صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

سيفك للفقر قلام

23

أفياء

أيمن كبوش

# اجواء العربة المسرعة الى ضاحية من ضواحي الخرطوم.. ذات نهارية غائمة.. كانت تحتشد بنغم فارغ وهايف لا ننكر انه حرك فينا اشياء.. واشياء.. حيث كنا شلة ذكورية فشلت في ان ترتب شيئا بعينه لكي تتحدث فيه بعمق يبدد وحشة الطريق، فجأة هتف واحد منا هتافا محببا حين وصلت المغنية الى نقطة السؤال المفتاحي الذي استدر، وقتها، كل الجدل والاثارة: “انا مالي فيني شنو… تشربو بي الجبنة”.. ؟!
# ضحكنا في زمن واحد وكأن عقلنا الجمعي قد استدعى ما يدور في عقل كل واحد منا ؟!.. “من وين يلقاها الرجل السوداني.. ؟! من الحكومة.. من الوظيفة والراتب الشحيح.. من الغبار العالق.. من مزاج خط الاستواء… وسحب القنوط التي تتجمع على رأسه… ام مما قاله “مصطفى سيد احمد” في حكاية “عم عبد الرحيم” عن اولئك السمر في ارض
ما قبل الانفصال عن “واحدين بالايجار ما لاقيين جحر”… ؟!
# لا تبتئس يا سيدي.. ولا تهن ولا تحزن.. فيك الذي يكفيك ويفيض، من فخار.. وشهامة ورجولة وامانة وكرم فياض وعفة وسماحة تحدث عنها العرب والعجم مع اشياء عديدة لم تأت عليها الايام.. لكي تجور عليها.. دع عنك ما يقال عنك في “قعدة جبنة” او يكتب عنك في زاوية او ناصية شارع.. فقد كُتب عنك في دفاتر الحياة.. وحوائطها الطينية التي يلونه دفئك وامانك وثمة احتواء..
# ولكي لا ننسى لابد ان نقول انه ينشأ ناشيء الفتيان فينا رجلا.. يعلمه البيت.. فيحسن تعليمه.. ويهذبه الشارع فيحسن تهذيبه.. وتفعل فيه المدرسة ادبا وخلقا ومروءة كذاك الذي يفعله شيخ الخلوة.. وامام الجامع..!!
# من كل هذه الضفاف.. ما الذي يمكن ان نرومه يا سيدي غير “الستر” وراحة البال وتربية العيال… ؟! من يحق له ان يتحدث عنا فينظر للنصف الملئ من الكوكب.. بدلا من ان يحفر لليأس فينا قبرا..
# قال احدنا… نحن عرسنا عشان ننجب ونربي ونسعد اكثر عندما نرى غرسنا الانضر ينمو.. ويشب عن الطوق.. نعيش حياتنا بالطريقة التي غناها ابراهيم اللحو: “نحن ناس بنعيش حياتنا الطيبة بالنية السليمة وكل زول عايزين سعادتو وتشهد الايام علينا”.. هنا صاح احدنا ودمعة من عينه تكاد تطفر.. ربما فرحا اوجبه عصير الذكريات.. “سعادتو… يا سعادتو”.. لم يكن فينا متحرش ولا مغتصب، وكان الناهض فينا “اخو اخواتو” الذي يحرس بنات الفريق.. وحتى ان جن ليل الموتورين فالقضية قضية مجتمع كامل.. قضية عامة يناقشها الناس باعتبارها قضيتهم لا قضية فرد ينبغي ان يعافه الناس.. هنا قال آخر… يا اخي خليهن يتكلمن ويتنفسن في قعدات الجبنة.. او حتى الكتابة في الصحف والواتساب والفيس بوك.. فنحن في زمن لا يعرف تعادلية الحلم والواقع.. ولو عرف، لاصبحت التي خلقت من ضلع اعوج هي سكن الراحة التي تهاجر اليها الافئدة.. ولكن.. اين نحن.. وكيف نقف من ثقافة الصياد والطريدة.. ؟! هل تستقيم الحياة اذا طفق الرجل في التقليل من قيمة طرفه الآخر والعكس.. لن تستقيم الحياة ولاصبحت الحياة خالية من “الشاف والكليت” والجلوس الطويل امام التواليت.. ولتحولت الدنيا الى “قعدات جبنة” عامرة بالنميمة عن الرجال والنساء.. واضاف: يا سادة نحن في زمن لم تعد فيه هناك ادنى خصوصية لممارسات كثيرة في حياتنا اليومية ولم نعد نطبق “قانون اللا مساس” حتى على ما يجري في “غرف النوم” التي اصبحت، تدير حكومات بعض الدول وتسيطر على قرارات الحكام والرؤساء والوزراء وقد وثق لذلك الكاتب المصري المعروف “عادل حموده” في كتابه ” حكومات غرف النوم” حيث تحدث عن حقب سياسية مختلفة كان فيها القرار يطبخ بابتسامة صفراء من فاتنة وكانت الجيوش يمكن ان تحرك لتغتصب ارضا..
# اعود واقول ان تفشي الجهل واضمحلال الثقافة مبرران كافيان للحديث عن القضايا الهامشية في غير اوانها، مثل ان تتحدث سياسيا عن ازمة جبل طارق واحتجاز باخرة ايرانية محملة بالوقود والاسلحة الباليستية.. وانت موجود في بلد مثل السودان مازال فيه التيار الكهربائي يدخل عادة في حالة انقطاع، وتنقل فيه الماء على عربات تجرها الدواب.. لذلك لا يليق ابدا ايها السادة ان نتحدث عن “البرياني والكبسة والطعام الصحي وغرف المساج” ونهدر زمنا في “مطالعة الابراج” والجلوس لساعات طوال للتنقل بين برامج “الطبخ”.. وسعر كيلو الطماطم في بلد زراعي مثل السودان وصل الى اكثر من ٢٠٠ جنيها.. علما بان الطماطم هي الوجبة الايسر والارخص لغالب اهل السودان.. قبل ان يتحول سعرها الى كابوس.. لا يليق ان نترك الكابوس الحقيقي.. لنطارد حديثا قالته امرأة سودانية عن “فحولة” رجل سوداني واحد، على سبيل التعميم، وهي، حسب علمي، ليست عالمة ولا مختصة في امراض الذكورة ولا في المشاكل الاسرية.. مما يؤكد بان ثقافتها حول الموضوع اما شفاهية او نابعة من تجربتها الشخصية.. وهذا ليس مقياسا ولا يعتد به لانها، على الاقل لم تقدم لنا احصاءات رسمية او ارقام عن عينات استقصائية في بلد لا يعاني من اي انحسار في تعداده السكاني ولا ادنى انحسار في الكثافة التي يحدث عنها تعدد الجيوش وامتلاء المدارس والمساجد وموقف المواصلات وحتى البيوت السودانية التي مازالت متمسكة بثقافة الحوش والصالون لانه نادرا ما تجد اسرة سودانية مكونة من شخصين.. والابعد قياسا من ذلك ما نجده من سيولة وفائض في الخصوبة والانجاب في عيون “فاقدي السند” الذين يبحثون عن اسر بديلة.. لذا لا يليق ابدا ان نتحدث عن فحولة الرجل السوداني بمعزل عن الناتج المحلي في التعداد السكاني ولكن دعوني اسأل سؤالا عن عدد الذين مازالوا يقولون، وانا منهم، بان الدنيا مازالت بخير.. أهو الناس تعرس وتفرح وتنبسط… هذا الفرح لن “يتم” وذاك الانبساط لن يحدث لو كان الذي تحدثت عنه من تحدثت على قارعة الطريق، حكما يمكن ان يطلق على الشيوع.. ولما كانت لنا ثورة يؤمها الشباب ولما كان هناك زحام في جميع الطرقات.
# لا تحزن يا سيدي لهذا الجحود والعقوق والنكران.. فهناك قدر من العناية لا ينبغي ان تطلبه كله ويكفيك الذي عرف عنك بين الشعوب بأنك صاحب خدمة طويلة وممتازة في مناح كثيرة.. لا تحزن واستمتع بما قيل عنك وفيك.. “بتريد اللطام اسد الكداد الزام.. هزيت البلد من اليمن للشام.. سيفك للفقر قلام…”.
# اخيرا.. لا تعد سيفك الى غمده.. فان اعتزلت القتال فلن يبقى في السودان شيئا يشتهى او يرتجى والسلام ختام.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد