صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

ما قبل 6ابريل

250

رأى حر

صلاح الأحمدي

ما قبل 6ابريل

يوم عادي كغيره من أيام الحياة كنت اجلس على مقعدي في الحافلة متجها إلى مكان عملي ويمر على شاب هيئته تدل على طبقته القادرة يوزع منشورات تطلب الناس بالنزول لساحة القيادة العامة يوم 6ابريل المقبل للتعبير عن غضبتهم من تردي الاوضاع في بلدنا
.هناك من الركاب من أخذها ووضعها في يده وأخر قذفها من النافذة وقليل مثلي تأملها
وصلت إلى عملي وإنا احمل الورقة وعرضتها علي احد الزملاء فلم يبدي اهتماما فقلت له استشعر صدق الدعوة فقال لا أظن إن تؤتي ثمار وبالعودة إلى قبل هذا اليوم بعدة سنوات كانت هناك مظاهرات توقدت قوتها في الأفق كما كان أثرها لافتا بين أطياف عديدة في المجتمع خاصة مع بزوغ أصداء التغيرات العسكرية في المواقع المدنية فقد كانت الحياة السياسية راكدة تدور رحاها في فلك بعض النجوم من أصحاب الحظوة كما كانت المناصب توزع على أصحاب الثقة إلا من رحم ربي
قبل 6ابريل كانت تسير الأمور في نصاب مستقر اسعارالسلع والخدمات في مقدرة الغالبية يقابلها تدن في مستوى كثير من البني التحتية إضافة لارتفاع الفارق بين الطبقات ووضوح التباين بينهم كان احد سمات العقد الأول من القرن الحالي فالفقير ليملك من أمره شيئا ولا إمامه للخروج من دائرة الفقر لذا كانت المصاريف المدرسية الحكومية في متناول يده كما إن أبناء ينجحون في سنواتهم الدراسية
ولا يهم قدر ما حصلوه من تعليم لذلك لن تتفاجا من غالبيتهم بالقراءة والكتابة رغم وصولهم لنهاية مرحلة التعليم الأساسي فهذا لا يهم كما لا يهم ارتفاع نسبة الأمية بشكل مزعج رغم إنشاء هيئة للقضاء عليها في بداية تسعينات القرن الماضي إلا إن اهتراء العملية التعليمية كان كفيلا بحدوث نسب واضحة من التسرب ولم تحفز هذه الكوارث امتعاض السادة المسئولين الذين تباروا على كيفية تركيز الناس على العملية التعليمية لتشغل تفكيرهم من خلال مناورات متفردة جعلت المواطن يلهث وراء دخول أولاده المدرسة حتى اخترعوا المدارس التجريبية واخترعوا كل أنواع البيروقراطية المقبلة حتى أصبح ولوج الطفل اليها بمنزلة حلم ولا مانع من دخوله مرحلة رياض الأطفال بعد تجاوزه عمره الأعوام الستة ليبدأ الصف الأول الابتدائي حينما يكمل عامه الثامن رغم إن دستور هذه المرحلة كان ينص على دخول الطفل الصف الدراسي الأول للمدرسة في عامه السادس
كل ذلك لا يتاح للناس فرصة التقاط الأنفاس فيتدبرون حالهم ويفكرون في واقعهم ليحسبوه فليس في الإبداع أفضل مما كان ظل شعارا دفينا تم ترسيخه النفوس طيلة سنون طويلة
يجب إلا نتناسى اختراع مجموعات التقوية لطلبة المدارس الحكومية اختراع كان ظاهرة تقوية الطلبة التي لم تستطيع الحصول على قدر جيد من التحصيل داخل الفصل وباطنه إبعاد مصدر جديد للدخل لكثير من المسئولين في المنظومة التعليمية وصولا للوزير فاللائحة كانت تقرر حصول كل منهم على نسبة ضئيلة من قيمة هذه المجموعات ومع العدد الكلي لطلبتها تكون المحصلة كبيرة جدا وإلهتنا الحياة بكرها حتى باتت الدروس الخصوصية الوجه الأخر لاختراع مجموعات التقوية واقعا بغيضا نمقته
قبل 6 ابريل تسللت للسودان أنواع جديدة من التعليم منها الخاص للقادرين على دفع تكاليفه كوسيلة التميز أبناء الأثرياء فلا يصبح إن يجمعهم فصل واحد مع أبناء البسطاء ومنها أنواع مختلفة من التعليم الدولي ورغم براقة الفكر فان التعامل مع معظم أنواعها ثم التعاطي معه بشكل سلمي حتى أضحي بوابة خلفية لدخول الكثيرين للجامعات دون بذل أي درجة حقيقية من الجهد المستحق لدخول كليات القمة وتساوي المجتهد مع المقتدر لنشاهد تمازجا غريبا وعجيبا يرسخ لفكرة سطوة المال لذلك يمكن تفسير وجود تفاوت واضح أيضا بين كفاءات الأطباء على سبيل المثال من هنا يمكن تفهم وجود احد المتميزين من المجتهدين مع احد العاديين او قل الفاشلين من المقتدرين وهذا القياس يمكن تطبيقه على مهن أخرى
هل نسينا ما كان يحدث مع أبناء استاتذة الجامعات وخاصة كلية الطب وهناك وقائع شهيرة جدا لا داعي الخوض فيها تؤكد وجود وقائع فساد مستفزة لذلك فتذيل السودان قائمة دول العالم في جودة التعليم وتدني قيمة المنظومة التعليمية وهبوط قامتها لم يكن وليد الصدفة او سوء التخطيط او ضعف الإمكانات او زيادة عدد الجامعات بشكل يصعب التطوير والتجويد ولكنه كان وليد الإهمال واللامبالاة والعمل بنظرية بترقيع الثوب بدلا من تغيره حتى تهلهل وترهل وأمسي عبثا علينا جميعا
فبعد مرور عدة أشهر على 6ابريل هل تغيرت الصورة وهل بعد المدنية سوف تصبح وردية
نعم بتنا نعرف عيوبنا وبدأنا تصحيح مسارنا ووضعنا لبنات قوية ترسي قواعد العمل على مستقبل افصل مستقبل يراعي أجيالا قادمة لها طموحات مستحقة وأمال مشروعة
وأخيرا لولا 6ابريل لما تمكنا من مشاهدة الكم العظيم من الانجازات ولا جاز لنا إدراك تغير لون الحياة الضبابية إلى وردية نوعا ما وتكون المدنية امتدادا لكل الانجازات التي تأتى تباعا بعد الدراسات المضنية في المجال التعليمي ولابد إن أشيد بل من احتفظ بتلك الورقة الصغيرة التي أهداها لينا الشاب وانجرفنا في تيار الثورة
اتفقنا ان 6ابريل كانت ثورة مثلما ينص الدستور إذا كره المحكوم الحاكم هب لقلع بواطن حكمه من القاع او اختلفنا واخترنا لها مسما آخر كما يحلو للبعض التعبير عنها بأنها ليست ثورة ستظل في السبب الرئيسي لتغير واقعا من السكون إلى حركة ممزوجة بعزيمة وإرادة وجهود جبارة تبني حاضرا مشرفا وتصنع الأمل في غد أكثر إشراقا ..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد