# قلت له: ابتداءً لابد من التأكيد على انه طوال فترة الدولة السودانية الحديثة.. لم تنشأ اي علاقة متوازنة فيها “امارة ثقة” بين العسكر.. و الملكية.
# ولهذه “الامارة” الغائبة علامات كثيرة تفضحها سيطرة العسكر على كراسي الحكم لسنوات طويلة.. وحتى في السنوات القليلة التي ارتدت فيها السلطة الزي المدني المألوف للسودانيين الجلابية والبدلة السفاري او الكرافتة.. كان اهل الميري يرون انه اجراء موقت يشبه عطاء من يملك لمن لا يستحق ولكن الى حين..
# بعدها تتحرك الدبابات والمجنزرات “صلاح الدين”.. يعلو صوت البروجي وتصيح المارشات العسكرية ايذانا بالتحرك والخروج العلني ضد الشرعية الدستورية.. فيكون الوطن والاخطار المحدقة به والظروف الاقتصادية هي “المنفيستو” الذي يُلبس الانقلاب العسكري اثواب الشرعية.
# استغرب جدا لان الكثيرين لم يسألوا انفسهم عن الاسباب التي جعلت رجل محدود القدرات مثله ومعظم القادة الافارقة الموسومين بالتسلط والغباء.. يجلس في كرسي الحكم لثلاثة عقود كاملة.. لا لشيء سوى انه جعل العسكر ينشغلون بانفسهم.. استغراقا في دهاليز الاقتصاد.. وانغماسا في اتون فتنة المال وعدّ النقود.. ورطهم في شيء اسمه الميزانية شبه المفتوحة لتجييش الشعب السوداني فكانت الخدمة الوطنية هي الدجاجة التي تبيض ذهبا.. وكان الدفاع الشعبي هو القراش الموضوعي لكتائب ما لدنيا قد عملنا.. فقامت الشركات والصناديق فتضاعفت الاصول وازدادت الاموال.. فأتجه المسار الى ما تسمى دمغة الجريح والهيئة الخيرية لدعم القوات المسلحة وصندوق دعم الخدمات الطبية ثم كانت منظمة الشهيد، ومن عجب، ان المنظمة التي تحمل اسم من هم احياء عند ربهم يرزقون.. تتاجر في الملاهي والمنتزهات وتتكسب من العاب الاطفال من قطار الاشباح الى البالونات والمراجيح.. ثم كانت الخدمات الطبية.. المستشفيات الما خمج.. و الصيدليات الفارهة.. والامن الغذائي.. المزارع والمصانع والمسالخ.. ومنظومة الصناعات الدفاعية.. التصنيع الحربي والعربات والصافات والنثريات و السفريات والوحدات السكنية التي تسد الافق.. والتمويل الاصغر والاكبر.. فلا غرو في ان يعرف ضابط الجيش الطريق الى سوق الله اكبر يشتري ويبيع ويغني الله اكبر ياهو دي دفاعنا الشعبي ياهو دي.. فلم تعد هناك “قونة” تجرؤ على القول “جياشة والجيش نقلو فتاشة”.. فالجيش في قلب الخرطوم.. المطار والقصر الرئاسي.. وبحري والمهندسين والشجرة.
# لم يجلس البشير في كرسيه طوال هذه السنوات لانه اقام مجتمع الكفاية والعدل على هدي دولة النبي في المدينة ولكنه عرف كيف يعمل على رفاهية الجيش والشرطة والامن.. وما كفاه ذلك فصنع قوات بديلة برفاهية اكبر و ميزانية شبه مفتوحة.. بعدها ما همه ان صارت الرغيفة الواحدة بجنيه او خمسة جنيهات.. المهم ان يبقى.. ولكن كيف يبقى يا سيدي والحلم فينا “ميري” ان فاتنا ارتداؤه.. تمرغنا في ترابه.
# من ينادون بابعاد الجيش من الاقتصاد وتجفيف شركات القوات النظامية.. حالمون.. ولا يقرأون الواقع بشكل عميق.. كيف لهؤلاء العسكر ان يثقوا في قدرة هؤلاء الافندية على سداد الفواتير العسكرية وهم.. اي المدنيين.. عاجزون عن ادارة دولتهم الجديدة.. حيث مازالوا في محطة الوثيقة الدستورية.. هل هي مزورة ام معدلة.. تعجزهم صفوف الرغيف والجازولين والبنزين والكهرباء.. ويستهويهم تسيير المواكب والشعارات.. الجيش لن يرهن وجوده في هذا البلد لمن لا يثق فيهم لانه يعرف ان الافندية “يحدرون له في الظلام”.. لذلك نقولها بملء الفم.. سيستمر عرض فيلم “الصياد والطريدة” على خشبة المسرح السوداني وسيكتشف محمد احمد المسكين غدا بانه.. وحده.. من ضيع في الأوهام عمره.