صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

وَيَبقَى عَبـقَ الوَطَـن حَتّـى في (جَـدعَـة التّمَـاس)

70

صَـابِنَّهَـا
محمد عبد الماجد

وَيَبقَى عَبـقَ الوَطَـن حَتّـى في (جَـدعَـة التّمَـاس)

يقول عبقري الرواية العربية الطيب صالح: (نحن عشنا وتربّينا في القُرى، تربّينا في مجتمعات كان فيها الفقهاء يقومون بالدعوة، بالهداية للعاصي، لم يكونوا يلقون مُحاضرة، والعاصي دائماً كان يهتدي، فعندما يبلغ الأربعين يذهب للحج، ليست هناك مشكلة. الزعماء السياسيون يفتعلون المشاكل ليوهموا الناس بأنهم يحلونها ليُبرِّروا وجودهم، وهذه هي الحكاية).
أحياناً لنثبت عبقريتنا، نخلق الأزمة والمشكلة، لنُوهم الناس كما يقول الطيب صالح بالقدرة على حلِّها ـ المُشكلة عندما نخلق المُشكلة ونبدع في وجودها، نعجز عن الحل ـ نفقد القُدرة على السيطرة.
وجودك يرتبط أحياناً بالمشكلة، أول ما تنتهي المشكلة، يبقى وجودك ليس له قيمة، لذلك هنالك أناسٌ حريصون على بقاء المشكلة واستمرارها، لأنّ وجودهم مرتبطٌ بوجود المشكلة.
أنت لا تسأل عن عيادة أسنان، ولا تبحث عن طبيب أسنان شاطر، إلا إذا كنت تشكي من الضرس.
عندما لا تكون لديك مشكلة في الأضراس، بتنظر إلى طبيب الأسنان وبتقول في نفسك، لماذا لم يصبح طبيب الأسنان هذا طبيباً عمومياً؟ ما الذي أجبره على دراسة طب الأسنان؟ رغم أنّ طبيب الأسنان هو أهم طبيب، وهو لا يمكن الاستغناء عنه، وقيمته تظهر عند الوجع.. لكن يبقى ارتباطنا مع طبيب الأسنان بوجع الأسنان.
المدرب أحياناً يجري تغييراً غريباً، إذا صادف معه سوف يجعلونه عبقرياً ـ وإذا فشل يشيل شيلته، ما في زول يرحمه!
العبقرية هي أن تجرب أو تقوم بعمل غير معقول، أن تفعل شيئاً غير منطقي، إذا فشلت فيه سيُقال عنك إنّك مجنون، وإذا نجحت سوف تصبح (عبقرياً).
الفرق بين العبقرية والتبلُّد يكمن هنا.
الفرق بين الزول العادي وغير العادي، هو أن الزول غير العادي تصرفاته غريبة.. نحن لكي نعبر نحتاج لأناس غير عاديين ـ لا أقول زول واحد، نحن نحتاج إلى كمية من الناس ـ زول واحد ما بحل مشكلتنا، لكن رمزية القائد وعبقريته وصفاته المختلفة مهمة، لكي يقود أناساً غير عاديين.
نحن في حاجة حقيقية إلى (المغامرة) حتى ندرك ما فاتنا ـ بالحسبة المعتادة والطبيعية لن نصل ـ نحتاج إلى أن نفكر خارج الصندوق.
بالورقة والقلم ما في حل.
لذلك لا بُـدّ لشئ من (المغامرة)، غير أنّ مشكلتنا أننا بطبيعة الحال والتكوين والتربية غير (مُغامرين)، والمشكلة الأكبر أنّ من يغامر هو الذي يخرج عن النص لا الصندوق، لقد فشلنا لأنّنا تركنا لهم ملعب المغامرة وبقينا في مدرجات المُتفرِّجين، نتابع مغامراتهم ـ وبعضنا للأسف الشديد يستمتع بذلك!
لا بُـدّ أن (نغامر)، أو على فهم هذه الأيام علينا أن نجازف، وأن نخرج من عباءة السودان سلة غذاء العالم، ونحن من أسّسنا الاتحاد الأفريقي لكرة القدم ـ ونحن أجدع ناس.
في هذه الحرب ـ نحن غامرنا بكل شئٍ، غامرنا بأوطاننا وغامرنا بثرواتنا وغامرنا بأرواحنا، وغامرنا ببيوتنا، وغامرنا من أجل الهجرة والخروج، شئٌ واحدٌ لم نغامر به، وهو أن نغامر من أجل العودة والبناء والوحدة والسلام والنماء والخــير.
لقد غامرنا من أجل الحرب، علينا الآن أن نغامر من أجل إيقافها أو تجفيفها، علينا أن نغامر من أجل السلام حتى يعود الناس وتتفتّح البيوت وترجع الجامعات وتعمل المصانع وتخضّر المزارع.
نحن في حاجة إلى سلام داخلي، فقد تركت هذه الحرب في النفوس جروحاً عميقة، في حاجة إلى تصالح نفسي قبل كل شئ.
انتهاء الحرب أو توقفها بدون عمل وبدون إنتاج سوف يُحَـوِّل الحياة إلى وضعية أصعب مما كنا فيها أثناء تأجج الحرب.
هذه المصانع لو تحوّلت إلى مَرتعٍ للقطط والكلاب الضالة، سوف تتحَـوّل إلى إنتاج أشياء أخرى، سوف تنتج الخمور وسوف تصبح أوكاراً للجريمة.
هذه المزارع لو لم تُـزرع بالقمح والقطن والسمسم والفول سوف تزرع أشياء أخرى، ستُزرع مخدرات.
الحياة لن تتوقف، حتى إذا توقفنا أو توقف الإنتاج، سوف تحل بدائل أخرى.
هؤلاء الطلاب إذا لم يعودوا إلى جامعاتهم سوف يتحوّلون إلى معاول للهدم، الجامعات هي مَن تُعلِّمهم وتُهذِّبهم وتُوجِّههم، وهي مَن تستوعب طموحاتهم.
هؤلاء الشباب إذا لم يعودوا إلى مناطق عملهم، وإلى مكاتبهم وأشغالهم، سوف تُحوِّلهم (العطالة) إلى معاول للدمار والخراب.
تلك الطاقات الكبيرة لا تهدروها في الفيس والواتس والشتائم والاعتراض والانتقاد.
أخطر ما في العطالة أنها تُحوِّل رُوّادها أو أصحابها إلى أشخاص ينظرون للحياة باستخفافٍ واستهزاءٍ، والأخطر من ذلك أنّها تجعلهم لديهم رأي في أي شئ، ويمكن أن تولّد الحسد والحقد ـ فمن يكون فارغاً لا تنتظر منه غير أن يعمل لتعطيل مَن يعمل “ولا يقعد ساي”.
نحن بسطاءٌ، الشعب السوداني مازالت طموحاته لا تتجاوز (لقمة العيش)، ما عاوزين أكتر من أنّ الواحد فينا عندما يضع رأسه في المخدة، يكون ما غلط على زول، أو ما في زول زعلان منه، إذا تغيّـرت هذه المعادلة سوف ندخل في حسبة تانية.. عندنا أشياءٌ جميلةٌ، لكن هذه الأشياء لا بُـدّ من أن نترجمها ونحوِّلها إلى واقع، لا يكفي أن تنوم مرتاح البال وغيرك النوم طاير من عينيـه.
الكهرباء جات، هذه قمة طموح جيل كامل من الشباب، لا يريد من هذه الحياة أكثر من تغذية أو تنشيط خدمة الإنترنت ـ اكتفوا بهذا القدر ـ من بعد يمكن تدخل الفيس، وتلعن الظلام، وتخرج وأنت تظن أنك قمت بواجبك تجاه هذا الوطن العريض.
يقول الطيب صالح (كنت أول قدومي إلى لندن أوائل الخمسينات، أقسّم العالم إلى قسمين إما خيرٌ واضحٌ وإما شرٌ واضحٌ. ثم نتيجة لمكايدة العيش في مجتمع له قيمٌ مختلفةٌ، واقترابي أكثر من الثقافة الأوروبية، ومتابعة المسرح، خاصّةً مسرح شكسبير و(برخت)، أخذت أفهم أنّ قضية الخير والشر أكثر تعقيداً مما كنت أظن).
معجبٌ أنا بالطيب صالح ـ بعيداً عن رواياته المُدهشة، هو له كتاباتٌ فيها الكثير من الحكمة والتجربة والحياة ـ الطيب صالح قد يكون مقلاً في رواياته، لكن مجموع مقالاته التي كتبها في الصحف تتجاوز (10) كتب، في تلك المقالات عصير تجارب وثقافات وخبرات، وإضاءة حياة.
لو نظرت لمشاكلنا قبل خمسين سنة، سوف تجدها نفس مشاكلنا الحالية، كل شئ فينا وحولنا يتغيّر، إلا مشاكلنا هي هي.
اعتدت أن أعود إلى البيت الكبير في البلد من وقت لآخر، كنت كلما أعود إليه، أسمع صوتاً ينبِّهني عندما أدخل للديوان الكبير، قائلاً مفتاح النور على يدك اليمين ـ لم أكن أعرف من أين يأتي هذا الصوت اعتدت على أن أسمعه بهذه النغمة التحذيرية.
عُدت ذات مرة، فلم أسمع الصوت، ولم أجد مفتاح النور ـ المفاجأة إني لم أجد الديوان، بل لم أجد البيت نفسه.
في هذه الحرب، افتقدنا أصواتاً كانت معنا في كل حتة، ترافقنا وتنبِّهنا وتورينا الغلط من الصاح.. أصواتٌ أصحابها قد يكونوا رحلوا قبل سنواتٍ، لكننا كنا نسمع أصواتهم، كانت معنا في كل خطواتنا.
هل هذه الأصوات كانت ضمائرنا؟ لا أدري، غير أنّنا فقدنا الكثير من القيم والمُثل والكلمة الطيبة.
يقول الطيب صالح كنت (أقسِّم العالم إلى قسمين إما خيرٌ واضحٌ، وإما شرٌ واضحٌ).. والحقيقة أنّه لم يعد هنالك خيرٌ واضحٌ، ولا شرٌ واضحٌ ـ المشكلة أنّ الخير والشر أصبحا من الصّعب أن تُفرِّق بينهما ـ الشر بقي أكثر أناقةً وكياسةً ودبلوماسيةً، والخير بقي غير مفهوم، مُعقّداً ولا يستذاق من الوهلة الأولى.
مُشكلتنا أننا أصبحنا نخلط بين الخير والشر.
معليش ـ الكلام دا عنده علاقة بالكورة؟
الكلام دا عنده علاقة بـأي شئ.
الفاهمين الكورة، على أنها قوون وضربة جزاء، وجدعة تماس وضربة ركنية، عليهم أن يُغيِّروا مفاهيمهم.
يبقى عبق الوطن حتى في جدعة التماس.. إنهم لم يتخلّوا عن وطنهم حتى في (الدافوري).
زمان عندما كنا نتابع مباريات الدوريات الأوروبية، كان يقال لنا عبارات مستهلكة، يقال لنا الكورة بقت احتراف، الكورة بقت استثمار، الكورة بقت تجارة، ثم قالوا لنا الكورة بقت ثقافة، الكورة بقت علم، الكورة بقت دراسة.
الأكيد أنّ الكورة تعدّت تلك المراحل ـ الكورة بقت أسلوب حياة أو بقت حياة تنفذ منها إلى عوالم أخرى. ونحن فهمنا في الكورة مازال متحجراً عند فهم الرجل الكبير الذي تسبّبت الكورة في أن تكسر لمبة حوشهم الكبير، فصار منذ ذلك اليوم ينظر للكورة على أنها عملٌ تدميريٌّ وتجريميٌّ بغيضٌ، وأصبح ينظر إلى الأولاد الذين يلعبون الكورة في الحي أمام بيته إنهم “قليلين أدب، وأهلهم ما عرفوا يربُّوهم”.
كل ذلك لأنه فقد لمبة إضاءة الحوش الكبير.
عقليتنا في الكورة مازال يسيطر عليها هذا الإحساس، ليس من ذلك الرجل الكبير وحده، وإنما من الجميع، من الدولة كلها، من الشعب والسُّلطة واتحاد الكرة وإدارات الأندية نفسها.
الموضوع أصبح أكبر من كونه نصراً وهزيمةً وتعادلاً ـ هنالك نتائج أخرى ونهايات لا علاقة لها بهذه الاحتمالات.
الهزيمة في مباريات كرة القدم هي من أعظم الدروس التي يُمكن أن نتعلّم منها ـ نحن عاوزين نتعلّم من (النصر) فقط، ما عاوزين نتعلّم من (الهزيمة)، عشان كدا ما قادرين نفهم وما قادرين نتعلّم.
مُشكلتنا في البلد دي ليست في أنها لا يوجد لها حل، وإنما مشكلتنا هي أن مشكلتنا لديها ألف حل، وكل واحد شايف أنّ الحل الذي يراه هو ـ لذلك الحل نفسه عندنا أصبح (مشكلة)، انتقلنا من مشكلة المشكلة إلى مشكلة الحل، ودي مشكلة أكبر.
الكلام دا عندهُ علاقة برضو بالكورة؟
الكورة ما بتتفصل عن الحياة، أنا من الصباح بقول في شنو؟ مشاكلنا دي كلها مرات بتشعر أنّ الكورة بتلخِّصها.
نحن عندنا رأي في المدرب، وعندنا رأي في اللاعب، وعندنا رأي في الإدارة، وعندنا رأي في الإعلام، وعندنا رأي في الملعب، وعندنا رأي في الجمهور، وعندنا رأي في الحكم.
عندنا رأي في الكورة ذاتها.
نحن باختصار عندنا رأي في أي حاجة حتى (العرّاضات) لامن الكورة تدق فيها وما تدخل بكون عندنا رأي في العرّاضات، وعندما تنتهي المباراة ونطلع من الاستاد بنقعد نحكي ونقص ونقول: بالله شفتوا العرّاضة بنت الحرام دي ـ الكورة ما عاوزة تخش.

متاريس
أنا ما عارف ليه، وما واقعة لي لغاية الآن حكاية الناس الشايفين أن نتيجة الهلال في مباراة الذهاب أمام الجاموس نتيجة غير جيدة.
هو التعادل دا غيّروه؟
نحن نلعب ذهاباً وإياباً، ويجب احترام الجاموس.
إذا كانت نتيجة مباراة الذهاب بالنسبة للهلال غير جيدة، فكيف تكون بالنسبة للجاموس؟
عاوزين نفهم فقط.
والهلال نفسه يجب أن لا يسقط نتيجة مباراة الذهاب، وعليه أن يبني عليها.
أنا مع اهتمام ريجيكامب في مباراة الإياب بالدفاع.
على الفريق أن لا ينجرف كلياً في الهجوم.
أي هدف أو هجمة مرتدة يمكن أن يُعقِّد المسألة.
لذلك عناصر الارتكاز مهمة في الوسط.
الهلال لديه ثلاثة عناصر في خط الهجوم يمكن أن يهدُّوا أي جبل، وقادرون على ترويض الجاموس.
عليه، فإنّ وجود عناصر دفاعية في وسط الهلال أمرٌ لا بُـدّ منه.
تعاملوا مع المباراة بالورقة والقلم من أجل التأهل، لا تتعاملوا معها بحسبة الطموحات واسم الهلال الكبير.
مباراة الإياب يوم الأحد، هي مباراة للتأهل.
التركيز يجب أن يكون في التأهل.
يبقى رمضان عجب من أفضل وأرقى اللاعبين، أمنياتنا لكابتن السودان والمريخ بالشفاء والعودة السريعة إن شاء الله.
أتمنى أن يكون اتحاد الكرة حاضراً مع رمضان عجب، فهو كابتن المنتخب السوداني.
أدعم فريقك.
وما في دعم للفريق من غير أن تدعم مدرب الفريق.
أدعم ريجيكامب.
الهلال قادمٌ إن شاء الله.
وقادمٌ بقوة بإذن الله تعالى.

ترس أخير: بكرة الجماعة ديل كلِّموهم يعملوا حسابهم ويبعدوا عن (الكريمي)، كلّمتكم أنا.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد