صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

وداعاً شيخ الطريقة

2٬353

كبد الحقيقة
د. مزمل أبو القاسم
وداعاً (شيخ الطريقة)

* مرّ عام على رحيل شيخ الطريقة المريخية وأستاذ الأجيال أحمد محمد الحسن رحمة الله عليه، واستجابةً لطلب بعض القراء أعيد اليوم نشر المقال الذي كتبته في رثائه، وورد فيه ما يلي: (ما أمرَّ الفقد، وما أعظم الحزن وما أعظم المصيبة.. أحقاً انطوت صفحة أحمد محمد الحسن؟
* قيل لنا إنه رحل، فسألنا أنفسنا: أتموت الأهرامات وتنهد منها الأركان؟
* حاشا لله أن يموت ذكره، أو يندثر فعله، لأنه حاضر بيننا بفعله ورسمه وحرفه وعشقه الباهر للكيان الأحمر.
* (يا منايا حوِّمي حول الحمى واستعرضينا واصَطفي.. كلّ سمح النفس، بسّامِ العشياتِ الوفي.. الحليمَ، العفّ، كالأنسامِ روحاً وسجايا.. أريحيِّ الوجه والكفّ افتراراً وعطايا.. فإذا لاقاكِ بالبابِ بشوشاً وحفي.. بضميرٍ ككتابّ اللهِ طاهرْ.. أنشُبي الاظفارَ في أكتافِه واختطفي، وأمانُ الله مِنّا يا منايا.. كلّما اشتقتِ لميمونِ المُحيّا ذي البشائْر.. شرّفي تجدينا مثلاً في الناس سائرْ.. نقهر الموتَ حياةً ومصائرْ).
* صدق شاعرنا الفحل صلاح أحمد إبراهيم في قصيدةٍ كأنما رثى بها أحمد محمد الحسن قبل موته بسنواتٍ طوال.
* هكذا كان اسمه، (أحمد محمد الحسن)، ينطق ثلاثياً وكأنه اسم مفرد، ليملأ المكان والزمان، لا جهلاً بمقام حامله، فصاحب الاسم أشهر من نار على علم، وهو من أجمل من حملوا القلم.
* عرفته كقارئ محب، قبل أن أعرفه كزميل ومعلمٍ وقدوة، وتعلق قلبي بكتاباته قبل أن أمتهن الكتابة، فأحببت حبه للمريخ وأنا صبي، وعندما عرفته عن كثب أحببته أكثر.
* لم يكن أحمد محمد الحسن رحمة الله عليه صحافياً عادياً، بل كان قامةً وهامة، برحيله ينهد أحد أهم أركان سلطنة السودان الرياضية، ومملكة المريخ الإعلامية، بقلمٍ باهرٍ معطَّر، وحرفٍ نقيٍ مطهَّر، لا يعرف الزلل ولا الهتر.
* كان نصيراً للحق، وحرباً على الباطل.
* عشق المريخ في المهد صبياً، وخدمه شاباً، وذاد عن حياضه كهلاً، وسعى في محرابه الطاهر شيخاً وصحافياً معتقاً، وإعلامياً شاملاً، وتفانى في نصرة عشقه بعد أن تقدم به العمر واشتعل منه الرأس شيباً.
* تميز رحمة الله عليه عن أقرانه بإجادته التامة لفن الخطابة، ما أن تسمعه يتحدث حتى تردد في سرك مقولة (إن من البيان لسحرا)، وتود أن لا يصمت أبداً.
* كان خطيباً مفوهاً، جزل العبارة، رشيق الكلمة، لا يتلجلج ولا يضطرب عندما يتحدث في أي محفل يطيب لأهل المريخ أن يقدموه له، كي يتحدث عنهم وباسمهم، لأنه يحسن الحديث، ويبرع في اختيار الكلمات، فتعبر عن أمة المريخ بأبلغ لسان.
* وعندما يحمل القلم يحيله إلى لسانٍ ناطق بالحق، سيما عندما يكتب عن مريخه الحبيب.
* سبقنا أحمد محمد الحسن مثلما فاق أقرانه ومجايليه في كل شيء.
* كان سباقاً في العشق الأحمر بحكم الميلاد، وسباقاً في الانتماء بحكم النشأة في بقعة الزعيم، ومميزاً في ممارسة المهنة منذ عهد صحيفة (الناس) التي جمعته بثلة من أكبر وأشهر وأميز كتاب المريخ عبر التاريخ.
* المريخابي العجوز السر قدور، أستاذ الأجيال مرسي صالح سراج، صناجة المريخ ومؤلف نشيده الوطني محمد عبد القادر كرف، ملك الكتابة الرشيقة سيد صالح شهلابي، قبطان المريخ حاج حسن عثمان، ابن البان، بروف علي المك، وآخرين تتقاصر دونهم الذاكرة الخربة، ويحفظ التاريخ حروفهم العطرة.
* كان أحمد محمد الحسن أصغرهم سناً، وأكثرهم نجابةً، وأوفرهم جرأة في ارتياد دهاليز صاحبة الجلالة، بحكم احترافه للمهنة، وأكثرهم نجاحاً فيها، لأنه ولد مفطوماً بحليب النجاح.
* عرفت معدنه أكثر عندما اقتربت منه، فوجدته نِعم المعلم والأب المربي، والصديق الحبيب، الذي لا يبخل على تلاميذه بالنصح والسند والمؤازرة.
* أفخر بأنني أطلقت عليه لقب (شيخ الطريقة المريخية)، لأنه كان وسيظل أوفرنا عشقاً لنجمة السعد، التي كتب فيها أجمل الحروف، وطرز ساحتها بأروع المقالات.
* رحل شيخنا وكبيرنا قائدنا، وتركنا نعاني مرارة اليتم في ساحة المريخ الحزينة.
* فارقنا في أيامٍ كالحةٍ، يعاني فيها مريخه ظرفاً صعباً في مسيرته الممتدة أكثر من مائه وأحد عشر عاماً، منذ أن أطلق المارد صرخة الميلاد في دهاليز حي المسالمة، وانطلق منه ليصبح ملء الزمان والمكان، ويشع ضوءاً ويأتلق وتذيع شهرته، لتملأ أرجاء القارة بالضجيج، ويصبح أحد أقوى فرسانها، وأنجب أبطالها.
* صعب علينا أن نتخيل المريخ من دونه، لأنه كان بمثابة الألف في أول الاسم، والخاء في آخر رسم المريخ.
* المريخ وأحمد محمد الحسن سيان.
* لولا أن يشق علي لقلت مات المريخ بموت أحمد، لأنه كان مريخاً يسعى على قدمين.
* لكأنهما ولدا كتوأمين سياميين، ملتصقين بالأحاسيس، متوحدين بالنبض والعشق والانتماء، لكن أحدهما اختار أن يتأخر عن الآخر بضعاً وثلاثين سنةً، ومع ذلك عاشا متحابين متآزرين، قبل أن يرحل من تأخر في الميلاد، تاركاً صنوه يعاني ويلات الفراق، ويبكي قرينه ورفيق دربه بدمع الدم.
* قابلته آخر مرة في سرادق عزاء والدة الحبيب بابكر سلك، برفقة الزعيم ود الياس، وجلسنا نتسامر ونتفاكر في حال المريخ.. هكذا هو حال أصفياء النجوم، ما التقى اثنان منهم في مجلس إلا وكان المريخ ثالثهما، بالعشق الحلال.
* كان أحمد حاضراً في آخر مجمع مريخي، عقد في صالة الغروب، جالساً كعادته على المنصة، برفقة المنصور والفاروق ونادر ومتوكل.. وكلهم في عشق المريخ شرق.
* ولو أمهلته المنايا قليلاً لكان أول الحاضرين في اجتماعٍ مرتقبٍ شارك في التحضير له، للتفاكر في أفق الحل.
* خدم أحمد محمد الحسن المريخ صحافياً وإدارياً، وكان من الطوافين بمبخر المودة بين أهله، يحضهم على التوافق، وينشر بينهم الإخاء، ويشجعهم على التلاقي.
* كان خفيض الصوت، قليل الكلام، ناصع الحُجة.
* كان رحمة الله عليه ممن يطيب لي الجلوس بقربهم.
* لكم جالت عيناي بحثاً عنه في كل محفلٍ أحمر، لأستمتع برفيع بيانه، وحلو لسانه.
* كان حديثه يتجمل أكثر عندما يشرع في سرد محطاتٍ من تاريخ المريخ الموثقة في ذاكرةٍ فوتوغرافية، يستدعيها صاحبها متى شاء فلا تخذله، ويستشهد بها فتأتمر بأمره دون إبطاء.
* كنت ألجأ إليه كلما عنَّ لي أن أستشهد بواحدةٍ من تلك المحطات، فأجده حاضراً، يسرد الأحداث وكأنه وقعت أمامه قبل أيام، ويحكم رصد التفاصيل، ليعمد نفسه شاهداً على كل عصور المريخ.
* أحمد محمد الحسن لا يقل في عظمة سيرته الحمراء عن عظماء الكوكب الأحمر.. وهو محسوب في زمرة الحُجاج، الذين صنعوا مجد المريخ، وحرسوا إرثه، وفخَّموا سيرته.
* خالد عبد الله.. حاج شاخور.. حاج مزمل مهدي.. حاج زروق.. حاج حسن عثمان.. حاج التوم حسن.. حسن محمد عبد الله.. مهدي الفكي.. حسن أبو العائلة.. فؤاد التوم.. عوض أبو زيد.. عبد العزيز شدو.. خالد حسن عباس.. عبد الحميد الضو حجوج.. بشير حسن بشير.. عبد الرحيم عثمان صالح.. طه صالح شريف.. الفاتح المقبول.. الفريق منصور.. عصام الحاج.. ود الياس.. وآخر العنقود جمال الوالي، وغيرهم كثيرون، وضعوا بصماتٍ لا تنسى في سِفر المريخ العظيم.
* صعب عليَّ أن أعددهم، لأن ساحة المريخ زاخرة بالعظماء الذين منحوا الزعيم أجمل أيام العمر، وشادوا مجده، وبنوا صرحه، وضمخوا سيرته بالعطر، مثلما زانوها بالبطولات.
* أحمد محمد الحسن منهم، وأبرزهم، لأنه عبَّر عن عشقه بالكلمات، ووثق محبته بالحروف، وكان أوفر إعلاميي المريخ قيادةً لأشرف الإصدارات.. صحيفة المريخ، الأولى بين قريناتها في الصدور، من بين كل صحف الأندية في السودان.
* كان يطيب له أن يحكي قفشات الحاج عبد الرحمن شاخور، ويضحك بصوته الخفيض وهو يلقيها على مسامعنا، ويستذكر سيرة أكثر رجالات المريخ حباً للمريخ عبر التاريخ.
* الكتابة عن أحمد محمد الحسن صعبة، لأن حصر أفضاله مستحيل.
* عندما التقينا في مقابر البكري، بمعية رفاق الدرب، حملة الأقلام الحمراء سالت الدموع على المآقي بلا استئذان.
* كانت الدمعة تسري على الخد كالجمرة، لتسقط على جدار القلب وتحرقه بلا استئذان.
* احتضنني كمال حامد فبكينا حتى اختنقت الأنفاس واختلجت الصدور، وعندما هممت بتقديم العزاء لرفيق دربه عيسى السراج بادرني قائلاً بحسرة تطفر من بين الكلمات (أمس فطرنا سوا)، فأنابت الدموع عنا في التعبير.
* خف كل تلاميذه إلى المقابر، كلهم يحمل بين جنبيه حزناً تنوء بحمله القلوب الواجفة المترعة بحب الفقيد.
* اللهم أرحم عبدك أحمد محمد الحسن، وعافه وأعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وأغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. وألزمنا وآله وذويه ومحبيه وعارفي فضله الصبر وحسن العزاء).
* (إنا لله وإنا إليه راجعون).

قد يعجبك أيضا
2 تعليقات
  1. حمزة فضل يقول

    قرأت الخبر التالي (عقد مجلس المريخ المكلف برئاسة محمد موسى الكندو اجتماعه الثاني بحضور كل الاعضاء، وطالب الجماهير بالتحلي بالهدوء وضبط النفس، والابتعاد عن اي اعمال تخريبية.. واكد المجلس ان اي عمل خارج سيتحمل صاحبه المسئولية كاملة).
    هذه الفقرة تم اخذها من احد كتاب المريخ الحادبين علي مصلحة الكيان اين انت يا دكتور من المريخ ومشالكه شايفك اليومين دول بتعيد في مقالاتك القديمة ومنتظر اي خبر عن الاتحاد او الهلال لكي تكتب مقال جديد والله يا سودكال ادبت الجماعة ادب صاروا يتحاشوا الكتابة كأن الامر لا يعنيهم ربنا يخليك ويمد في ايامك يا سودكال

  2. Elmunzer Mohamed يقول

    المعارضة في السودان مصالح وليست مصلحة عامة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد