صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

أكل عيش (4)

22

خارطة الطريق
ناصر بابكر

* في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة سلطت الضوء على السبب الجوهري الذي حول شخصية وسمة لاعب المريخ خلال الـ(16) عاماً الماضية وهو الضعف الإداري وغياب الحزم والضبط والنظام واللوائح في التعامل مع اللاعبين رغم أن تلك السنوات شهدت تحول اللاعب إلى محترف (على الورق) وفي الواقع تحول اللاعبين إلى (محترفين في جمع المال) وبمبالغ لا تتناسب مع واقع الكرة السودانية كون تأهيل اللاعب من الأساس مفقود وهو العنصر الرئيسي والأهم الذي يصنع لاعباً حقيقياً وبما أنه مفقود فإن تلك المبالغ تبقي غير منطقية كما لا تتناسب تلك المبالغ من الوضع الاقتصادي للسودان ولا الوضع الاقتصادي للأندية نفسها ومع ذلك أرتفع سقف ما يناله اللاعبون إلى أرقام مهولة تحت شعار (لاعب محترف) مع تركه (هاو) في سلوكه وفي كل تفاصيل حياته وممارسته للعبة والأسوأ أن الإداري نفسه (هاو) وفوق ذلك يجهل أبسط مقومات كرة القدم ومع الأسف الشديد امتزج السوء الإداري وغياب اللوائح أو عدم تفعيلها على أرض الواقع بشخصية إدارية ضعيفة وهشة وفهم محدود بل وخاطئ جداً لكرة القدم ليحدث خلل كبير انعكس على لاعب المريخ الذي تحول إلى لاعب هش بفعل البيئة المحيطة وإلى لاعب استغلالي بحيث يستغل ضعف الإدارات المتعاقبة وتهاونها الشديد في حقوق النادي ليكسب أكبر قدر ممكن من الأموال دون أن يقدم ولو عشر ما يوازيها من مجهود.
* وعلى الرغم من وضوح تلك الأخطاء وعلى الرغم من كونها أخطاء جوهرية وما لها من آثار كارثية تستمر طويلاً ومع التنويه إلى أن الجوانب التي تتعلق بشخصية اللاعب وسماته تحتاج وقت طويل لعلاجها وتجاوزها وبالتالي كان من الضروري الوقوف عند تلك الأخطاء مبكراً وتسليط الضوء عليها لمصلحة المريخ ولمصلحة الإدارات نفسها .. وتسليط الضوء على السلبيات وتناولها ووضعها تحت المجهر من أوجب واجبات الصحافة (السلطة الرابعة) لكن مع الأسف الشديد ظلت الصحافة المريخية أو بصورة أكثر دقة غالبيتها تهرب عمداً عن تناول مظاهر الضعف الإداري مع بحث لسنوات عن (شماعات) لتعليق الإخفاق عليها .. فلسنوات طويلة كان كل مدرب يأتي لتدريب المريخ يكون هو (الشماعة) الأبرز لكل إخفاق ومع التأمين على أن قلة من المدربين الذين مروا على النادي لم يكونوا في المستوي لكن لم يكن التدريب في يوم من الأيام هو المشكلة الرئيسية التي يعاني منها المريخ بل كان المدرب على الدوام يتخذ كمنفذ للهروب من التناول الحقيقي والعميق للأداء الإداري مع الإشارة لأن الإعلام المريخي وفي سنوات التحول الأولي من عهد الصرف البسيط إلى الصرف الكبير كان يطالب نهاية كل موسم بشطب اللاعبين بدعوي انعدام الروح ويضعهم كشماعة ثانية بعد المدرب مع هروب دائم عن تناول السبب الذي حول شخصية وسمات لاعب المريخ وأسباب تحوله للاعب غير مسئول وهش ولا يبالي بالبطولات وهو ما أدي لشطب مئات اللاعبين دون أن يتغير الحال.
* بتاريخ (18 فبراير 2014) كتبت مقالاً بعنوان (مستهترون وما عندهم روح) ووقتها كان لاعبو المريخ يتعرضون لنفس الانتقادات التي تعرضوا لها في الفترة الفائتة المتعلقة بالاستهتار وافتقار الروح والجدية في الأداء.. يومها أشرت لأن تلك الصفات ظلت سمة ملازمة للاعبي الأحمر على مدى أكثر من عشر سنوات جرب الزعيم خلالها أجيالاً مختلفة من اللاعبين، وقام بتسجيل وشطب المئات منهم، وظلت المشكلة قائمة ما يعني أننا لم ننجح في تحديد السبب الرئيسي الذي يؤدي لداء (الاستهتار وانعدام الروح) وطرحت في المقال سؤالين لمعرفة أصل المشكلة، إذ أوردتُ في ذاك المقال الفقرة التالية :((هل يتعاقد المريخ مع لاعبين الاستهتار وافتقار الروح القتالية خصلة موجودة فيهم؟ ولو كانت الإجابة بنعم فذلك يعني أن هنالك مشكلة إدارية كبيرة في اختيار اللاعبين الذين يتم تسجيلهم تتعلق بإهمال جوانب مهمة وأساسية مثل درجة طموح اللاعب ودرجة تحليه بالمسئولية، وبالتالي فإن الخطأ خطأ إداري في المقام الأول والأخير لأن الإدارات هي التي ظلت تضطلع بمسئولية التسجيلات طوال السنوات الماضية مع الإشارة إلى الإعلام ظل على الدوام يحتفي بتلك التعاقدات ويهلل لها.
* وثانيا، هل كان لاعبو المريخ سواء الحاليين أو الذين تم الاستغناء عنهم في السنوات الماضية يمتلكون الروح والجدية والمسئولية في الأندية التي لعبوا لها قبل الانتقال للأحمر ثم خسروها بعد الانضمام لقلعة الزعيم؟ ولو كانت الإجابة بنعم فذلك يعني أن هنالك مشكلة إدارية كبيرة تتعلق بالبيئة وشكل التعامل الذي يجده اللاعب في القلعة الحمراء بما يقود إلى تقليل درجة الإحساس بالمسئولية وإعدام الروح القتالية وجعل اللامبالاة والاستهتار هما السمات الأبرز)).
* الإعلام وبدل أن يكون هو الرقيب على الأداء الإداري وبدلاً من التركيز على السلبيات لتصحيحها وعلاجها .. وبدل من أن يؤدي دوره في تبصير الإداريين بأخطاءهم والعمل على رفع درجة الوعي ومواجهة الإخفاقات بشجاعة والاعتراف بها ومن ثم تحديد أسبابها الحقيقية .. ظل يقوم بالعكس تماماً حيث يهلل لكل فعل إداري خصوصاً المرتبط بالأموال التي تدفع للاعبين وعندما تكون نهاية أغلب المواسم إخفاق وللتغطية على السلبيات الإدارية يتهم وضع المدرب كمتهم أول مع تركيز على لجان الإتحاد والحكام وفي تقديري الهروب من تناول مظاهر الضعف الإداري واللجوء لنهج (الشماعة) والابتعاد عن الأسباب الجوهرية هو في حد ذاته مظهر من مظاهر الضعف وعندما يجتمع الضعف الإداري بضعف إعلامي من الطبيعي أن يكون الناتج مجتمع هش ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر على اللاعب بإعتباره (ابن البيئة).
* الرهان على (اسم اللاعب) أكثر من (اسم النادي) كارثة لمن يفهم كرة القدم بشكل جيد وهي كانت سياسة إدارية حاضرها دعمها ورسخها الإعلام .. التعامل مع اللاعب كمحترف في جزئية ما يتقاضاه من أموال وتجاهل هوايته في سلوكه وتفاصيل حياته وواجباته كارثة كانت حاضرة من جانب الإدارة ودعمها الإعلام .. نصرة اللاعب حينما يدخل في خلاف مع مدربه كارثة كبيرة تهدم الكثير من القيم في الفريق وفي النادي نفسه وهي كارثة كانت حاضرة لسنوات ومثلت نهجاً إدارياً حظي بدعم إعلامي.
* ومع كل تلك الأخطاء الجوهرية والتي لكل خطأ منها آثار عميقة ومؤسفة للحد البعيد والمشكلة أنها آثار ممتدة وتحتاج لسنوات من العمل المتواصل والجماعي لعلاجها .. كانت هنالك أخطاء أخري جوهرية على رأسها مساواة لقب كأس السودان بلقب الدوري في واحدة من أسوأ حالات الهروب من الحقيقة وتزييف الواقع لتجميل الأداء الإداري والهروب من سوءاته مع الإشارة لأن جعل لقب الكأس عزاء لفقدان الدوري يحوي تصغيراً غريباً لقيمة المريخ أكبر وأنجح نادي سوداني والطبيعي أن يكون هدفه على الدوام هو القمة والبطولات الكبيرة وذلك التناول أفقد اللاعبين أهم ميزة ينبغي أن تتوفر في لاعب المريخ أو لاعب أندية البطولات وهي ميزة (النفس الطويل) التي تعتبر كلمة السر في سباق بطولات (الدوري) ليركز اللاعب على أسهل مهمة وهي (الكأس) لقلة عدد مبارياته وعدم صعوبة الفوز به لأن الصعوبات فيه تقتصر على مباراة واحدة أو مباراتين.
* الفوز بالبطولات بانتظام يحتاج أول ما يحتاج إلى استقرار إداري والمريخ أفتقد على مدي سنوات طويلة لهذه الميزة بسبب هشاشة الإدارات التي ظلت تلجأ لخيار الاستقالة سواء عانت من مشاكل مالية أو تعرضت لانتقادات أو عقب الإخفاقات وتصاعد غضب القاعدة مع أن هذا الأمر طبيعي في الأندية الجماهيرية والمفروض أن أي إداري لا يستطيع تحمل الانتقادات مهما بلغت أو لا يستطيع مواجهة الإخفاقات بشجاعة ومعالجة أسبابها لتحويلها إلى إنجازات وأن أي إداري لا يملك النفس الطويل والقدرة على الاستمرارية أن لا يتقدم لإدارة الأندية الجماهيرية والكبيرة من وزن المريخ، لذا ظل النادي يترنح في دوامة من التغيير الإداري بين مجلس منتخب لا يكمل فترته ثم لجنة تسيير ثم لجنة تسيير ثم مجلس منتخب لا يكمل فترته ثم لجنة تسيير ولجنة تسيير والساقية تدور بهذه الطريقة وسط دعم إعلامي غريب لتلك الدوامة وهروب متعمد عن تناولها وعدم الوقوف عندها وهي كلها مظاهر ضعف وهشاشة سواء من الإدارة أو الإعلام أو كل من يدعم ذلك النهج الذي يفقد النادي أهم عنصر وهو الاستقرار الإداري وإدارات لا تملك النفس الطويل والقدرة على الاستمرارية طبيعي أن تنتج لاعبين لا يملكون النفس الطويل وبالتالي يفشلون في بطولات الدوري، وإدارات تضعف وتنهار تحت الضغط ولا تستطيع التعايش معه طبيعي أن تنتهج لاعب هش لا يستطيع التعامل مع الضغط مع أن طبيعة المريخ وكل الأندية الكبيرة والجماهيرية في العالم هي أن كل منتمي للنادي يكون تحت الضغط خاصة الإداري واللاعب والمدرب ومن لا يستطيع التعامل مع تلك الحقيقة وذلك الواقع فمن باب أولي أن يبتعد ويبحث عن مكان له بين الأندية الصغيرة.
* أكلوا عيش ونحن ناكل نيم ولكن لماذا؟.
* غدا أواصل بإذن الله إن كان في العمر بقية.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد