من بوتن لوالي الخرطوم !

بدون حجاب
خالد عز الدين

تشرفت بحضور كاس العالم بالمانيا في عام 2006 .. الاجراءات الصعبة التي مررت بها بالسفارة الالمانية بالخرطوم جعلتني اتوقع مثلها في مطار برلين عندما قدمت جوازي لموظفة الجوازات ولكن كانت اولي المفاجآت بالنسبة لي ان الامر لم يستغرق اكثر من دقيقتين، تسلمت بعدها الجواز مع ابتسامة، ودخلت الي المدينة التي استقبلتني ايضا بالابتسامات وكان واضحا ان المانيا تريد ان تستغل كاس العالم من اجل تغيير الصورة النمطية للالماني الجاد الذي لا يعرف الابتسام والذي يركز علي الشغل اكثر من العواطف حتي تخيل العالم انه (ماكينة) وليس بشر .. بذل الشعب الالماني كلما في وسعه من اجل راحة ضيوفه بشكل عام اما نحن الصحفيين فقد كان الكرم اضافيا معنا حيث كنا نتنقل مجانا مع الكثير من الخدمات فعدنا ولساننا يلهج بالثناء وهو ما دفعني للعودة بعد ثلاثة اعوام لزيارة المانيا بعد ان اتيحت لي فرصة لتغطية فعاليات كاس العالم لالعاب القوى..
التنظيم العالي والدقة واحترام المواعيد وحسن استقبال الضيوف جعل من كاس العالم بالمانيا نموذجا للدول التي تريد تقديم بلدها في اجمل صورة من خلال كرة القدم ويبدو ان روسيا قد تفوقت علي الالمان في كل شئ فهناك شبه اجماع من المتابعين علي ان كاس العالم الحالية هي الافضل في كل شيء، وان روسيا نجحت في الاستقبال والوداع وتقديم صورة جميلة لشعبها مستغلة كاس العالم وكرة القدم ليتقبل العالم صورة الرئيس الروسي بعيدا عن مجازر سوريا المشارك فيها جيشه .. تناسي العالم صور القتل والرعب في سوريا ولو لفترة مؤقته عبر كرة القدم بينما والي الخرطوم يقلب الصورة تماما فيحول مدينته من مدينة اشتهرت بالامن والسلام الي مدينة غير امنه بدرجة جعلت امن الولاية يرفض قيام مباراة كرة القدم بين الهلال والمريخ ليومين علي التوالي متعللا بالدواعي الامنية !!
لو كان والي الخرطوم يتعامل مع كرة القدم كما هو الحال في كل العالم لرفض تماما فكرة الغاء المباراة وطالب بقيامها حتى يثبت للعالم اجمع بان الخرطوم امنة لانها تحتضن كل هذه الجموع في ملعب كرة وفي مباراة ديربي العاصمة .. لو كان والي الخرطوم يدرك اهمية كرة القدم لطالب الاتحاد باقامة مباريات اضافية بين الهلال والمريخ لان في ذلك انعاش لخزانة الدولة والاندية وترفيه علي الشعب الذي انهكته صفوف البنزين وضغط الحياة وارتفاع الاسعار .. والي الخرطوم لو كان يتابع الرياضة لاستفاد من كل الدروس التي قدمتها روسيا في استغلال كرة القدم لتقديم وجه مشرق للبلاد بدلا من مسح الوجه الطيب المسامح للعاصمة السودانية واستبداله بوجه عبوس يعبر عن عدم الامن !
لا افهم كثيرا في السياسة لذلك اتساءل عن الجهة المنوط بها محاسبة الولاة مطالبا بمحاسبة والي الخرطوم او علي الاقل استدعائه في البرلمان لسؤاله عن الاسباب الامنية التي جعلته يلغي مباراة الهلال والمريخ .. اوليس البرلمان هو الذي يستدعي الوزراء والولاة ولا انا غلطان .. مش في حاجة اسمها مسألة مستعجلة ! رايكم شنو تستعجلوا لينا الوالي وتسألوا .. احتمال يقنعنا بالدواعي الامنية التي لم يوضحها لنا خطاب امن ولايته ..
والغريب ان والي الخرطوم الذي منع قيام مباراة الهلال والمريخ لدواع امنية كان في نفس توقيت بداية المباراة تقريبا يحتفل مع اهل المريخ بالمجلس الجديد ويتحدث عن الاستثمار في كرة القدم متناسيا ان اندية يرفض واليها اقامة مباراة لدواع امنية من الصعب جدا ان تكون جاذبه للاستثمار !
والي الخرطوم الذي يريد تحويل الهلال والمريخ الي شركات تدخل في الشأن الفني ورفض قيام المباراة لاسباب غير مقنعة وهو بالتالي لا يشجع اي شخص علي الاستثمار في الاندية حتي ولو تحولت لشركات لان طريقة الغاء مباراة الهلال والمريخ تعني رغبة الوالي في التدخل في صميم العمل الاداري والفني لكرة القدم، وبالتالي فان الشركات نفسها يمكن ان تكون مهددة بالخسارة طالما انها لا تملك حق اقامة مبارياتها وان الاتحاد الذي يشرف عليها يكون تحت رحمة قرارات غير منطقية وتعتمد علي رد الفعل !
كما اننا ننبه الوالي الذي تحدث عن تحويل الهلال الي شركة ونقول له ان الاهلة اصبحوا لا يثقون في اي حديث له لانه وببساطة شديدة منحاز وبشكل واضح لناد منافس لدرجة الوقوف معه حتي لا يتعرض للهزيمة من نادي منافس ..
ما فعله والي الخرطوم يحتاج الي وقفة من اكبر اجهزة الدولة ويجب ان لا يمر مرور الكرام لانه يتعلق بمورد اقتصادي واجتماعي كبير وهو كرة القدم وفي اعظم ايام كرة القدم التي جذبت العالم كله لها في هذا الاسبوع الذي قرر فيه الوالي حرمان الجمهور من مشاهدتها لدواع امنية فضرب بهذا القرار كرة القدم وامن ولايته !!