صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

سايكولوجية الإنفعال،،،

77

حصاد الألسن

عبدالله مسعود

سايكولوجية الإنفعال،،،

 

يتابع العالم بأسره وبإهتمام شديد بطولة كأس الأمم الأفريقية التي تقام في ساحل العاج هذا الشهر إلا أن الخوف من أن تؤول نهايتها إلي الإحتكام إلي ركلات الترجيح، كما حدث في البطولة السابقة، يخيم علي الأجواء. لقد أدلي جون تيري (كابتن شيلسي) بإعتراف ذكر فيه بأنه ظل لشهور عدة يعاني من التإثير السالب لركلة الترجيح التي أهدرها في نهائي دوري الأبطال في عام 2008م حينما تزحلق قبل أن يركل الكرة تجاه مرمي مانشيستر يونايتد. من السخرية أن مدافع إنجلترا الفذ قاريث ساوثقيت، مدرب إنجلترا الحالي الذي مثل منتخب بلاده 57 مرة في المدة من 1995م إلي 2004م، ظل إسمه مرتبطا بركلة الترجيح التي أهدرها في كأس الأمم الأوروبية التي أقيمت في إنجلترا عام 1996م عندما قذف بالكرة صوب حارس منتخب المانيا الذي لم يجد صعوبة في إحتضانها، وهي الركلة السادسة بعد أن نجح كل منتخب في إحراز الخمس ركلات الأول، ثم أعقبه اللاعب الألماني ليحرز هدف الفوز في مرمي إنجلترا ليودع الإنجليز البطولة في الدور نصف النهائي؛ تلك البطولة التي أقيمت في معقلهم وبمرأي ومشهد الالاف من مواطنيهم.
لقد أقر كل من جون تيري وقاريث ساوثقيت بأن إحراز هدف من مسافة 12 ياردة يصبح أمرا عسيرا حينما تحمل آمال الملايين علي أكتافك. إن الصعوبة لا تكمن في القيام بواجب تسديد الكرة إذ أن معظم اللاعبين يحرزون أهدافا من ركلة تسدد من نقطة الجزاء في التمارين ولكن هول الموقف في المنافسات، هو الذي يصعب المهمة. فالمشكلة لا تتعلق بالمقدرة علي التنفيذ ولكن بالسيطرة علي الأعصاب عند التنفيذ. وهذا العامل هو ما يطلق عليه علماء النفس (أهمية سايكولوجية الأداء).
إن إحتمال فقد اللاعب (أي لاعب) لأعصابه أو إنفعاله لما يقارب الإنفجار ويلامس حافة الجنون قد إتضح في بطولة الماسترز للجولف التي أقيمت قبل عدة سنين في فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان لاعب الجولف الدولي روي ماكلروي علي بعد خطوة من إحراز البطولة إلا أن مهنيته وخبرته تخلت عنه في لحظة إنفعال شديد أحاله إلي مبتدئ وهاو بعد أن كان محترفا يشار إليه بالبنان. إن الكثيرين منا لم يمارسوا الرياضة العالمية ولكن، وبطريقة غريبة، نعاني جميعا مما يعرف بلعنة الإنفعال. فالممارس للرياضة بمختلف أنواعها ومستوياتها يصبح ضحية لتلك اللعنة مهما كانت خبرته وكفاءته ومقدرته ومهارته. فتؤدي تلك اللعنة إلي إهداره لجهود زملائه إذا فشل في إحراز هدف من ركلة ترجيح حاسمة أو إذا تم طرده نتيجة لذلك الإنفعال. ولتقريب المسالة لذهن القارئ أستطيع القول بأن الشخص الذي يجري معاينة لملء وظيفة لا تعنيه كثيرا يكون هادئا ومسترخيا وواثقا بحيث تنساب الأجوبة في سهولة ويسر وتدفق مضطرد. ولكن عندما يجري نفس الشخص معاينة لملء وظيفة تعني له الكثير للدرجة التي يجف فيها لعابه فجاة ويتعطل دماغه، فإن الأشياء تختلط عليه ويقذف بالأجوبة علي نفس النمط الذي قذف به ماكلروي كرة الجولف من كوم الرمل العاشر الذي كان يشكل معبرا سهلا للحصول علي البطولة. ولكن لماذا؟؟ لماذا نكون عرضة للعبث بالأشياء وبعثرة الجهود في نفس الوقت الذي تكون فيه مثل تلك التصرفات الناتج الطبيعي لكارثة حقيقية ؟؟؟ لماذا نكون عرضة للفشل حينما نكون في حاجة ماسة للنجاح؟؟
لسنين عديدة كانت عقدة الإنفعال الذي يقرب من الإنفجار عصية الإستيعاب بالنسبة للرياضيين وحتي علماء النفس. إلا أن علماء النفس توصلوا مؤخرا إلي نتائج مذهلة في هذا الشان. ببساطة قاموا بطرح السؤال التالي: ماذا يحدث عندما تبدأ في تعلم مهنة ما أو صنعة ما كقيادة السيارة علي سبيل المثال ؟ في البدء تجد نفسك مضطرا إلي التركيز الشديد لتحريك عصا الجيربوكس (الجرابوكس) والسيطرة علي عجلة القيادة ودعس الكلتش في آن واحد. إن تلك المهام تبدو في منتهي الصعوبة في البداية مما يجعل معلمك يأخذك إلي فضاء فسيح خوفا من أن تأتي بما لم تستطعه الأوائل. ولكن بعد المئات من ساعات التدريب يمكنك أن تقود السيارة بكل مهارة حتي بدون سيطرة العقل الواعي بحيث يمكنك الوصول إلي العمل أو المنزل دون أن تعي أو تدرك كيف إستطعت أن تصل إلي هذا المكان أو ذاك.
في واقع الأمر أن ذوي الخبرة والمبتدئين يستخدمون نظما عقلية تختلف تماما عن بعضها البعض. فالممارس لرياضة ما أو مهنة ما لمدة طويلة يستطيع أن ينمي مهارة ضمنية تختزنها الذاكرة بحيث تصبح الممارسة تلقائية ونمطية حتي دون التفكير فيها. في الجانب الآخر فإن المبتدئ يستخدم النظام الظاهر والصريح بحيث يراقب وبوعي تام ما يقوم به. دعنا نفترض أن ذا الخبرة قد وجد نفسه فجأة يستخدم النظام الخاطئ؛ في هذه الحالة لا يهمه إن كان أداؤه جيدا أم لا، إذ سيكون تحت رحمة النظام الظاهر والصريح. فالمهارات العالية المخزنة في عقله الباطن لا تعني له شيئا ويجد نفسه في مجاهدة لتحقيق الفوز باستخدام الوسائل التي إعتادها عندما كان مبتدئا. هذا هو ما يقود إلي الإنفعال الحاد الذي يسببه القلق الخانق لدرجة فقدان السيطرة علي الوعي في أداء مهام كان من الممكن الإتيان بها تلقائيا. فالمشكلة لا تنشأ نتيجة لعدم التركيز ولكن تنشأ للزيادة المفرطة في التركيز. فالرقابة المتحفزة من العقل الواعي قد أخلت بمقدرة العقل الباطن في العمل بسلاسة وبالتالي يتردي الخبير إلي مبتدئ مرة اخري.
نخلص من ذلك إلي أن من توكل لهم مهمة تنفيذ ركلات الترجيح في المنافسات الكبيرة، خاصة النهائيات وأنصافها، يكونون تحت وطأة إجهاد ذهني عميق إلي جانب الإجهاد البدني. هنالك العديد من السبل لتفادي الإنفعال حد الإنفجار خاصة عند تنفيذ ركلات الترجيح ولكن إتساقا مع إعلان لشركة نايكى في نصيحة لمن يتصدون لتسديد ركلات الترجيح أو ركلات الجزاء: فقط قم بالتنفيذ
(JUST DO IT).

عبدالله مسعود

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد