بالعربي الكسيح
محمد الطيب الأمين
عبد العزيز المبارك .. من وين نجيب للحزن تلاجة !!
* قبل دخولنا مجال الصحافة والإعلام كنت أحس أن الراحل عبد العزيز المبارك كان (يعاني جداً) عندما يغني أغنية (ما كنت عارف وياريتني كنت عارف) .
* (ملامح) عبد العزيز المبارك كانت تتغيَّر وتتبدَّل كثيراً أثناء هذه الأغنية تحديداً .
* تصغر عيونه ويعلو جبينه العرق وتهتز حنجرته وتحس بهبوط في جسده وهو يغني (ما كنت عارف) .
* عندما يغني عبد العزيز (بتقولي لا) أو (طريق الشوق) أو (أحلى عيون بنريدا) أو (الرمش) أو (يا عسل رايق مصفا) أو غيرها من أغنياته، لاحظت أنه لا يتعب في كل هذه الأغنيات ولكنه (يموت بالأقساط) عند أغنية (ما كنت عارف) .
* وحاولت أن أتلمس كلمات هذه الأغنية التي كتبها الشاعر محمد جعفر ولحنها عمر الشاعر .
* تلمست كلماتها ووقفت كثيراً عند الكوبليه الذي يقول : (ياريت كنت عارف شخصك عني صارف،، سليت الناس عشانك آمل فيك توالف،، ما كنت متصور يوم خداع في هواك أصادف،، وما كنت عارف ويا ريتني كنت عارف) .
* بعد هذا الكوبليه أدركت أن (الموضوع شخصي) .
* عرفت إنو الأغنية هذه عبارة عن (جرح في حياة عبد العزيز المبارك) .
* وكثير من الجروح لا تروح مع الأيام .
* وذلك لأن الأيام نفسها هي في أوقات كثيرة عبارة عن (تلاجة) تحفظ درجة الوجع في حياتنا لسنين طويلة .
* كلما تحسست جرحك تجده (لين وطري) مثله و(اللحم) الذي نحفظه في التلاجة فلا تصله (الكديسة) ولا (يعفن) .
* جروح مثل هذه لا يعالجها إلا الموت .
* أذكر قبل (12) سنة، تقريباً حضرت حفلة لعبد العزيز المبارك بحدائق الإذاعة السودانية وطلبت منه (ما كنت عارف) وغناها بذات الحرقة .
* فيما بعد علمت أن الراحل كان يتحاشى غناء هذه الأغنية وعندما يتكرر عليه طلبها يغنيها ويبكي علانية أحياناً وفي أحيان أخرى يكتم دموعه ورا البسمات أو كما غنى ود اللمين .
* بعد كل هذا العطاء والجمال والغنا الفاخر رحل عبد العزيز المبارك في هدوء.
* رحل نهار أمس وترك أكثرنا يعاتب نفسه ويقول : (ما كنا عارفين يا ريتنا كنا عارفين) .
* كان عبد العزيز (هاشاً باشاً) بعيداً كل البعد عن المشاكل والتهاتر .
* عاش حياته الغالية بالنية السلمية .
* داهمه مرض السكري في السنوات الأخيرة وتأخرت صحته قبل شهور فدخل المستشفيات بحثاً عن العلاج .
* غادر إلى القاهرة ولم يكتب له الشفاء فغادر الفانية والبقاء لله .
* والرحيل هو وجع ممتد وبكا غير محسوب الدمع .
* قدرنا أن نشهد رحيل من نحب وحتماً سيشهد من يحبونا رحيلنا وهكذا هي الدنيا .
* ويبقى الموت حقيقة نسلم بها ونستسلم .
* عبد العزيز المبارك تجربة فنية جديرة بالاحترام والتوقف .
* هو من مواليد الخمسينيات حيث درس وترعرع بعاصمة الإبداع مدني .
* بدأ الغناء مردداً أغنيات العمالقة وعلى رأسهم وردي وعثمان حسين .
* كان محباً لدرجة بعيدة لأغنيات الحقيبة وقد برع فيها .
* والناظر لتجربة عبد العزيز المبارك يلاحظ إنها تجربة مختلفة من حيث (الكم) و(الكيف) .
* كلمات ما تغنى به فيها اختلاف وعمق فلسفي برغم بساطتها .
* العمق والبساطة يظهر في (ما كنت عارف وياريتني كنت عارف) ، تعبير بسيط لا يخلو من عمق وفلسفة .
* اشتهرت عنده وبصورة كبيرة أغنية (بتقولي لا) .
* وهي من الأغنيات بالغت الرومانسية .
* حشد عثمان خالد مفردات رقيقة جداً داخل أغنية (بتقولي لا)، كما أن الأغنية توفر لها لحن طروب .
* أحب السودانيين هذه الأغنية التي عبَّرت عن جيل كامل ووجدت حظها من التدوال والحفظ .
* يذكر الناس وسامة عبد العزيز المبارك ووجاهته فقد كان (جميل الملاح والطلة) .
* سيطر على الساحة بفنه وحضوره وأغنياته الحسان .
* نفقده اليوم (وما غالي على ربنا) .
* ونسأل الله أن يرحمه ويغفر له ويبدل سيئاته حسنات وأن يسكنه فسيح الجنات .
* والتعازي الحارة لأسرته الكبيرة والصغيرة ولكل معارفه ومحبي فنه .
و
(إنا لله وإنا إليه راجعون)