صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

مذكرات من الحرب اللعينة (١١)

166

كاذب من يقول أن الحرب اشتعلت فجأة..!

أبوعاقله أماسا
* لم تندلع هذه الحرب فجأة، ومن يريد تثبيت هذه ذلك إنما يريد أن يغطي على سوءات القادة والسياسيين وصرف أنظارنا عن أنانيتهم وفشلهم في صناعة واقع يستوعب هذا الوطن، وأن كل يوم يمر من عمره يؤكد لنا أن مصيبة هذه الدولة في (النخب)، خاصة وهي تروج لبضائعها الفاسدة (الجهوية والعنصرية والكراهية والإقصاء وازدراء ثوابت الأمة).. وهم في سبيل الفشل هذا غير قادرين على خلق حوار يستصحب التنوع الثقافي والعرقي والفكري فكل منهم يتعامل مع الواقع وكأنه مسرح شيد وتهيأ له فقط دون غيره، ورغم أن الأغلبية يتحدثون عن الديمقراطية وروحها كشعار يرفع للكسب والخديعة أحياناً إلا أنهم يقدمون طرحاً لا يستقيم إلا بالقضاء على الطرف المنافس أو إبادة كل من ينافسونهم أو (ترق كل الدماء).. فقادة الحرية والتغيير الآن لا يعملون من أجل شيء سوى القضاء على عناصر المؤتمر الوطني، وهذا الطرف الأخير مايزال في ضلاله القديم.. يجعل من الأحزاب اليسارية فزاعة للتخوين والإقصاء بذات الفكر الذي كان سبباً في الإحتقان الذي بدأ في التسعينات ولم ينته حتى الآن وإن كان (الكيزان) قد هتفوا بعبارة (أو ترق كل الدماء) فإن غيرهم قد تجاوز القول بالفعل والإخلاص فيه فأراقوا دماء الشعب السوداني ولم يستثنوا الكوز من الشيوعي واليساري من اليميني ولا المسلم والمسيحي..فكلهم أمام آلة الموت سواء.. فعجبي لأمر السودانيين لم يرضوا بالعدل والمساواة لصناعة الأمن والسلم ولكن إنعدامهما قد أجبرهم على المساواة في الموت..!!
* الدعم السريع كيان إنتهازي نشأ بسبب هشاشة هذا الموروث الفقير وضحالة إفرازات الممارسة السياسية، وتطور مستغلاً غياب الرؤية العقلانية للدولة ونمو الطفيليات في مكان ثوابت وأركان مهمة تقوم عليها أي دولة محترمة.. وكان التحدي في كيف نحافظ على دولة نختلف داخلها ونجتهد جميعاً لنرسم واقعاً ومستقبلاً مميزاً للأجيال القادمة، وكل القرائن كانت تسير نحو التفريط في الدولة والإذعان للخلافات والتصفيات وما يتبعه من هرج ومرج وبطولات فارغة.. حتى وصلنا مرحلة نرى فيها الخرطوم تكتظ بالأزياء العسكرية والأسلحة الخفيفة والثقيلة والمصيبة أنها كانت في أيدي من لا يعرفون قيمة الأمن وحرمة روح الإنسان ولا يميز بين الشماسي والعالم الباحث، وبدلاً أن كنا نميز جنود الجيش بعلاماتهم ونعرف وحداتهم العسكرية بها، أصبحنا نرى عشرات الجماعات المسلحة في الشوارع ترتدي ما يعجبها من العلامات والرتب وترى أنها فوق القانون وفوق الإنسان الطبيعي بل وفوق الوطن نفسه إن دعى الأمر، ورأينا كذلك عدداً من المجرمين ومرتادي السجون والنهابين وسفهاء القبائل يرتدون الرتب العليا والنياشين ضمن هذه الجماعات، ومنهم أيضاً من يغذي أسواق المخدرات ويؤدي دوره في تدمير الشباب بتفاني وإخلاص.. كل ذلك حدث في (١٥) عاماً فقط كانت عشرة منها عهد الإنحلال في حكومة الإنقاذ وخمسة قضيناها في المشاحنات وبعضاً من المراهقة السياسية.. أيام التستر على مستوردي حاويات المخدرات والتماهي مع صفقات الفساد السياسي والإقتصادي، ثم ثالثة الأثافي في الأربع سنوات الأخيرة عندما نجح الإنتهازيون في سرقة أعظم ثورة وتحويلها إلى مجرد بازار للإرتزاق والنفاق..!!
* كيف نصدق مزاعم أن الحرب هذه كانت مفاجأة ونحن نتابع ونشاهد قادة الدعم السريع يؤسسون لدولتهم من خيرات دولتنا ويتسلحون من ميزانيات التنمية والتعليم والصحة، ويؤسسون جيشهم من أموال تستخرج من باطن الأرض، وكيف تكون هذه الحرب والمآسي التي إجترتها مفاجئة ونحن نراهم بأعيننا يحشدون كل متفلتي القبائل في كردفان ودارفور تحت لواء أكثر الأفكار السياسية فساداً في تأريخ البلاد ويزدرون كل تأريخ البلاد ويلخصونه في قبائل محددة،وبدلاً أننا كنا نتباهى بوطن يستوعبنا جميعاً أصبحنا في (فتيل) مجموعة من القبائل بعد أن تبعنا فرعون هذا العصر.. وكيف تكون الحرب مفاجأة وقادة البلاد يمنحون أكثر المعسكرات تجهيزاً لهؤلاء الناس ليستخدموها فيما بعد ضد الشعب السوداني الطيب؟… وكيف تكون مفاجأة ونحن نمنحهم مفاتيح السجل المدني ليجنسوا كل من هب ودب بدون أية نظرة لقانون الجوازات والهجرة والجنسية؟… وكيف نصدق أن هذه الحرب اندلعت فجاة وحكومتنا وبعض قادتنا يفتحون البلاد على مصراعيها لتكون مسرحاً لمخابرات الدول المتآمرة.. لتتحكم في مصيرنا دولة مثل الإمارات ساهم الشعب السوداني ومايزال في بناءها، فهاهي تجزينا عن ذلك بتدميرنا بحرب تعتبر جريمة دولية مكتملة الأركان؟
* هذه الحرب لم تكن مفاجأة، وإن كان هنالك من تفاجأ بها فهم المهنيون داخل جيشنا الباسل، أما العملاء من الساسة وسماسرة المواقف فقد ساهموا كلاً منهم بمقدار.. وكل من هتف لحميدتي وهو يعرف أنه حشد كل قوى الشر وجاء إلى العاصمة بمن لا يتورع عن نهب مال الغير، ومن يسترخص ارواح الناس في سبيل ان يكسب المال، ومن لا يأبه بأعراض الناس وينتهكها دون أن يرمش له جفن..!!
* وكل من تصالح مع الإنحدار الذي حدث في السنوات الأخيرة التي شهدت تمكين الدعم السريع يتحمل جزءً من المسؤولية.. فهذه الحرب ستظل جريمة تأريخية استهدفت الشعب السوداني..!!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد