءٍ.
اللهم أخرجنا من هذه المحنة ونحن أكثر تماسُكاً، وأكثر ثباتاً وقُوةً، وأعظم مواقف ومبادئ.
اللهم نحن ندرك أنّ هذا الابتلاء سوف نخرج منه أعظم قوةً، ونفهم أن هذا العسر ما هو إلّا مدخل ليسر قريب.
ندرك أنّنا أقوياء حتى ونحن في مُنتهى الضعف.
انتظروا المساحة القادمة سوف نكتب عن الطاهر يونس.
…
ترس أخير: الزول المحظوظ، (دو) يفتح ليه.