مــذاق الحــروف
عماد الدين عمر
لو أن قرار حل المؤتمر الوطني ورد في البيان الاول الذي أذاعه الفريق البرهان بعد أيام من سقوط الانقاذ لقلنا انه جاء متأخرا بعض الشئ ، فمثل هذا القرار مكانه الطبيعي البيان الاول الذي قرأه عوض بن عوف في الحادي عشر من ابريل ، والمنطق أن تأتي جملة حل الحزب الحاكم بعد جملة ( إقتلاع ذلك النظام والتحفظ علي رأسه بمكان امن ) التي وردت بالبيان ، غير أن القرار – لسبب أو لغيره – تأخر كثيرا ليصدر عبر قانون التفكيك بعد أكثر من سبعة أشهر من تلك البيانات ، ولكن ليس مقاما أنسب لمقولة أن تأتي متاخرا خير من ألا تأتي من هذا المقام .
صحيح أن هذا التأخير منح الحزب المجرم وقياداته الوقت الكافي لتغير كثير من معالم الاشياء وربما إخفاء بعض الحقائق والمعلومات ، وسمح له كذلك التصرف في بعض الممتلكات والاصول التي استولي عليها من أموال الشعب ، وصحيح أنه زرع حالة من الامل والتفاؤل بين رموز النظام البائد وصوّر لهم إمكانية العودة الي المشهد والتحكم في البلاد من جديد ، وصحيح أنه سمح لبعض المجرمين بمغادرة البلاد والفرار من الحساب مثل ما فعل العباس شقيق المخلوع أو حامد ممتاز وغيرهم من الفاسدين ، ولكن في النهاية لا يصح الا الصحيح ، وأهداف الثورة التي مات من أجلها الشباب لابد وأن تتحقق .
الشعب السوداني لم يخرج في هبة ديسمبر المجيدة من أجل التحفظ علي رأس النظام دون باقي الجسد الفاسد ، لم يقدم خيرة أبناء هذا البلد أرواحهم فداءا للحرية لكي ينعم بها الذين تسببوا في موتهم ، والثورة التي أنجزها الشباب لم تكن ثورة خبز ولا احتجاجات علي سوء المعيشة فقط – كما يروج لذلك اذناب النظام البائد ، بل كانت الاحتجاجات علي كل سياسات ذلك النظام الغاشم المستبد ، فكانت ثورة الوعي الشامل والمفاهيم التي تطالب بالانعتاق من نظام عاث في الارض فسادا فاهلك الحرث والنسل ، أحرق القري وسرق الممتلكات وقتل الارواح وجاء بكل المنكـــرات والموبقات باسم الدين وتحت غطاء حــزبهم الاثم الذي يسمـــونه زورا ( الوطني ) والوطن منه براء ، فلا يستقيم أن تنجح الثورة ويسمح لهكذا حزب بالبقاء .
نقول ، الحزب الذي أثري كل المنتمين اليه علي حساب الشعب لابد وأن يحل ، والنظام الذي يبدأ حياته بدق مسمار في رأس طبيب ، ويختمها بادخال خازوق في دبر معلم ويتلذذ بين الفترتين بقتل الضباط في رمضان وحرق القري في دارفور لايستحق أن يبقي يوما واحدا علي قيد الحياة السياسية ، بل – من تثبت عليه ارتكاب بعض تلك الجرائم من منسوبيه لايستحق البقاء علي قيد الحياة لساعات .
ونقول في الختام ، أن المتوجسين من قرار حل حزب المؤتمر الوطني وتفكيك نظام الانقاذ لا يخرجون بحال من صنفين : إنتهازي منتفع ، أو منافق جبان ، وكلتا الصفتين تتوافر في أعضاء الحزب المحلول من أنصار الرئيس المخلوع ، ولا نستغرب علي ذلك ردة فعلهم المتمثلة في حسرة ممزوجة بالاسي وبعض الخوف من مصير لن يكون بلون شعارات حزبهم المأفون ، ولكن ما نستغربه حقا أنه ليس بين مشاعرهم بعض الندم ..والله المستعان ..