صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

هَــدَف جـوبَـاك بمليون دولار

20

صَـابِنَّهَـا
محمد عبد الماجد

هَــدَف جـوبَـاك بمليون دولار

جرت العادة إنّنا إذا أردنا أن نختلف ونتصارع ونتحارب أن نُدخل (السياسة) بيننا، والسياسيون ليس عندهم لنا غير الخلاف.
سوف يفقرونكم وينهبونكم ويسلبونكم ويمرضونكم ويشرِّدونكم ويقتلونكم، ويقولون إنهم يفعلون ذلك من أجلكم.
حميدتي يفعل كل ذلك وهو يدعي أنّه يفعل ذلك من أجل الديمقراطية والحرية والسلام.
وغيره يفعل ذلك من وراء حجاب.
يقتلون المواطنين الأبرياء وينهبون بيوتهم وثرواتهم، ثم يدّعون بعد ذلك أنّ قتلاهم في الجنة كشهداء.
والعادة وصلاً للحديث أعلاه ـ هي أننا إذا أردنا أن نتفق ونتوحد أن ندخل بيننا (الفن)، وتحديداً (الأغنية السودانية) التي كانت مكوناً طبيعياً لنسيج وحدة السودان.
نحنُ قد نختلف على شخصية في قامة ووطنية الزعيم إسماعيل الأزهري أو في دهاء محمد أحمد المحجوب أو في حكمة مبارك زروق، أو في (سلمية) الصادق المهدي التي عاش ومات من أجلها وها أنتم تختلفون، ولكن لا نختلف على وردي ـ لا نختلف على إبراهيم عوض، لا نختلف على إبراهيم الكاشف وعبد العزيز محمد داؤود وصلاح بن البادية وزيدان إبراهيم.
حتى عندما تريد أن تكتب عن الوطن، لا تستطيع أن تتجاوز أغنيات الكابلي وأشعار محجوب شريف.
بل إننا في المواقف لن نجد أفضل من مواقف ابوعركي البخيت ـ من غير شعارات أو ندوات سياسية أو حالة واتس أو بوست على الفيس بوك.
لن تجدوا أنبل من محمد الحسن سالم حميد، كانت قصائده تساقط علينا رطبا جنيا.
كل ذلك يحدث منهم بدون شعارات وبدون إشعارات بنكك ـ هل تفهمون ما أقصد؟ هل تعون ذلك وتستوعبون؟ أم أنكم وجدتم في ذلك رهقاً؟
ذكرياتنا لا يمكن أن تخلو من شريط كاسيت جمع بين الكابلي وحياة وآمال من البلابل وزينب الحويرص، كان يحمل اسم (وأمطرت لؤلؤا)، غنى فيه الكابلي كما لم يغن من قبل وعبد الكريم الكابلي عندما يغني (زينة وعاجباني)، تشعر أن حتى شماعة الهدوم في البيت ترقص معه.
وأمطرت لؤلؤا كان يمطر في كل الشوارع والبيوت والمحلات التجارية والمركبات العامة.
والقومة ليك يا وطني.
والكابلي عندما يغني لاستاذه حسن عطية وهو هكذا يقدمه تحس (والأسعار رخيصة أوي أوي، والرغيف كبير، والمواصلات فاضية)، فقد كان حسن عطية يغني لجمال الخرطوم وزهورها.
والكابلي عندما يغني للمُرهف عثمان الشفيع لا بتشكي من سخانة الجو ولا حمى الضنك ولا الضرس ولا حالة فلس.
وعندما يغني الكابلي لإبراهيم عوض بتمشي تزور ناس خالتك بدون ما تشعر.
الفن السوداني حملنا بكل ثقافاتنا واختلافاتنا واحتملنا بتعدُّد اتجاهاتنا وأفكارنا، والسياسيون عجزوا من أن يستوعبوا الفكرة.
صراعهم على (الكراسي) جعلهم ينسون أن الكرسي إذا ضاق، فإنّ السودان يسع الجميع.
اختزلوا السودان في (كرسي)، ثم دعونا نصدق أنهم يفعلون ذلك من أجل الوطن.
إنهم يتحدّثون باسم الوطن وباسم الدين وهم لا يرون أبعد من ربطات أعناقهم.
في ظروف صعبة وحرب تقارب من العام الثالث، قدم المنتخب السوداني ملحمة كروية أمام المنتخب اللبناني، ملحمة شهدت أعلى حضور جماهيري في مباراة من مباريات التصفيات لبطولة العرب، حسب شهادة معلق المباراة الذي كان في دهشة من ذلك ـ ملحمة شهدنا فيها حبنا ودموعنا وخوفنا على السودان ـ كنا في كل هجمة على مرمى السودان تخفق قلوبنا وتطير، نرجف مثل القصب، ونستعمل الساتر أرضاً، إذا كنا لا نحتمل هجمة مُرتدة على السودان، فكيف لنا أن نحتمل تدميره وخرابه ومُسيّرات تجي ومُسيّرات تفوت وناس تشرد وناس تموت.
هذا الوطن خيراته يمكنها أن تكفي العالم كله، فكيف لها أن لا تكفينا؟
هذا الوطن يسع الجميع فكيف يضيق بأبنائه؟
هل تدري مليشيا الدعم السريع وكل المليشيات، فنحنُ ضد المليشيا بصورة عامة كمبدأ، هل يدرون وهم أفقروا السودان ودمّروا بنيته التحتية، جسوره ومحطات الكهرباء والمياه ومباني الوزارات، هل يدرون أن لاعباً صغيراً اسمه ياسر جوباك عمره لم يتجاوز (21) عاماً، لم يحمل بندقية ولم يجغم أو يشفشف، عاد للسودان بمليون دولار؟
هل تعرفون أنّ قيمة هدف ياسر جوباك مليون دولار؟ حافز الوصول لنهائيات كأس العرب الذي غاب عنه منتخبات كبيرة ومستقرة وتلعب دوريها مثل موريتانيا وليبيا.. وليبيا تلعب المرحلة الأخيرة في دوريها بإيطاليا ونحنُ اتحاد كرة القدم السوداني عاجزٌ حتى من توفير ثمن تذكرة للاعب المنتخب أبوعاقلة عبد الله.
للذين ينهبون ليلاً ويشفشفون بقوة السلاح ووضع اليد، الأوطان لا تُبنى بالبنادق والرصاص لا نحصد منه غير الرصاص.
ها هو ياسر جوباك ينطلق ـ المشهد لا يتجاوز 40 ثانية، روفا يمرر كرة طويلة لصلاح عادل، يستلم صلاح صاح ويمرر صاح لياسر جوباك، الذي انطلق وسدد فعاد على السودان بمليون دولار.
جوباك لم يسدد طلقة ولا حجر نبلة، جوباك سدد كرة فإذا بها ترتد علينا بمليون دولار.
بهذا تبنى الأوطان لو أنّكم تعقلون.
إنّ الملحمة التي قدّمها أبناء السودان أفرحتنا وأثلجت صدورنا، ونحنُ في مثل هذه الظروف في حاجة للفرح ـ نحاول أن نعيد الحياة إلى عروقنا، أن نفرح ونضحك ونسعد، غصباً عن كل شئ، فهم بهذه الحرب لم يقصدوا إلا أن يحرموكم من الفرح.
سنفرح وسنغني وسيعود الوطن كما كان، تنضح شوارعه بالحياة والحب والأمل.
قد تسألون وتبحثون عن أن أكتب فنياً عن المباراة، وعن الكورة.
الكورة ملحوقة، وكذلك الحساب، سوف نتحاسب لاحقاً على دائر المليم.
وقبل أن ندخل على الكورة، كتب أمير المؤمنين الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى بعض عماله: (أما بعد فإنه لم يظهر المنكر في قوم قط ثم لم ينههم أهل الصلاح منهم إلا أصابهم الله بعذابٍ من عنده أو بأيدي مَن يشاء من عباده).
فهل من مدكر؟
إنهم لا يستوعبون ذلك لأن أياديهم ملطخة بالدماء.
في مباراة السودان ولبنان، الوقوف إجلالاً في البدء للجمهور السوداني الذي تابع المباراة من الملعب ـ الحضور الكبير من السودانيين لم يمنح فقط اللاعبين الثقة ـ هذا الحضور منحنا نحن أيضاً الثقة، وهو أنّ السودان بخير، وأنّ في وجود هذا الجمهور لا خوف على السودان.
أقف كذلك عند لاعبي الهلال في المنتخب وقد بدأ كواسي أبياه بسبعة لاعبين من الهلال في التشكيلة الأساسية، قد لا يكون جميلاً أن نتحدّث عن ذلك في هذا المقام، غير أنّه شئٌ يجعلنا نشعر نحنُ الهلالاب بالفخر، فمُشاركة 7 لاعبين من الهلال في هذه الملحمة فخرٌ للهلال، كما أننا نتحدّث عن ذلك لنشكر صنيعهم.
لاعبو الهلال أو بعضهم ـ من بينهم ياسر جوباك أتوا إلى عُمان من أجل المشاركة مع المنتخب في مباراة ودية أمام عُمان ثم عادوا إلى رواندا للمشاركة مع الهلال في مباراة في مرحلة المجموعات أمام المولودية، ثم غادروا بعد المباراة إلى الدوحة للمشاركة مع المنتخب في مباراته أمام المنتخب اللبناني في تصفيات كأس العرب يوم 26 نوفمبر، ثم غادروا إلى الكونغو للمشاركة أمام سانت لوبوبو في البطولة الأفريقية يوم 30 نوفمبر، ثم سيعودوا إلى الدوحة لمُواجهة المنتخب الجزائري يوم 3 ديسمبر، كل ذلك في ظرف 10 أيام، في الوقت نفسه يلعب الهلال في الدوري الرواندي، هذا لا يحدث إلّا من فريق عظيم اسمه الهلال.
إنّه نادي الحركة الوطنية ولا كذب.
نادي الشعب ولا عجب.
والسودان يستحق من الهلال هذه التضحيات، لذلك كان لا بد لنا أن نقف عندها حتى نحفظ تضحيتهم، لأنّ الذين يضحون من أجل الوطن لا يذكرون.
ومثلما تحدّثنا عن لاعبي الهلال ـ نتحدّث كذلك عن منجد النيل حارس المنتخب، لأنّـه الوحيد من بين لاعبي المنتخب يلعب بدون دوري وبدون أيِّ مشاركة رسمية أو حتى تمارين ومباريات ودية مع فريقه، مع ذلك أثبت وجوده.
ونذكر في باب الفضل هذا، اليافع موسى كانتي الذي كان كبيراً وتعرض لإصابة وحمل رجله مصاباً وخرج.
والحديث فنياً عن المباراة، فقد قدم قائد المنتخب بخيت خميس مباراة كبيرة إلى جانب كرشوم وإرنق، أما ياسر جوباك فقد كان هو نجم المباراة الأول أو هو تقاسمها مع صلاح عادل وتفوّق جوباك بالهدف.
البعض انتقد بوغبا ومنهم صديقي تاج السر محمد الحسن، ولكن اختلف معه وأرى أن بوغبا قدم مباراة كبيرة، كان بمثابة رمانة الميزان في الوسط، لعب بهدوٍ، بعيداً عن الكروت والانفعال، أما روفا فهو لو لم يفعل غير تمريرته الطويلة التي حوّلت الملعب ونقلت المباراة وكانت هي التمريرة (المفتاحية) لهدف الانتصار لكفاه ذلك.
ولا ننسى أبوعاقلة عبد الله ـ الفدائي الذي شكّل ساتراً دفاعياً للمنتخب قبل منطقة الجزاء.
أعتقد أنّ كل لاعبي المنتخب لم يقصِّروا بما في ذلك جون مانو الذي شكّل خطورة كبيرة على مرمى المنتخب اللبناني قبل طرده.
جون مانو لا يستحق الطرد، لأنّ البطاقة الصفراء الأولى لم تكن مستحقة، غير أنّ انفعال اللاعب أعطى الحكم الجرأة لطرده، لو كان جون مانو هادئاً لما طُـرد.. انفعاله أوحى للحكم أنّه يستحق الطرد.
السودان يستحق ضربة جزاء بسبب المُخالفة التي تعرّض لها صلاح عادل، الحكم رغم العودة إلى (الفأر) لم يحتسبها.
السودان قادر إن شاء الله على أن يحقق نتائج جيدة في بطولة العرب، فقد تجاوز السودان المباراة الأصعب.
كواسى أبياه رغم أحداث المباراة كان هادئاً ورزيناً وتقيلاً، عكس مدرب المنتخب اللبناني ميودراغ رادولوفيتش الذي ظهر قبل حتى أن تبدأ المباراة منفعلاً في المنطقة الفنية.
ياسر جوباك سجّل هدف الفوز، لكن منجد النيل يُحسب له المحافظة على هذا الهدف، فقد تصدى لضربة رأسية في الزمن بدل الضائع، وهي ضربة ممكن تُسجّل في مرمى أعظم حارس.
كرشوم يرجع له هدف التعادل، فقد سدد كرة أجبرت مدافع المنتخب اللبناني أن يُحوِّلها إلى مرماه، هدفاً عكسياً للمنتخب السوداني يحسب كلياً لكرشوم.
كرشوم أيضاً تعامل مع كرات هوائية بخبرات كبيرة، أي لاعب آخر غير كرشوم كان يمكن أن يحتسب عليه ضربة جزاء.
صلاح عادل سوف أكتب عنه منفصلاً في (فاطي سطر) مثلما فعلنا ذلك مع ياسر جوباك الذي استحق عنوان هذا المقال.
المنتخب اللبناني قدم مباراة كبيرة، وهو منتخب غير ساهل، لو واجه أي منتخب آخر في هذه المرحلة غير السودان كان يمكن أن يتأهل للنهائيات.
الحمد لله على تأهُّل السودان بعد فوزه على المنتخب اللبناني، وعلى تعادل الهلال مع متصدر الدورى الرواندي رغم أنه يفتقد (12) لاعباً.. (10) مع منتخب السودان و(2) مع منتخب موريتانيا غير خادم دياو.
الحمد لله.

متاريس
سألت نفسي، منتخب بهذا المستوى لماذا لم يتأهل لنهائيات كأس العالم؟ ، فهو يستحق الوصول للنهائيات.
قد تكون الأخطاء الإدارية هي التي أبعدت المنتخب عن نهائيات كأس العالم.
وقد تكون الحرب اللعينة.
منتخب وصل لنهائيات بطولة العرب قبل أن ينال حوافز الوصول لنهائيات الأمم الأفريقية.
الغربال عنده كلام أمام المنتخب الجزائري.
لاعبو الهلال يقاتلون مع المنتخب والهلال ـ الله يكون في عونهم.
اللاعب الوطني في الهلال أثبت وجوده.. روفا والغربال سجّلا أمام المولودية، وكرشوم وجوباك أمام المنتخب اللبناني.
والحمد لله.

ترس أخير: والفرحة مستمرة الليلة إن شاء الله.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد