صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

عقدان وال(بدر) مكتمل

44

وكفى
إسماعيل حسن
عقدان وال(بدر) مكتمل

* الزميل الأديب الأريب هاشم أحمد محمد؛ سبق وأشرت إلى نبوغه في عالم الكتابة الصحفية المؤدبة، المهذبة، التي نحتاج لمثلها أن تسود في مهنة النكد، وتغسل غثها بمدادها الوردي الأنيق.. وتؤكد على أن  في جرابها أقلام نقية طاهرة، بينها وبين الإسفاف والتهاتر والأحرف الرخيصة المبتذلة، مسافة بعيدة..
* وسبق أن نشرت له في هذه الزاوية العديد من المقالات التي نالت الإستحسان، واستوطنت ذاكرة القراء، كأفضل انموذج للكتابات التي يتوقون ويأملون في أن تكون الطابع الغالب في الصحافة الرياضية،
* ويسعدني اليوم أن اؤجل العودة لمباراة المنتخب الأخيرة أمام جنوب إفريقيا، وأفسح المجال لمقاله عن لاعب المريخ السابق – بدر الدين قلق.. ومسيرته الحالية مع فريقه الجديد الخرطوم الوطني… وهذا نصه:-
* كم راقني عدم شعوره ب(قلق) التعامل عند إسقاطه من كرسي الأحمر، فلم يتوار، أو يغرق في الوجع، بل صنع ذكرى غير مألوفة بيدي خبير في التعامل والتفكير، أو قل تجربة تفيد القادمين، وتسترعي انتباه من مروا على ذات دربه واكتفوا بالذبول.
* في تعاقب أجيال الجاهلية (الكروية)، وفي طيات وجودها، خرافات متمكنة راسخة، بأن من يغادر أسوار العملاقين، يكون قليل الجدوى على العشب الأخضر، ولكن (البدر) حافظ على خزائنه الإبداعية محافظة صادقة، وأنفق من (بنك) فنه إنفاقاً منظماً ثابتاً، منتصراً على الميول الداعية لعدم الوثوب والإقدام، متى ما زُلت الأقدام عن سلم مجد النجومية فنياً، أو بفعل عامد..
* من المحقق الذي لا خلاف عليه أن (بدر الدين) كلما تقدم عمره، وتوالت سنواته، كلما ازدادت علومه المعرفية بالساحرة المستديرة، وتضاعفت قدرته على التقدم والسير والثبات تضاعفاً مقدراً، وأكسبته مكانة لم ينلها أو يرتق لها من قبله أحد، إنها مقدرة هذا (الدود) العجيبة على الإنتاج المتوازي فناً ولياقة، متى ما ظهر لتسعين دقيقة تزيد أو تنقص.
* عادة يركن المتساقطون من كشوفات القمة، لمرارات الفقد، أو يعجزون عن اللحاق بالآخرين، فتتلقفهم رياح التنقل بين الأندية، يرتضون كسباً شحيحاً، نجومية ومالاً.. فشذ (البدر) عما رسخ في أذهانهم، وأنسلخ عن عصرهم، وأصبح على درجة عالية  من مسألة القدرة على مفارقة المألوف، وأثبت أنه صالح – بل وأصلح – من كثيرين ينشطون في طرفي القمة، بل وبعيداً عن بعضهم جداً.
* بلا أدني ريب، وُهبَ (قلق) هدوءاً وإستعداداً للكمال، وقدرة على الوثوب، وابراز وإستمرار فنه الكروي، وقواه الذهنية والبدنية، مالم يُوهبها لاعب آخر سار في نفس الدرب، ولم تُصب بضاعته الكروية بالبوار، لأنه ببساطة وضع على إطلالته الباهرة ديباجة (طويل الأجل).
* حافظ بدر الدين الدود على شرارة العنفوان، وديمومة الحماسة، وميثاق النجومية المطلقة، لعقدين من الزمان تقريباً، بل وتمادى في منح المزيد، قافزاً خارج نطاق السن، عاملاً قدر إستطاعته في مساواة منسوب طاقته، وسني عمره وعطائه، ليُحدِث إتزانه الذي نراه.
أجمل ما في مسيرة الرجل التي تستحق أن تُروى، هو أنه لم يُفقدنا قدرتنا على الإندهاش، وأصدر أعزوفة متفردة على أوتار اعتيادنا بذات المقدار والمقياس.. وأظنه الوحيد الذي تذوق حلاوة وتشويق السفر خارج دولتي (هلاريخ)، دون أن يتكئ على جواز سفره القديم، وأظن مرة أخرى أنه لا زال بذاكرة (الآدميين)  الكثير من الإبهار والمشاهد المتعلقة بعظمة الفتى، أو للدقة المشاهد التي لم توثقها الكاميرا، ولم تكتبها الأحبار.
* لاحال يدوم، وسيشهد (نجمنا) صداماً مع الأُفول، وحتمية النهايات، ووضع نقاط الختام، وسيخذله تيار الاستمرار، وسيفسح المجال لبدايات جديدة هو قاعدتها وملهمها الأول، وإن طال إكتمال (البدر).. لكنه سيستند على مشوار تطغى عليه الدهشة والتفرد، ينظر إليه كل حين ووقت بعين الفخر.
* ربما أبالغ قليلاً، لكن يقيناً هو أكثر اللاعبين (إخضراراً)، الذين لم ينصاعوا لمراسم المألوف بعد مغادرة طرفي القمة، ووحده الذي استطاع فك طلاسم ممرات التوهج دون عناء يذكر، ولم يدخلها حانقاً مجبراً في ثوب الفرصة الأخيرة، لم يتسرب الملل لوهجه وتألقه، ولم تتطاول على حصنه أعتى العقبات، أليس (بدرالدين) بقائدٍ للكوماندوز. أراك ياصديقي ترتفع، نفسك عالية، همتك لاتتكرر، وتعظيمنا بلاحدود… هاشم أحمد محمد .. مدير إدارة البرامج الرياضية/الإذاعة الطبية..
* وكفى.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد