صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

أبو عنجة .. النتائج والظروف !

53

العتب مرفوع

هيثم كابو

أبو عنجة .. النتائج والظروف !

قبل أيامٍ معدودات كتبت عبر هذه المساحة مقالاً حمل عنوان (أبو عنجة و”كلنا شركاء في الخبز”)، أعتقد أنه يصلح تعليقاً على ردة الفعل الجماهيرية العنيفة التي صاحبت خسارة الزعيم من أهلي شندي مساء أمس الأول بهدف قاتل في مباراة دخلها المريخ بحثاً عن الهزيمة فكان له ما أراد.
* قلنا بالحرف الواحد إن کانت أفة الأخبار رواتها؛ فإن معضلة المصطلحات تکمن في تفاسیرها المغلوطة؛ ومشکلة کثیر من العبارات التي یتم تداولها أن من یرددونها لا یتمعنونها !!
* ذكرنا من قبل كثيراً عبر هذه المساحة أنه من السهل جداً في المشهد الریاضي عندنا أن یصف لك أحد قولاً ما بأنه یمثل : (تدخل في الشأن الفني)؛ وکثیرون بطیبة تخلو من تدبر یرددون عبارة (التدخل في الشأن الفني) بلا تمحیص وتدقیق؛ حتی أصبحت عند العوام وکأنها عیباً یجب التبرٶ منه؛ مع أنها غیر ذلك تماماً ..!
* المنطق یقول أنه لا یوجد ما یسمی بالتدخل في الشأن الفني؛ ولکن هناك مدرب قوي الشخصیة یعرف عمله جیداً؛ ویفهم طبيعة وظیفته تماماً؛ ویدرك أبعاد مهمته؛ ویمضي في طریقه قُدماً وینفذ ما یرأه مناسباً من خطط؛ وتکتیکات؛ وأسالیب لعب؛ وأختیار عناصر؛ ویتعامل مع مجریات الأحداث ومشاکل النقص والإصابات وتجهیز البداٸل بالطریقة التي یری أنها مناسبة؛ وحتی إذا تعرض لنقد موضوعي وأستفاد منه فقام بإجراء تغییرات جذریة أو طفيفة وفق قناعة مفادها أن ما سمعه أو قرأه أقرب للصواب، فإن هذه المراجعة في الأفکار بعمق؛ وتجدید القناعات بصدق؛ أمر یحسب للمدرب ولا ینقص من مهنیته ولا یقلل من حرفیته ..!
* قد یقول قاٸل : وماذا عن المدرب الذي یمکن أن یحدد له إداري؛ أو إعلامي؛ أو قطب؛ أو مشجع؛ الطریقة الأنسب للفریق والعناصر التي یجب أن یلعب بها ؟؟ .. الإجابة ببساطة شدیدة أن هذا لا یمثل تدخلاً بقدر ما أنه یمثل (توظیف شخص) لیصبح (صورة کرتونیة) تحرکها کما تشاء؛ وهذا إن حدث في أیة مهنة (تدريب أو غيره) فهو یعتبر إلغاء کامل لشخصیتك لا تدخل في عملك فحسب؛ فعندما یرسم لك شخص خریطة المبنی الذي ستقوم انت بتشییده فإنه لم یتدخل في عملك المعماري بقدر ما أنه الغی وجودك كمهندس؛ وکذا الحال مع من یشخص لك المرض إنابة عنك وتکتفي انت کطبیب بکتابة الروشتة فقط..!
* دعونا ننتقل بالحوار خطوة للإمام ونطرح سٶالاً مرکباً تشبه تفریعاته بعضها البعض :
هل انتقاد طریقة لعب مدرب؛ وإختیار العناصر التي یٶدي بها مباریاته من قبل کاتب صحافي أو محلل رياضي أو حتى مشجع متابع یمثل کما اعتدنا تردید القول الخاطئ (تدخل في الشأن الفني)؟؟ وهل هتاف الجماهیر المحبة لفریقها من داخل الإستاد مطالبة بإشراك لاعب معین أو تغییر آخر یمثل تدخلاً في الشأن الفني؛ وهل کتابة مدون إلكتروني لملاحظاته عن الفریق عبر صفحته علی (الفیس بوك) أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي تمثل تدخلاً سافراً؛ وکذا الحال بالنسبة للاعبین والمدربین الذي تستطلعهم الصحف والإذاعات والقنوات الفضاٸیة؛ أو من یدونون اراءهم منهم عبر صفحاتهم الخاصة؟
* الرأی عندي كما قلت من قبل أن کل هذه الأشکال المختلفة تمثل وسائل تعبیر وحق لکل فرد؛ فطالما أنك کمدرب تفعل ما ترأه مناسباً وترید للناس أن تحترم قناعتك؛ فعلیك أیضاً الا تتضحر من إبداء الآخرين لوجهات نظرهم؛ فالکاتب الصحافي یُدوِّن وجهة نظره وفق قناعته؛ وبالضرورة أن رأیه لیس مُنزلاً فمن أتفق معه أثنی علی ما کتب؛ ومن أختلف فنَّد ما جاء في مقاله؛ والفیصل يبقى دائماً في قوة المنطق والحجة والقدرة علی الإقناع ..!
* أحسن طریقة لحمایة الشأن الفني اقناع الناس بأفکارك طالما أن الشأن عام ..!
* المدربون؛ أو المشجعون الذین یطالبون بعدم التدخل في الشأن الفني و(ترك الخبز لخبازه) یترکون التساٶلات المهمة عن أوضاع الفريق الفنية معلقة ولا يجيبون عليها ويتحولون 180 درجة ولا يريدون تبرير تحولاتهم؛ والمدرب الذي یعجز عن التفنید وتقدیم الإجابات بوضوح في مٶتمر صحافي أو عبر حوار یجب علیه الا یحدث الناس عن الخبز والخباز وإحترام الأفکار؛ فكلنا (شركاء في الخبز) بينما لكل منا مهمته ودوره؛ ويبقى تباين الآراء أمراً محترماً يحسب لأصحابه متى ما صدر بتجردٍ ودون إسفاف؛ أو تجريح؛ وكان الهدف منه المصلحة العامة ..!
* تُحتَرم الأفکار عندما يملك أصحابها القدرة علی الرد بوضوح وإقناع الناس؛ ولکن لا مکان لأفکار غیر قابلة للنقاش ینبغي التسلیم بها و(خلاص) ..!
* لا أحد بمقدوره حجر رأی جمهور هتف مطالباً بلاعب؛ فالقرار الأول والأخیر عند المدرب بینما حق التعبیر یمتلکه الجمیع ..!
* من حق قدامی اللاعبین أن یقولوا وجهات نظرهم؛ ویبقی الحکم لمن یطلع علی ما یقولون؛ فإن کانت الدساتیر في معظم البلدان الدیمقراطیة أعطتك حق ترشیح من یحکمون الناس؛ ومن یحددون سیاسات البلد بأكملها؛ وسمحت لك بنقد التشکیل الحکومي؛ فهل من المنطق أن تمنع عنك حق نقد تشکیلة فریق کرة قدم ؟
* لاحظت في كثير من القروبات المريخية على تطبيق (الواتساب) تبايناً في وجهات النظر أحياناً؛ وهجوماً عنيفاً على الكوتش جمال أبو عنجة في أحايين أخرى؛ وقناعتي أن إبداء الرأي حق يكفله (الإنتماء المريخي) للجميع؛ ولكن ينبغي أيضاً ملاحظات جوانب مهمة أعتقد أنها يمكن أن تساهم في إكمال الصورة قبل إصدار الأحكام :
أولاً : يعمل أبو عنجة في ظروف صعبة جداً؛ فكثير من المعينات الأساسية التي توفرت لغيره من المدربين الأجانب الذين أشرفوا على الفريق في فترات سابقة لا يجدها الآن، و(تلك نقطة معلومة للجميع يجب عدم إغفالها) .
ثانياً : لحسن حظ أبو عنجة أن الفريق يضم أفضلٍ العناصر الفنية في البلاد الآن ممن يصنعون الفارق في زمن عزّت فيه المواهب؛ ولكن كثير من الإحتياجات في بعض الخانات لم تتم تلبيتها بالطريقة المُثلى إن كان عبر التعاقد مع محترفين أجانب أو وطنيين ورغم كل ذلك ظل أبو عنجة يعمل بتجردٍ تامٍ وفق المتاح له وفي صمتٍ شديدٍ ويصنع نتائج جيدة إن كان الحكم بالمحصلة النهائية.
ثالثاً : حقق أبو عنجة المطلوب في أكثر مباراة كانت تمثل للمريخ بطولة قائمة بذاتها وذاك أمر يحسب له؛ فمتى ما تفاخر الصفوة بثنائية (بمبان عجب) في شباك الهلال كان اسم جمال حاضراً؛ وتلك نقطة هامة يجب عدم إهمالها عند الحديث عن مشوار أبو عنجة مع الزعيم.
رابعاً : لبى جمال أبو عنجة نداء المريخ كما يفعل معظم أبناء النادي من الأجيال المختلفة؛ وجاء لتدريب الزعيم (ساعة الحوجة) لذا ينبغي الا ننسى تلك النقطة؛ وإن لم يقدم لهؤلاء الفتية شئ يكفي أنه سيضخ في شرايينهم دماء الغيرة؛ وكلكم يعلم أن (كيغان) كان في الميادين الخضراء بجانب موهبته الفذة التي لا خلاف عليها .. وتكنيكه العالي السابق لزمانه فارساً مغواراً؛ فاللعب بجوار مقاتل يتوسط الملعب هيبة كجمال يجعل زملاءه يشعرون بالإرتياح، والمدرجات تثور طرباً وتتفنن في التشجيع والهتاف والصياح؛ فقد كانت لشراسة أبو عنجة فهم متقدم، ولحماسه ذكاء، ولبسالته أهداف، ول(رجالته) طعم، لذا ظلت غيرة جمال حتى يومنا هذا مضرباً للأمثال .
* نضيف اليوم أن خسارة المريخ من النمور يتحمل فيها أبو عنجة جزء ليس باليسير، ولكن من الإنصاف أيضاً أن نمنح الرجل حقه عند الانتصارات مثلما نحاسبه في أوقات الهزائم، فلا يعقل أبداً أن ننسب الفوز للاعبين ونُحمِّل مسؤولية الهزيمة للمدرب!
* قناعتي الراسخة أن (الانتصارات تصنعها منظومة متكاملة، والهزائم يتحملها الجميع؛ وتتفاوت النسب حسب قراءة التفاصيل)، وأعتقد أن أبو عنجة أكثر الناس حرصاً على الفوز ولا يبخل بما يملكه من فكر كروي وقدرات تدريبية، فلا تظلموا الرجل طالما أنه يقدم كل ما يملك؛ ومستعد للمغادرة فوراً متى ما جئتم بمن يملك قدرات أكبر أو أقل؛ فكيغان جاء مكلفاً في ظروف معلومة؛ وإذا كان بمقدور مجلس المريخ الآن التعاقد مع مدرب أجنبي أو حتى وطني فليفعل حتى ينتهي هذا الجدل العقيم؛ وإذا كانت القصة مجرد تغيير أسماء و(الحال في محلو)، فيجب ترك الفروع ومخاطبة جذور الأزمة، و(عينكم لفيل المجلس تطعنو في ضلو).!

* التباين في الآراء لن ينتهي؛ وموفق يا (كوتش) طيلة ما أن تكليفك مستمر؛ وسنظل ننتظر منك دائماً (النتائج؛ والغيرة؛ وروعة الأداء؛ وروح الفنيلة الحمراء)..!

نقش أخير

* (أولاد الزعيم) عبر مختلف الأجيال حب، انتماء، غيرة، وروح، وحرص، وتفاني، وجمال.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد