صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

قطر.. لمثل هذا اليوم كنتم تعملون

33

افياء

ايمن كبوش

سعدتُ.. كما لم اسعد قريبا.. وفرحتُ فرحة طفل في زمن يضج فيه صوت المغني: ’’والفرح في دربي عارفو اصلو ما بيطول كتير..’’.. فرحتُ ’’ملء جفوني’’ ولا اخال انها فرحة عابرة بحصول المنتخب القطري على كاس آسيا.. هي فرحة مبذولة على خاطر اليقين بشعب بت اعرفه.. كيف يحلم.. كيف يخطط وكيف يجعل اهدافه واقعاً يمشي بين الناس.. وضع القواعد السليمة لممارسة رياضية راشدة.. اقام لها الملاعب ونشر لاجلها الميادين والاكاديميات على نسق ’’اسبيار’’ كما شيّد لها صرحاً للطب الرياضي على سبيل الفخامة التي ’’تٌشهيك الاصابة’’ فكانت ’’اسبتار’’.

قطر دولة ’’شطبت’’ كلمة مستحيل من قاموس مؤسساتها كلها.. لذلك قدمت نفسها للناس والدنيا كدولة متجاوزة لكل ما هو مألوف.. ليس مستغربا ان تصل بسرعة مدهشة الى ما هي عليه الآن من منجزات شاهقة.. وضعت ’’كاس العالم’’ في ’’ثريا’’ اهدافها فنالته مستقبلاً في 2022.. استهدفت ’’كاس آسيا’’ لهذا العام فجاءها على اجنحة العرش طائعاً مختارا ليطوف في شوارها.. فريج بن علي.. الوعب.. سلوى.. مدينة السد.. الريان.. الغرافة.. الخور.. الدافنة.. خليفة الجنوبية.. بن يزيد.. مسيمير.. معيذر.. والسيلية وام صلال..

كتبت يوماً عن قطر عندما رأيت الميادين في ’’اكاديمية اسبيار’’ وشاهدت الخضرة التي تفتح الشهية وتساعد اللاعبين على تقديم الممكن وبعض المستحيل.. لم يكن المال وحده هو الذي يصنع كل ذلك الجمال.. ولكن هناك عقول تفكر وتبدع وتنجز فشهقت الاستادات وتجلت الابداعات على المستطيل.. فلم لا تنال قطر عرش آسيا وهي في عز الحصار المفروض.. حاصروها ولم يحاصروها بل كانوا لانفسهم يحاصرون.

قبل اربعة اعوام كتبت الآتي: ’’هاأنذا على متن طائرة الخطوط القطرية المتجهة الى دوحة الخير النضير، هأنذا افتح النوافذ، واشخص بصراً نحو الخرطوم، تلك التي تنام في حنو وظلام دامس يثير مكامن الكآبة…. عشقي للبقاء في الوطن لم يكن مغر هذه المرة، وانا احزم الحقائب واحمل تذكرة السفر، ذات شتاء قاس من ايام يناير الجميل من نفس هذا العام 2014، حيث كنت الحق ببعثة الهلال المتواجدة في معسكر اعدادي طويل بالعاصمة القطرية، اخترته ليكون راحة لي من رهق هذه المهنة، ولكن ما وجدت ما اُعبر به عما وجدته هناك غير.. سهر الشوق في العيون الجميلة… حلقت الطائرة في علو شاهق ثم بدأت في الهبوط، تبدو الدوحة كمدينة عروس، بيضاء يمكن لعصفور عابر ان يشرب منها لو شاء… سيخالها ماء… مدينة المساءات الجميلة الشجية والنهارات العامرة بالود والفرجة والرفاهية… في «فلاجيو» لا يمكن ان تعرف قيمة الوقت او تفاصيل المناخ، الا من خلال التحديق في الساعة، لا تدرك الزمن ان كان صباحاً او نهاراً او مساءً، لان الاجواء الصناعية المعبقة بالسحب التي تعطي الامطار امر الهطول، لا تمنحك الا الاحساس بالاخضرار والامتلاء والشوق للاحاجي السودانية القديمة.. كان هناك «ربيع سوق واقف» المزدان بتلك البهارج الجميلة، غنى فيه ابو عركي البخيت فحرك كل المكامن والشجون في نفوس السودانيين، المقيمين والعابرين، وعلى ضفاف الخليج تمتد الالفة، ويحلو السمر، بلد تتمدد فيها الامكانيات ليغتسل فيها الكدر، ثم يفوح العبير… ولكن…. ملأني بعضهم استغراباً، عندما علموا بان حقيبتي تخلو من ادنى شهادات اكاديمية او خبرات عملية، او ادنى رغبة في تقديم نفسي الى اي دور صحفية يمكن ان يكرمني الحظ بان اجد فيها عملاً… لم افعل ذلك ترفعاً او تكبراً او استسهالاً لجدوى الاغتراب في بلد تعلو فيها قيمة الريال، وتتزاحم فيها الماركات العالمية في كل شيئ حتى «فرشة الاسنان».. بل كانت هناك ثمة رغبة غبية يحركها عشق قديم يرفض اقتلاع الجذور او البقاء طويلاً في صفوف المغادرين، فلا تستغربوا… جاء الهلال امامى الى السودان، انطفأ في عينيّ كل بريق الدوحة، من الفتامينات وربيع الاسماك الى قصر اللؤلؤة الاعجازي.. لم يعد منقستو هو منقستو ولا جعفر عبد الرازق ورهطه هم، هم، فحزمت الحقائب مجددا وغفلت راجعاً وفي يدي ذات الحقيبة الخالية…’’

اخيراً.. مبروك لقطر حكومة وشعباً.. لمثل هذا اليوم كنتم جميعاً تعملون.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد