صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

مدرسة الدايات (في حد نازل)؟؟

216

في الهدف

ابوبكر عابدين

مدرسة الدايات (في حد نازل)؟؟

 

قال رجل حكيم ذات مرة:(بالإبتسامة نتجاوز الحزن ، وبالصبر نتجاوز الهموم ، وبالصمت نتجاوز الحماقات ،وبالكلمة الطيبة نتجاوز الكراهية)
* مقال اليوم العمودي مختلف تماما لارياضة ولاسياسة كما تعودنا ، ولكنه تأريخي و شأن إجتماعي مهم وقصة جديرة بالذكر.
* (الدايات في حد نازل) هكذا كان الكمساري يصيح حينما كانت مواصلات أم درمان بالترماي أو الباصات في ذلك الزمان والناس ينظرون إلى بعضهم البعض وعندما ينزل أحدهم تلحقه التعليقات الساخرة…
* المهم في الموضوع هو كيف نشأت مدرسة الدايات أو بالأصح مدرسة القابلات في السودان وكيف كانت تتم عملية الولادة في بلادنا وكيف كانت تعاني المرأة جراء ذلك.
* نعم قاست المرأة السودانية جراء عادات وتقاليد موروثة من قديم الزمان ومن أهمها نظرة المجتمع نفسه لها قبل أن ينتشر التعليم والوعي مطلع القرن الماضي.
* كانت معايير الجمال نفسها معتقلة داخل تلك المفاهيم البالية إذ كانت الشلوخ ودق ( الشلوفة) الشفاه و( الغب) و( الطهور الفرعوني) لابد منها ولها طقوس خاصة في الإحتفال بها!!
* وكان الشاعر والمغني كليهما يحتفي بذلك مثل قوله:(يا أم شلوخا عشرة مسطرة .. ولغبك نيلت الرعد البزم حن ) وكانت الفتاة وسط تلك الإحتفالات تتحمل ألم الإبر في تلك الأجزاء الحساسة في الفم والشفاه .. (اللغب) هو وشم اللثة العليا بالسكن الأسود لتكون الشفة السفلى واللثة العليا كليهما باللون الأسود مع الشلوخ بالإضافة الى الختان الفرعوني كلها تقاليد للمرأة ومعايير للجمال في ذلك الزمان.
* نعم جراء الختان الفرعون والولادة التقليدية بالحبل والبحث عن الداية والتي قد تكون في مكان بعيد ووسيلة النقل والتنقل تقليدية ( بالحمار) على أحسن الظروف والأسرة والجيران لحظة المخاض مابين الصراخ والعويل والنساء حولها يرتلن الإبتهالات ويرفعن أصواتهن لتعلوا صوت صراخها وأنينها الذي يذيب القلوب ، وكم سهرت الليالي في مقاساتها الآم الولادة والمسكينة بين يدي القدر وعلى حافة الموت ! ورغم كل ذلك تجد الرجل ينتظر أن يبشر بالولد وأمه تقول فالتكن بنتا وأمها تقول ( الله يحلها في رقبتها) وقد يستجيب القدر وتلد توأمين ولدا وبنتا ويفرح القوم كلهم.
* كان كل ذلك حتى عام ١٩٢٠م حيث كانت الحكومة تفكر في إيجاد طريقة جديدة صحيحة صحية للولادة بدلا عن ذلك الموروث التقليدي المتخلف عن ركب العلم والعالم المتطور وقد تكون تلك واحدة من محاسن الإستعمار البريطاني ولا سبيل لإنكاره
* في ذلك العام ١٩٢٠م تم إفتتاح مدرسة الدايات تحت إشراف ( مسز ولف) وكان الغرض الأساسي وضع أسس ونواة صالحة لتأهيل وتدريب نساء على فن الولادة بطريقة صحيحة وصحية وسهلة ليحلن مكان الدايات اللائي كن يعتمدن على خبرة المران وبطريقة غير طبية .
* في البداية لم يكن الأمر سهلا بل واجهته عقبات كثيرة في كيفية إقناع الدايات اللائي كن يباشرن المهنة على طريقتهم الخاصة القديمة المتوارثة ، وحتى في إقناع الحوامل في تغيير الطريقة القديمة ، ولكن وبعد جهد جهيد أمكن جمع الدايات القدامى في فصول تستعرض فيها الدراسة الحديثة لمدة أربعة أشهر فاقتنعن بسهولة الطريقة الجديدة ونجاحها ورغبن في الإلتحاق بالمدرسة وتركن الطريقة القديمة التي فيها الحبل يدلى من السقف والداية تجلس القرفصاء لتتلقى الوليد ..
* بعد النجاح ونيل الثقة تدافعت عدد من الدايات على تلك المدرسة للتدريب ، وبعد مرور عشر سنوات أي في عام ١٩٣٠م عولجت المسألة بقبول بنات قدامى الدايات وطالبات على مستوى أعلى ،حتى جاء عام ١٩٣٤م ومعه أصبحت الولادة في أم درمان جميعها على الطريقة الحديثة وعلى يد دايات نلن تعليما وشهادة مدرسية معتمدة من السلطات الحاكمة ومعترف بها.
* لم يكن ذلك الأمر في أم درمان لوحدها وإنما تعداها إلى أقليم أخرى وذلك بقبول بنات منها للتدريب رغم الإعتراضات الشديدة إلا إن فصلا قوامه عشرة دايات من الأقاليم قد بدأ الدراسة وبعدها إنتشرت مدارس الدايات في المدن وأصبح الأمر متيسرا. وسهلا وشمل ذلك مدنا كبرى مثل الأبيض وعطبرة ومدني وبربر وكسلا على سبيل المثال لا الحصر.
* محطة أخير ( حد نازل الدايات)؟.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد