صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

عاصفة الأحزان  ..!

32

زووم

ابو عاقلة محمد اماسا

عاصفة الأحزان  ..!

كثيرة هي المحطات التي لا تنسى من حياتنا المهنية، ولكن يظل حادث بعثة المريخ بمنطقة أمغد من الأحداث التي إقتلعتنا من جذورنا بعاصفة من الأحزان، وموجات من الذكريات الأليمة غير قابلة للنسيان، وعصية على التناسي، وكلما سرح الإنسان في مدى الخيال، وطاف بعقله بين الممكن والمستحيل والمحال، نتذكر ذلك اليوم العجيب بكل تفاصيله، ليس الحدث في حد ذاته، ولكن تفاصيل الأيام وتصاريف الأقدار من بداية مارس 2003 وحتى يوم الحادث..!
* كنت وقتها محررا في صحيفة النخبة، وناقدا عنيدا لبعض سياسات مجلس المريخ برئاسة العزيز محمد الياس محجوب، ورغم أن الفريق كان هو البطل المتوج بثلاثية الدوري على التوالي، كانت هنالك تحفظات، ربما لارتفاع سقف طموحاتنا كمريخاب، غير أن الإحترام كان متبادلا بيننا والمسؤولين في ذلك المجلس وعضويته وكل الأقطاب، حيث كان النادي وقتها عبارة عن مجتمع مترابط لم تغشه الأطماع والصراعات التي نعيشها الآن، والرئيس (رئيس) بمعنى الكلمة، ويضم المجلس في عضويته شخصيات تختلف معها في وجهات نظر محدودة، ولكنهم يجبرونك على الإحترام، ونحن نتفانى في تغطية أنشطة النادي بإستمتاع.
* الأيام التي سبقت حادث أمغد شهدت العديد من المواقف، مع نشاط متصاعد للمعارضة التي كانت تضغط على الوزير الولائي لحل مجلس الإدارة، وتبذل من الدسائس والمؤامرات كل ما هو مستجد من أعراف المناهضة في هذا النادي الكبير.. وكذلك دبت الخلافات في المجلس مع تصاعد الضغوط، وكان الحدث الأخير في ذلك الأسبوع من مارس هو خلاف حاد في مجلس الإدارة بسبب مبالغ دفعتها شركة البيبسي نظير رعاية الفريق، وحدث الصدام بين مكونات المجلس ليخرج الراحل عزالدين الربيع مغاضبا ويتقدم بإستقالته.
* كنت وقتها مع الصديق حسن إدريس بمنتجع قولدن قيت، عندنا دلف الراحل وتحدث بغضب لم أره عليه من قبل، ولكن.. كعادة الناس في ذلك الوقت قدموا التنازلات وطيبوا خاطر الرجل وتم الإتفاق على طي الخلاف.. وهذه المواقف كانت شاهدة على حنكة محمد إلياس محجوب والراحل فقيري عدلان والكابتن عادل أبوجريشة، وقبل ذلك دليل على أن الهم الأول كان هو المريخ ولا شيء غيره.. وتم الإتفاق على أن يرأس الربيع البعثة التالية إلى كسلا لمواجهة التاكا.
* كانت المباراة هي الثالثة من بداية الدوري، وقد كانت البدايات مع الدكتور حسن المصري الذي تمت إقالته بسبب سلبية النتائج وأعيد المدرب الشاب صديق العمدة الذي كان صاحب الإنجاز الأبرز وقتها، وعلاقتي بالراحل صديق العمدة لم تكن بسبب صلات الرحم فقط، وإنما كانت صداقة ومرجعية ورفقة تبدأ منذ الصباح الباكر، ونتفرق ليتجه إلى بنك النيلين وعلى بعد خطوات كانت مكاتب صحيفة النخبة، قبل أن نلتقي عصرا ونذهب معا لمشاهدة إحدى المباريات.. نتشارك الكثير من تفاصيل الحياة اليومية.. لذلك كنت سعيدا بعودته لتدريب الفريق، وفي ذلك اليوم اتفقنا أن نلتقي في كسلا لأنني سأسبق البعثة بيوم، وقد كان، إلتقينا قبل المباراة على أرض الملعب وتعانقنا بحرارة وكأننا لم نلتق منذ شهور، وكنت أحمل كاميرا (ديجيتال).. وبعد أن التقطت له صورة مع الكابتن عادل أبوجريشة قلت لهما مداعبا: اللقطة الفاتت أقالوكم.. فضحكا بمرح وصوت عالي قبل أن تبدأ إجراءات مباراة التاكا بكل تفاصيلها التراجيدية التي تذكرونها.. ولم أدر أن ذلك سيكون هو اللقاء الأخير مع صديق العمدة.. وقد كان متأثرا بنتيجة المباراة لدرجة أنه لم يخرج من غرفته.. ولم يرد أحد على هاتف غرفته وانشغلت بعد ذلك بتغطية أحداث المباراة وما تبعتها.
* أقنعني صديقي موسى محمد علي وهو من أقطاب نادي الميرغني، وقد امتدت علاقتنا معه وتعمقت لتشمل الأسر والأصدقاء، أقنعني بأن أبقى بكسلا لحضور ديربي المدينة بين الميرغني الأنيق والتاكا يوم السبت التالي، ولكن في تمام الحادية عشرة صباحا تلقيت سيلا من الإتصالات، وجاءني صوت الزميل ناصر محي الدين (البروف) يسأل ما إذا كنت في البص مع البعثة، وكانت أنفاسه متلاحقة على نحو مخيف ومزعج.. سألته: ماذا هناك؟.. فنقل لي ما حدث.. وكان أسوأ خبر يمكن أن أتلقاه في حياتي، بص البعثة تعرض لحادث مروع.. وتوفي صديق العمدة.. وعزالدين الربيع وعبد اللطيف.. هذا الثلاثين تحديدا كانت العلاقة معهم نبيلة تملأها المحبة والإحترام، لطبيعة الشخصيات أولا، وقدرتها على إحاطة الغير بكل ماهو جميل..ففي الرحلة التي سبقت هذا الحادث كنت مرافقا الراحل عبداللطيف في الغرفة بفندق تلال الشرق، وكان يقضي جل وقته بين الصلاة وتلاوة القرآن.. وقد مازحت الصديق عصام فضل الله ذات مرة قائلا: (عبداللطيف ده الفكي بتاع البعثة والا شنو؟) فكانت من المرات النادرة التي أراه فيها ضاحكا.. رحمه الله وأسكنه فسيح الجنات.
* إفتقد المريخ ثلاثتهم حيث كان الربيع يمثل جيلا من الإداريين الشباب الذين يعول عليهم، وترتسم على محياهم شخصية الرئيس في حنكته ومستوى القبول الذي حباه به الله، والأهم من ذلك إرتباطه الوثيق بالمريخ، وقد حكى لي كثيرا عن حرصهما على مشاهدة المريخ من المدرجات هو ورفيق دربه (أبي الطيب الماحي).. وهو الآخر بن أخت المرحوم الفاتحة المقبول، وصديق عزيز رحل بعد ذلك بسنوات مبكيا على شبابه.
* أما صديق العمدة فقد كان نموذجا لإبن النادي الناجح والطموح، وقد ساعده في مسيرته حبه للإطلاع ومعرفته للغة الإنجليزية، وكان موظفا ناجحا ببنك النيلين، وهو ما دفع الإتحاد السوداني لكرة القدم لترشيحه لكورس تأهيلي بألمانيا.. وكان يتأهب لذلك الكورس قبل أن تمتد إليه أيدي المنون.
حواشي
* إفتقدناهم جميعا كما افتقدهم المريخ.. وقد كانوا مخلصين ومحبين وعفيفين وعاشقين للرياضة.. أحببناهم ولكنهم رحلوا ليسبقونا إلى الحي الذي لا يموت.
* من خلال شخصيات ذلك الزمن الجميل نتعامل مع المريخ… بجدية لا تقبل المساومة، فقد كانت رؤيتهم الأشياء من زاوية نقية وشفافة.. وعندما نأتي لتقييم لاعب مثلا.. نلجأ لما كان يقولها العمدة بإستمرار: (اللعب في المريخ مواصفات).. بمعنى أن اللاعب قد يكون مميزا في فريقه، ولكن.. ما لم تتوافر فيه مواصفات محددة.. أن ينجح في صفوف المريخ..!
* كانت أحلامنا أن يحافظ المريخاب على المكتسب الجميلة من ذلك الزمن ويبنوا عليه للمزيد من الإنجازات.. ولكن.. ما حدث أنهم أهدروا الإرث القديم… وفشلوا في إضافة الجديد..!
* تصريح واحد أطلقه عضو المجلس هيثم محمد الرشيد عن قطاع الشباب أثار حفيظة المتابعين وغضب الأنصار… ذلك التصريح كان عن هذا القطاع الذي وصفناه من قبل بأنه يمثل بؤرة مضيئة في عتمة الحاضر المريخي.
* هذا العمل أنجزه لمصلحة الكيان وبعيدا عن الصراعات نخبة من الشباب المميزين شهدنا على سهرهم وتضحياتهم من أجل تقديم كل ماهو جميل.
* كنا نتطلع دائما لأن يرتفع عناصر المجلس إلى ذلك المستوى، ويضعوا أيديهم على أيدي رفاق جعفر سنادة والشريفي لكي يقدموا ماهو أفيد، ولكن دور المجلس كان سلبيا حتى على مستوى الحضور التشريفي للمباريات.
* أينعت تلك المجهودات وأثمرت بمظهر مشرف للشباب، وأرقام قياسية شاهدة على جودة العمل قبل أن نفاجأ بتصريح هيثم الرشيد.
* نشهد لسنادة والشريفي وسرالختم وأنور حمد وخالد تاج السر وسامي ود خالدة وغيرهم بأنهم أخلصوا وقدموا وحققوا النجاح.. وإذا لم يقدر مجلس الإدارة ذلك الجهد فحقهم محفوظ.. على الأقل لدى كل المتابعين من عشاق الأحمر.. ومن تابع ذلك وساند قولا وعملا.. وساهم بالكلمة الطيبة وبالمال.. وتفاعل وتعاطف وشجع وأشاد.
* من اللياقة واللباقة في مثل هذه الحالات يا هيثم الرشيد أن تضع يدك في أيديهم.. وتستصدر قرارا من المجلس يثمن ما قدموه.. وهذه لا تكلف مالا ولا تأخذ وقال ولا تهدر كبرياء..!
* إحترنا مع هذا المجلس.. حتى من يساندهم يجد نفسه فجأة في موقع العدو..!
*. في السابق كان المتغيب عن ثلاث إجتماعات لمجلس الإدارة يبعد نهائيا بدون مجاملة وطبطبة.. أما الآن فقد أصبحت (دخولية).. يستقيل العضو ويبقى بمنزله لخمسة أو ستة أشهر ثم يعود بالمزاج بدون مساءلات.. وكأنها قد أصبحت إقطاعية خاصة يتصرفوا فيها كيفما شاءوا..!
* إستقال عمر محمد عبدالله خمس مرات وعاد.. واستقال أحمد محتار حتى كدنا أن ننسى أنه كان عضوا بالمجلس.. ثم عاد قبل أيام بدون مقدمات.. واستقال خالد أحمد المصطفى وهيثم الرشيد ولكنهما عادت بدون توضيح لأسباب الإستقالة والعودة..!
* رأينا العجب والعجائب.. يا صحاب.. وكما يقول الشباب في هذه الأيام (وريتونا) الديمقراطية بت عم الهمجية وأخت الفوضوية..!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد