صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

بيان الشرطة التي تريد

73

افياء

ايمن كبوش

# رسخ عن الشرطة السودانية في الثقافة الجمعية للسودانيين.. بأنها أداة من أدوات القمع التي تستخدمها السلطة السياسية في البطش والقهر والتنكيل، فلم تستطع الشرطة التي تستند إلى مائة عام من التجارب والخبرات أن تزحزح هذه المزاعم المجتمعية.. لأن بعض رجالها في أضابير البحث الجنائي والكشف عن الجريمة.. كانوا ومازالوا يقدمون نموذجاً سيئاً عن الشرطة التي تماطل في فتح البلاغات و”تتجرجر” في تقديم خدمة بسيطة، وأكبر من ذلك حين تتجاهل القاعدة الذهبية القانونية بأن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.. فتتسور هذا الجدار العالي الذي كان ينبغي أن يمنعها من ظلم الناس، إلى ممارسة دور القاضي والجلاد.. وما هي إلا محطة من محطات تحقيق العدالة وسيادة أحكام القانون.
# في أي مهنة من مهن الدنيا حالات انفلات وخروج علني عن القانون.. خاصة في تلك الأجهزة التي كان يجب أن تكون حفيظة على القانون وإشاعة العدل.. ولكن الأمرّ والأنكى حقاً أن يفعل بعض الصغار تجربة ورتبة تلك التجاوزات ثم يجدون الحماية من الكبار الذين تأخذهم الحمية المهنية و”عنصرية الكاب التي تشيع قانون الغاب”، فتضيع القضايا ويهرب الانتباه إلى المزيد من التجاوزات طالما غابت المحاسبة وتمدد جبل الحماية الذي يعصم صغار الضباط من ماء الحساب الساخن، فيضاعفون جرعة الإهمال وأحياناً كثيرة الاستسهال.
# رغم ابتعادي الطويل عن أرض الوطن.. لم أغب عن متابعة أخباره ورقصات هياجه الصادحة ما بين ولاء البوشي وعبد الحي يوسف.. إلى أحداث جامعة الزعيم الأزهري.. من كل ذلك الحراك الذي أحسبه حراكاً سلبياً لا يدعم استقرار السودان في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا.. لم يستوقفني إلا ذلك البيان الذي أصدره الناطق الرسمي باسم الشرطة السودانية عن جريمة قتل راح ضحيتها أحد المواطنين بقسم شرطة الدوحة أم درمان.. حيث أكد البيان أن زمن “الغتغتة والدسدسة” انتهى بالفعل، وأشار ـــ أي البيان ـــ إلى مسؤولية خمسة من أفراد مباحث القسم عن مقتل المواطن.. ووجهت الشرطة باستصدار أمر من النيابة لتوجيه التهمة لهم تحت المادة (130) من القانون الجنائي وهي القتل العمد.. أين كان يمكن أن يحدث هذا لولا أن تغييراً تاريخياً قد حدث في ذهنية الشرطة نفسها.. علماً بأن تاريخها القريب يحدثنا عن هبة قياداتها لإنقاذ ضابط صغير قتل مواطنة بالسلاح الميري في منطقة الديوم الشرقية.. ويحدثنا كذلك عن سلاح الشرطة الذي حصد روحاً “سمبلة” لشاب في عمر الرحيق والندى يدعى سامر الجعلي.. كتب بيان الشرطة بعد الحادثة بدم بارد خالٍ من المهنية، وكأنه خرج للناس لكي يسيء للقتيل فقط.. بينما جاء بيان الأمس بتوقيع العميد شرطة حقوقي عمر عبد الماجد بشير، الناطق الرسمي، ليمسح بإستيكة الالتزام والمسؤولية والاحترافية تلك البيانات السابقة التي استرخصت الأرواح البريئة وقدمت الشرطة كجهاز عشوائي لا يتورع من إهانة الأموات.. اهتم البيان الجديد بالحقيقة وترحم على روح القتيل وحمّل المسؤولية كاملة لأفراد المباحث الذين ينبغي أن تتوفر لهم محاكمة عادلة وشفافة.. فشكراً للبيان المحترم الذي أعاد جزءاً عزيزاً من ذلك الفردوس المفقود.

?

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد