صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

على بعد خطوة من كوبر،،،

457

حصاد الألسن

عبدالله مسعود

على بعد خطوة من كوبر،،،

 

في حوالي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر من يوم 19/7/1971 توجهت بصحبة الأخ الصديق عبدالله السماني والأخ الصديق/مروان الفاضل عضو مجلس إدارة الهلال ومدير الكرة من الخرطوم إلي أم درمان لحضور تمرين فريق الهلال لكرة القدم. كان السماني سكرتيرا للمجلس وكنت نائبا له. ما إن وصلنا كوبري أم درمان حتي وجدنا دبابتين علي متنهما ثلة من الجنود الذين أمرونا أن نعود أدراجنا. لم تكن لدينا ثمة فكرة عما يحدث فقال الأخ مروان الفاضل (طيب الله ثراه) والذي كانت تربطه ببعض أعضاء مجلس قيادة الثورة أواصر مودة وقربي قال: الظاهر أن ناس زين العابدين عملوها، إلا أن زين العابدين لم تكن له صلة من قريب أو بعيد بما حدث ذلك اليوم، إذ أعتقل مع النميري وبقية أعضاء المجلس في القصر الجمهوري وخرجوا بقدرة قادر “لا تصدقوا رواية نميري في أنه قفز أو تسلق الحائط، فحائط القصر من العلو بمكان يجعل الأوكراني سيرجي بوبكا عاجزا عن تخطيه بالزانة مع أنه صاحب الرقم القياسي في القفز بالزانة”. إستنتجت من حديث مروان أن هنالك أكثر من جهة كانت تخطط للإطاحة بنميري.
إنعقد الإجتماع في اليوم التالي وقرر المجلس من ضمن ما قرر إرسال برقية تهنئة للنظام الجديد، إذ ان الهلال لا يمكن أن يعزل نفسه عن الأحداث الوطنية؛ كما أن سعي نميري لتسييس الحركة الرياضية وجعلها رافدا من روافد مايو كان يمثل غصة في حلوق كافة الرياضيين. كلفت من قبل المجلس بصياغة البرقية دون الرجوع إليه وإرسالها صبيحة اليوم التالي. ولسبب لا أدري كنهه لم أكتب وبالتالي لم أرسل برقية لا في اليوم المحدد ولا في الأيام التي أعقبته، وتوالت الأحداث بصورة دراماتيكية. عاد نميري ليمارس اقسي صنوف الإنتقام ضد كل من له صلة بإبعاده عن الحكم لثلاثة أيام حسوما. اصبنا نحن الشباب بشئ من الإحباط لعودة نميري لأننا مللنا تخبطاته ولم نعد قادرين علي إدراك ما يرمي إليه بسياساته المتناقضة. كان لكل يوم حقيقية وصرنا بالتالي بلا حقيقة. فإن لم تكن مواكبا بان تنام بإحدي المقلتين وتتقي باخري تناقضاته فستقع في المحظور. كان ذلك هو الشعور الوطني العام، أما أهل السياسة فلم تلن لهم قناة وسعوا جهد الطاقة في التخلص من نميري إلي أن تم لهم ذلك بتاييد من الشعب بعد خراب سوبا.
في الثالث والعشرين أو الرابع والعشرين من يوليو “لا اذكر علي وجه التحديد” حضر نفر من أعضاء مجلس الإدارة لمكتبي بمؤسسة سوباط التجارية فتوجست خيفة من نظراتهم الزائفة الممزوجة باللوعة والأسي. “هل يا تري هم محبطون لهذا المدي لفشل المحاولة !!؟” ولكن سرعان ما أفقت من الإنقياد لخيالي حينما إبتدرني أحدهم سائلا: هل أرسلت البرقية !!؟ فقلت في أسلوب ينم عن الإعتذار: الحقيقة لم أرسلها لأن ..”وطفقت أبحث عن مخرج”.
ولكن ما أن علم زملائي بأنني لم أرسلها حتي إنفرجت أساريرهم وانشرحت صدورهم وبدأ العناق.. عانقوني وعانقوا بعضهم البعض ” نفر نفر” علي حد قول ريا أخت سكينة. لم أدر السر وراء ذلك التحول ووقفت مشدوها فاغر الفم فقال آخر: إن نميري طلب بأن ترسل إليه جميع برقيات التأييد (الشماتة) لعنايته شخصيا، وقد بدأ بالفعل إعتقال أصحاب البرقيات وإرسالهم إلي سجن كوبر بعد إقامة حفل حفيل لبعض أصحاب التزيد في الشماتة لإستفزازهم وإهانتهم. فمن أبي أن يسام الخسف كان نصيبه علقة ساخنة من يدي أبعاج الكريمتين “الكريمتين في اللكم والتلفيخ”. حمدت الله أن أنساني صياغة البرقية وإرسالها فقد كنا علي بعد خطوة من كوبر فأنجانا الله منه.

عبدالله مسعود
الرياض – المملكة العربية السعودية
13/6/1433
4/5/2012

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد