صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خواطر عن الحرب اللعينة (٤)

173

(اللصوص ينحرون الذبائح)..!!

* الأخطر من الحرب والدعم السريع أولئك الإنتهازيون من أبناء هذا الشعب.. من تحينوا الفرصة لكسر مخازن التجار والإستيلاء على بضائعهم.. فهؤلاء مهما اجتهد الناس لتبرير أعمالهم فهم لا يختلفون عن الدعم السريع في إجرامهم وتحليلهم للإستيلاء على أموال الغير بحجة أنها اموال كيزان وحلال عليهم.. فهذا التبرير مثير للسخرية ويستدعي إطلاق الحكم بالجهل على كل من يتثبت به، لذلك اتخذ الشيخ إبراهيم صالح منه موضوع خطبته للجمعة.. وما فتيء يذكر بأن هذا الفعل حرام ولا يحل على المواطن أن يشتري المال المسروق حتى لا يساعد على المزيد من السرقات، وأظن أن أيامنا هذه تعد أيام كرب وامتحان، ففي الوقت الذي تمتليء فيه بعض البيوت بالأجهزة الكهربائية والأثاثات والمواد التموينية المسروقة من بعض المصانع والمخازن وأحياء بحري، هنالك في المقابل أسر متعففة لا تملك تكاليف شوربة العدس والسخينة، ومع ذلك لم يتجرأوا على المشاركة في ذلك الفعل القبيح بقناعة تامة وعزة نفس.. وأتاح لنا هؤلاء فرصة مقارنتهم ببعض ضعاف النفوس من الميسورين الذين شاركوا في عمليات نهب أملاك الغير ولم يكونوا معدمين.. والدافع هنا ليس الجوع وسد الرمق وإنما سرقوا بدوافع السرقات.. فهم يملكون البيوت والسيارات والمال الذي يجعلهم أفضل من غيرهم..!!
* شيخ حمزه أطلق على اللصوص الإنتهازيين الذين يتتبعون جنود الدعم السريع ليبدأوا بكسر المحل ليكملوا ما بدأ بنهب المتبقي وكسر المزيد من المخازن.. سماهم (الكوماجيون).. وعندما يرى مجموعة منهم يسيرون في همة ونشاط يقول: ديل عندهم (كوماج)…!!
* من الشخصيات التي سعدنا بوجودها معنا في حارتنا، الأستاذ/علي فضل الله.. وهو معلم من المعلمين الذين يستحقون التوثيق والإستفادة من تجاربهم وقد أشرت إليه في بعض كتاباتي من قبل عندما تطرقت لتراجع جودة التعليم في مدارس الخرطوم الطرفية وأثر ذلك على الأجيال القادمة، والأستاذ علي فضل الله ينحدر من مدينة (برام) بولاية جنوب دارفور وقد تدرج في سلك التعليم حتى تبوأ منصب مدير عام التعليم في الولاية، وهو من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وفي هذا الصدد يحكوا عنه أنه قام بفصل إبنته المعلمة وإيقاف راتبها بعد أن تزوجت وانتقلت للسكن مع زوجها بالخرطوم ولم يعد لها نشاط في المدارس.. وهو لايبدي أية مرونة في المسائل التربوية والدينية.. ومازال يحتفظ بهيبة المعلم كما ينبغي أن تكون من صرامة واستقامة..!!
* أشرت في الحلقات السابقة إلى أن حارتنا جمعت كل قبائل السودان، فشكلت لوحة فسيفساء غاية في الجمال، وبالنسبة لي كإعلامي أتاحت لي فرصة استقاء المعلومات من مصادر عميقة وربطها مع بعضها البعض وصولاً لقراءات ونتائج صحيحة.. وعلى سبيل المثال أخبرنا أحد أبناء دار الرزيقات عن وصول طلائع الفارين من جنود الدعم السريع إلى أهلهم، وظهور كثير من السيارات المنهوبة في مدن شرق وجنوب وغرب وشمال دارفور.. وكثير من الأخبار عن مرورها بحمرة الشيخ والهلبه وبارا والنهود وبعض المحطات.. والمثير للإهتمام هنا أن كل الذين وصلوا هناك ومعهم (الغنائم) بحسب ما يطلقون عليها.. أقاموا الولائم ونحروا الذبائح إحتفاءً بسلامة وصولهم.. وهو ما دفعني لطرح سؤال ملحاح عن موقف الإدارات الأهلية في تلك المدن والقبائل.. فما حمله هؤلاء ليست أموال (حلال) بل هي ممتلكات موطنين سودانيين تعبوا عليها واقتنوها.. سرقها منهم هؤلاء أو نهبوها منهم.. بعد أن اقتحموا البيوت وسرقوا الاموال والذهب والممتلكات غير الأفعال الأخرى مما ذكر ومما لم يذكر.. فكيف سيتقبل مجتمع دار الرزيقات وقبائل دارفور التي استقبلت هذهةالمنهوبات؟… هل ننتظر موقف من الإدارات الأهلية والقيادات القبلية على أساس أن هذه الأفعال ستؤثر مباشرة على سمعة تلك المناطق والقبائل؟.. أم ستمر هذه الحوادث مرور الكرام؟
* أياً كانت ردود الأفعال هناك فإن ما حدث سيدون في صفحات تأريخ السودان العريض أن قوات الدعم السريع التي قوامها قبائل عربية من دارفور.. في هذا العام والشهور والأيام تمردت على قوات الشعب المسلحة وقاتلتها وطردت المواطنين الآمنين من بيوتهم بعد أن روعتهم ونهبوا أملاكهم وانتهكوا حرماتهم.. وسيبقى ذلك وصمة عار تطارد كل من شارك في هذه الأفعال ومن سكت عليها..!
* بعض أبناء ذات القبائل من المنتسبين للجيش والشرطة كانوا في مهام بالخرطوم وعلقوا بها بسبب الحرب، وكان بيننا (……..)، وهو رجل في غاية الإحترام والإلتزام… من الرجال الذين شاركوا في حرب الجنوب وقضوا سنوات هناك ولديه خبرات طويلة في ميادين الحروب، ومنه عرفنا أسماء الأسلحة والمدافع من أصواتها.. وهو من شلة دكان ود البصير أيضاً.. ومن المنتقدين لسلوك بعض المواطنين في الإستيلاء على أملاك الغير وإن كان في حدود الطعام..!
* من المضحكات المبكيات أن بعض النسوة من حارتنا ذهبن إلى حيث كسرت المخازن وجلبوا أشياء لا تحصى ولا تعد، ومن بين ماجلبوا مجموعة كراتين لم يعلموا مابداخلها إلا بعد أن وصلوا إلى بيوتهم وفتخوها، فكانت المفاجأة أنها اللساتلك التي تحزم بها أوراق البنكنوت.. ولم تمر يومان حتى أصبح أيادي أطفال الحارة مليئة بها، ينسجون منها الحبال والقلادات ويصنعود منها (النبلة) لإصطياد القمري والدباس.. وخسر صديقنا موسى جزءً من الحمام الذي يقوم بتربيته نتيجة ذلك..!!
* سكان حارتنا مطمئنون برغم أن كل المدفعية الثقيلة تنطلق من المنطقة وتحدث دوياً مرعباً في كل مرة، وأحياناً لا تقل القذائق عن ثلاثون قذيفة في المتوسط، ولكن.. رويداً رويداً بدأ النساء والأطفال التخلص من الهلع والأعتياد على صوت المدافع والراجمات والطائرات وبات في حكم العادي أن تحلق الطائرات على مستويات طيران منخفضة وتطلق الصورايخ والقذائف الهائلة بينما الاطفال يلعبون والنساء، يتجاذبن أطراف الحديث ونحن نماذح بعضنا..
… نعود ونواصل..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد