صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

داليا كفاها يا ناس

24

تأمُلات

كمال الهدي |

• ما كنت أود أن أخوض في القضية (الهايفة) التي طرحتها الشاعرة والكاتبة داليا الياس في أحد اللايفات.
• فما نحن بصدده، وما يهم شعبنا في هذا الوقت تحديداً أكبر بكثير من مثل هذه القضايا الإنصرافية.
• لكن ما أجبرني على تناولها هو أنها وجدت حظاً وافراً من التداول.
• كلما (طنشت) عن اللايف المذكور وأصدائه لاحظت أن تداول الأمر يتزايد حتى دخلني شك في أنه لن ينتهي أبداً، رغم أنه لا يستحق ولا واحد على الألف من الاهتمام الذي وجده.
• لم يعد يمر علينا يوم إلا ونطالع شيئاً من السخرية أو المعلومات الجديدة من صاحبة اللايف.
• فتارة تقول أنها صارت أهم من قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي بإعتبار أن الناس يتداولون ويتناقشون حول (اللايف) أكثر مما يتحاورون حول ما تم بين القوى والمجلس!
• ومرة تشير إلى أنها تتلقى سباب وشتائم وتهديدات صريحة عبر الهاتف!
• تستخف داليا كثيراً بالمجتمع السوداني عبر رسائلها المتكررة، وهي بذلك تقع في خطأ جديد.
• فقد تمثل خطأوها الأول في أنها لم تتبِع كـ (صحفية) منهجاً علمياً وإحصائيات محددة في مناقشة ما أعتبرتها مشكلة يعاني منها المجتمع السوداني.
• أمر بمثل هذه الحساسية لا يُطلق هكذا فقط من أجل الإثارة من شخصية عامة وشاعرة وكاتبة مثلها.
• لو أنها استندت على احصائيات وعينات ودراسة علمية لقبلنا قولها بأن علينا ألا نخدع أنفسنا وأن نواجه مشاكلنا بوضوح.
• وحتى لو كانت هناك احصائيات تؤكد صحة زعمها فمثل هذه القضايا تُناقش بشكل أكثر تهذيباً.
• فشتان ما بين الوضوح ومواجهة المشاكل وبين الإثارة المتعمدة لإحداث الضجيج.
• لكل مجتمع تقاليده وقيمه وأعرافه.
• وحين نناقش في الإعلام أي مشكلة لابد أن نستصحب هذه التقاليد والقيم والأعراف المجتمعية.
• وحتى لا يكون الكلام نظرياً أشرككم هنا في تجربة شخصية حدثت معي.
• قبل فترة ظللت أصاحب خبيراً أمريكياً يقدم محاضرات حول مشكلة الاتجار بالبشر بمناطق عديدة من سلطنة عمان.
• وكانت مهمتي أن أجلس بجواره في القاعات المختلفة التي يلقى بها محاضراته لترجمتها للحضور.
• وقد كان الرجل يكثر من التركيز على قضايا تجارة الجنس كجزء من موضوعه الواسع.
• وبحكم معرفتي بتقاليد المجتمع الذي يخاطب، ونظراً لوجود شباب وشابات في تلك المحاضرات كنت في أحيان كثيرة أُترجم ما أسمعه منه بتصرف.
• وفي مرات أخرى كنت أتجاوز بعض عباراته تجاوزاً تاماً.
• لم يغب عني أن أحد أهم اشتراطات الترجمة هي أن تكون وفياً للنص الأصلي في اللغة المنقول عنها.
• لكن مثل هذا المتحدث الذي يتجاهل، أو ربما لا يعرف الكثير عن ثقافة المجتمع الذي يخاطبه يدخلك في صعوبات لابد أن تجد لها مخرجاً.
• وأذكر أنني في إحدى المرات وأثناء رحلة العودة بعد إنتهاء المحاضرة قال لي مرافقي وهو أحد مسئولي دائرة الموارد البشرية المعنية بمثل هذه المحاضرات.. قال لي ضاحكاً لاحظت في أكثر من مرة أنك تجاوزت (الخواجة) تماماً وقفزت للنقطة التالية من حديثه.
• فقلت له” لم يترك أمامي خياراً آخر، خاصة أن عدداً كبيراً من المتابعين كن من الفتيات.”
• فقال ” لقد كنت قريباً من طاولة بعضهن كما لاحظت، لكنك ربما لم تنتبه لحجم الحياء الذي بدا عليهن لدرجة أنني شعرت بأن بعضهن أوشكن أن يدخلن تحت الطاولات، هذا بالرغم من تحفظك في الترجمة ونقلك لبعض عبارات الرجل بتصرف.”
• ولك أن تتخيل عزيزي القاريء معناتهن لو أنني ترجمت ما كان يقوله الخبير الأمريكي حرفياً.
• هذا مثال بسيط للتقاليد المجتمعية، الأمر الذي يفرض علينا أن نتناول بعض القضايا بصورة مقبولة للمجتمع الذي نخاطبه.
• فلماذا تصر داليا دائماً على اتحافنا بجرأة (فايتة حدها) بزعم أنها تخاطب مشاكل مُلحة لا يفترض أن نتجاهلها، رغم عدم اتباعها لأي منهج علمي يسند مزاعمها!!
• هو مجرد كلام تطلقه في الهواء والسلام.
• والمؤسف أن يجد مثل هذا الكلام (الهوا) أصداءً بهذا الشكل الكثيف.
• مثل هذه الأمور يفترض أن يتم تجاهلها، سيما عندما تأتي في أوقات نحن أحوج ما نكون فيها للتركيز على قضايانا الأكبر.
• نحن بصدد ثورة شاملة يفترض أن تغير كل حياتنا.
• وأول ما يجب أن تغيره هذه الثورة هو أن نكف عن إهدار وقتنا في توافه الأمور.
• وإن كان من لومِ لمجتمعنا فهو أنه سريع الانفعال، وهذا ما يدفع (الكثيرين) لنسيان دوافع بعض الإعلاميين ولذلك نقع في فخ الترويج لهم في الوقت الذي يفترض أن نتجاهل فيه (فارغتهم) تماماً.
• لا يعقل أن تسب إحداهن المجتمع وتزعم أن بكل بيت سوداني زانِ أو زاني، عربيداً، أو سكيراً أو سكيرة ، مدمن أو مدمنة مخدرات، وتأتينا أخرى بحديث الفحول، أو يصف أحدهم معارضي الحكومة بالصعاليق والسكارى الحيارى لينتهي بنا الأمر بالسب والشتائم وبذلك نقع في الذنوب.
• ما قادرين ( تطنشوا) يا جماعة الخير، هناك وسيلة أفيد تمنح كل ذي حق حقه، هي اللجوء للقانون.
• يمكن لأي متضرر من مثل هذه الكتابات والأحاديث أن يرفع دعوى ضد من تتهمه أو يتهمه، أو يصفه بما ليس فيه.
• لم يعد مقبولاً أن تتوالى الإساءات على مجتمعنا وبدلاً من إيقاف المتطاولين عند حدودهم نروج لهم ونمنحهم المزيد من الشهرة.
• خذوا فاطمة الصادق كمثال في ذلك المقال القميء، ولنسأل أنفسنا أين كانت فاطمة وقتها وإلى أين وصلت الآن؟!
• بالرغم من تلك الإساءات التي لا تغتفر تحولت فاطمة من مذيعة وكاتبة عمود عادية إلى نجمة إعلامية وصاحبة زاوية بصفحة أخيرة وشريكة في صحيفة رياضية ومدير عام لقناة الهلال وناطقاً رسمياً بإسم مجلس الهلال في فترة سابقة!
• هذه هي واحدة من مشاكل مجتمعنا التي تحتاج لوقفة جادة، أعني فتح المجال لكل من يسيء لنا للتطور وظيفياً وتوسيع شهرته من خلال إصرارنا على متابعته والإهتمام بما يقول أو يكتب.
• ما قالته داليا في (اللايف) سيء الذكر فمجرد فقاعة وحديث لا أساس له.
• وقد تعجبت حقيقة من القهقهات التي كان يُطلقها من أجرى معها الحوار عديم الجدوى، وكأنه قد انبسط بما سمعه.
• رجال السودان رأى الجميع جسارتهم وشهامتهم وكل صفاتهم الجميلة على مدى أشهر ثورتنا العظيمة.
• تابع الكل إشراقات وإبداعات وسحر نساء ورجال وشيبة وصغار البلد طوال أيام الاعتصام الذي عكس ما لا يُحصى ولا يعد من خصال جميلة لشعب السودان.
• الرجال الذين يواجهون الرصاص بصدور عارية لا يمكن أن يعانوا من مشكلة رجولة.
• ومن يملك أدلة على وجود مشكلة فحولة وسط هؤلاء الرجال الأشداء ذوي البأس فليأتي بها ويقدم نتائج احصائياته التي تثبتها.
• وإن كانت هناك أي جوانب سلبية في مجتمع بهذا الجمال فلابد أن نناقشها بإحترام لأنفسنا ولأفراد هذا المجتمع.
• ثورتنا مستمرة رغم كل شيء ولن توقفها بعض الأمور الإنصرافية.
• هي ثورة وعي نعم.
• لكنني أستغرب لمن تفوت عليه حقيقة أنه ليس بالضرورة أن تتحقق أعلى مستويات هذا الوعي بين عشية وضحاها بعد ثلاثين سنة من التخريب والمساعي الحثيثة لتدمير خصال شعب السودان الكريم.
• المهم في الأمر أن الأيام قد أثبتت لهؤلاء المخربين أن جهودهم المضنية قد ضاعت هباءً منثورا، وها هي الأجيال التي تربت في سنوات حكومتهم الفاسدة تثبت أصالتها وانتمائها لشعب صاحب حضارة وتقاليد ضاربة في الجذور لن تغيرها شلة لصوص فاسدين وفاشلين.
• وليفهم كل غافل أو غافلة أن غالبية أبناء الوطن المخلصين حريصون جداً على رفد ثورة الوعي المُتشكلة بكل ما من شأنه أن يعينها في تحقيق جميع أهدافها.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد