صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خواطر من الحرب اللعينة (٦)

262

(إغتصاب النفساء)

أبوعاقله أماسا
* معظم المساجد في الخرطوم والولايات درجت على أن تصلى (صلاة النوازل) وتكثف من الدعوات (اللهم من أراد ببلادنا خيراً فاجر الخير على يديه، ومن أراد ببلادنا شراً فاجعل الدائرة عليه).. والملايين من الأفواه تردد (آمين).. وملايين مثلها من دعوات المظالم تتصعد إلى السماء في جوف الليالي تمتزج بالنحيب والنشيج ومرارة الحلوق والألسن، منهم من نهب ماله ومن انتهك عرضه ومن أخرج من دياره بيته ومسكنه وهام على وجهه في البلاد أو نزح إلى الخارج طلباً للامن والأمان.. ومنهم من روع في مضجعه وفقد العزيز، ولكنه بقي في مكانه من قلة حيلته وضيق ذات اليد مسلماً أمره إلى الخالق..!!
* كل هؤلاء يجأرون بالدعاء إلى الله بأن يجعل الدائرة على الباغي والظالم، من استرخصوا أرواح الناس ولم يسلم منهم النساء والأطفال والمسنين بالخرطوم، وفي دارفور تمادوا في فعل الفظائع من جرائم لم يسبقهم عليها إلا المغول، حتى حملات الدفتردار عندما جاء للإقتصاص من حريق إسماعيل باشا في شندي كانت أرحم من أفعالهم.
* من جهل الجنجويد أنهم لم ينتبهوا لعامل الزمن وكرروا ذات أفعالهم التي أشعلت دارفور في ٢٠٠٣،وإن كانت تلك الحقبة متخلفة بعض الشيء في التغطية الإعلامية، بحيث أن الآلاف من تلك الجرائم لم توثق إلا في ذاكرة الحاضرين والضحايا، فإن جرائمهم الجارية حالياً توثقها هواتفهم النقالة،، ومثال لذلك حادثة مقتل الوالي خميس أبكر والتمثيل بجثته، ففي أقل من ثلاث ساعات كانت الجريمة في كل هواتف المتابعين حول العالم.. ومن كان يشك في أنهم الفئة الباغية تأكد من هذا أنهم من الوحشية بدرجة يمكن ان تسحب منهم أي وصف إنساني.. فقد وجدنا أنفسنا بعيدين من الميدان الأول.. عندما كنا نجتهد في تثبيت جريمة التمرد على الدعم السريع بينما يجتهد بعض أبواقهم في تثبيت أنهم حماة الديمقراطية ودعاة النظام المدني.. فهاهم يرتكبون من الجرائم ما لم يسبقهم عليها أحد من العالمين..!!
* كثير من جرائم الحرب لم تحك، ولن تخرج إلى الناس في الوقت الحالي وسط الصخب المتعالي لآلة الحرب، ولكن.. بعضها تطفح لقذارتها على سطح الأحداث لتكون أقذر مما ارتكب من جرائم على الإطلاق.. وسوف أحكي بعضاً مما وردني هنا بدون إضافات:
* قالت المتحدثة أنها وضعت مولودها قبل خمسة أيام من إندلاع الحرب، وكانت تقيم في شقة هي وأطفالها وزوجها ومعها عاملة تساعدها في مسكنها، ويجاورها في السكن الواقع إحدى أحياء بحري عدد من الأسر في المبنى المكون من خمس طوابق، ومع استمرار الحرب وتصاعد حدة الإشتباكات غادرت كل الأسر وزوجها الآخر لم يعد من موقع عمله وانقطعت أخباره.. ومع مرور الوقت شعرت بالخطر من شدة القصف وقررت أن تنزل من شقتها في الطابق الثالث وتستقر في شقة صديقتها في الطابق الأرضي لتتفادى القذائق والرصاص.. واستمرت الحرب خمسة عشرة يوماً قبل أن يدخل عليها الجنجويد.. ووجدوها هي وأطفالها الثلاثة ورضيعها قد انزووا في غرفة واحدة والرعب يفعل فيهم كل شيء، وكان عليها أن تتظاهر بالثبات أمام أطفالها..!
* بقي أربعة من جنود الدعم السريع معها في الشقة وهي وأطفالها في غرفتها حتى جاء أحدهم وطلب منها أن تصنع لهم قهوة.. فخرجت إلى المطبخ وصنعت القهوة وأوصلتها إليهم، ولكنهم لم يركزوا على قهوتها بل إعتدوا عليها هي في شرفها واغتصبوها وهي النفساء التي لم يمر على ولادتها سوى عشرين يوماً حتى تلك اللحظة، ولم يشفع لها شرحها لهم ورجاءاتها ودموعها..!!
* بعد ما حدث أعادت الكرة في هواتف زوجها فكانت مغلقة، ثم حاولت في هواتف المقربين ولم تحصل على أمل فتوكلت على الخالق واخذت أطفالها الثلاثة ورضيعها وخرجت ماشية على أقدامها وعبرت الكوبري نحو أم درمان لتصل إلى بيت قريبتها في الإسكان وهي منهارة تماماً.. واطفالها في حالة من الرعب لا توصف..!!
* هذه عينة فقط من حرب قيل عنها ماقيل من أهدافها.. وهي ليست سوى شر مستطير وجريمة من جرائم العصر التي ستتناقلها وكالات الأنباء حول العالم..!
* من غرائب الأحداث والحرب أن الهروب قد استمر من العاصمة، فخرجت الأسر جماعات وأفراداً إلى الولايات وإلى خارج البلاد.. كل حسب إمكانياته المادية، وبقيت أخرى هنا وهي تنتظر النصر والفرج وعودة الهدوء، ولكن الأغرب أن بعض الأسر قد هربت نحو دارفور.. نعم إلى دارفور ذاتها.. لذلك شن جارنا شيخ فتحي هجومه المباشر على الهادي البرتاوي عندما جلسنا للسمر بعد صلاة العشاء.. فقال له: الناس شاردة من الجحيم وانتوا تسافروا ليهو؟
* وقد حكى لنا جاري الهادي معاناة أسرته زوجته وزوجة أخيه وأطفالهما التسعة وهم يقصدون قريتهم جنوب الفاشر، وكيف أنهم قضوا يومين في الطريق بسبب إرتكازات الدعم السريع التي زاد عددها عن خمسة عشر ارتكازاً.. يكون سائق البص ملزم بدفع ١٠٠ ألف جنيه في كل ارتكاز بعد التفتيش.. وعندما اتصل عليهم بعد الوصول إلى الفاشر لم يجدوا فيها حركة في شوارعها فقضوا يومهم الثالث في انتظار شقيقه الذي سيقلهم إلى قريتهم بعد رحلة من العذاب والرعب..!!
* قوات الدعم السريع تخوض حرباً من أجل الديمقراطية في العاصمة، وهي ذاتها تخوضها من أجل القضاء على الزرقة في دارفور وإخراج أهلها الأصليين أو إبادتهم..!!
* أذكر أنني عندما بدأت قراءة رواية (مسيح دارفور) للأديب عبدالعزيز بركة ساكن بقيت في غرفتي يوماً كاملاً لأكمل قراءتها ولكي أعيش في أحداثها كما ينبغي.. وبعدها كنت أشعر دائماً أن رواية مسيح دارفور وإن أكملت قراءتها فإنها لم تنتهي على الواقع، وأن لها فصول أخرى أكثر رعباً ستتكامل لاحقاً.. وهانحن نعيشها بكل تفاصيلها…!!
… سنعود ونواصل..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد