صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

(29) رمضان (فض) الاعتصام ساعة (الإمساك)!!

82

صابنها 

محمد عبدالماجد 

(29) رمضان (فض) الاعتصام ساعة (الإمساك)!!

• في الفيلم الهندي (DABANGG) بطل الفيلم (سلمان خان)، يقول عبارته الشهيرة التي كانت مفتاح الفيلم (إذا أردت هزيمة السياسي فابحث عن الخائن)، وهو يعمل على تحرير مجموعة من الممرضات الهنديات اللائي كنَّ (سبايا) تحت قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق.. وقد كان (خان) يبحث عن (ثغرة) لتحريرهن فكانت عبارته السالفة. ونحن الآن في حاجة إلى إعادة إنتاج نفس العبارة ولجنة التحقيق في مجزرة فض الاعتصام برئاسة المحامي نبيل أديب تحقق في المجزرة وتبحث.
• هناك (خيانة) تمت في الأمر، جعلت (المجزرة) تتم بتلك الصورة البشعة.
• عندما وصل الثوّار إلى محيط القيادة العامة للاعتصام في 6 أبريل، قالوا إن صلاح قوش يسر لهم طريق الوصول، وكادوا أن يقولوا فرشه لهم ورداً، وقدم لهم (وجبات) الدليفري وخدمة الإنترنت اللاسلكي (Fly Fi).
• صنعنا (دوراً) لقوش في الوصول لمحيط القيادة العامة، وهذا أمر لا يحتاج لذلك (التدبير)، ولم نجتهد بنفس الجد للبحث عن (الشخصية) التي كان لها نصيب الأسد في حدوث (المجزرة) ليلة 29 رمضان وصبيحة يوم الاثنين 3 يونيو.
• هل يعقل أن يكون للنظام البائد دور في (الثورة) التي أسقطته.. ولا يكون له دور في (المجزرة) التي قصدت التنكيل بالثوّار والنيل منهم؟
• الأمر تم بتدبير (خبيث)، عرضوا فيلماً (تسجيلياً) عن (الاعتصام) في تلفزيون السودان القومي، أساءوا فيه للشعب، ومسحوا بسمعته وشرفه الأرض.
• ثم سحبوا من كانوا يخشون عليهم من (الموت)، لتحدث بعد ذلك (المجزرة)، التي مازال رباط (شاشها) على قلوبنا وهي تنزف (وجع).. ونزف (الوجع) أسوأ من نزف (الدم).
• سوف أحاول أن لا أستثير على الناس (وجعتهم) بذلك العرض لحدث (حزين) في تاريخ السودان مازالت (جراحه) تنزف.. ولعله هو الحدث الأكثر (شرخاً) في الوجدان السوداني.
• أعرف أن (الجراح) تجعلها (الذكريات) في حالة (هياج)، وأعلم أن (الحزن) بعض من ثقافتنا العامة، نبقى على (دواليب) عملها في قلوبنا مفتوحة.
• الأحزان عندنا مثل (الحصين) الهائجة التي تصنف جائزة (الطالب المثالي) من الكبائر، ونحن مثل تلك (الحصين) كنا ندرج (الطالب المثالي) في نفس الدرجة، ولم نضع له (اعتباراً).
• كان (ناظر مدرستنا) عندما يغلبه (الحزن) بنظارته الطبية (السميكة) يجرّ (حصة الإنجليزي) لتصبح (حصة دبل).. فتنتقل أحزانه إلينا بكثافة.
• والأحزان عندنا فرضت على قهوتنا أن تكون (سادة) بدون سكر يقول في ذلك حكيم قريتنا وهو ساخر: الكيزان شالوا (السكر) من (التموين) وجابوه لينا في (الدم والبول).
• والسكر الذي (لغفه) نمل الدندر لا غرابة في أن يكون في (البول).
• حكيم قريتنا لم تنفعه (حكمته) مات بكومة سكر.
• ونجتر الأحزان.
• إثباتاً لذلك، نحن لا نعرف أن نستقبل (العيد)، إلّا بشيء من (الدمع) الحزين والآهات التي نكتمها حينا من الدهر، ونخرجها بعد ذلك مع قصاصات (العيد)، وفرحه الذي حاول أن يكسر (أبواب) الصمت، ليدخل في (حوش) الفرح المقفول.
• ستائر الصالون الكبير لم تشفع للفرح أن يدخل (القلوب) وإن دخل (الصالون).
• ونحن قبالة عيد الفطر المبارك حيث الذكرى الأولى لمجزرة فض الاعتصام، سوف أحاول أن أكتب برحمة عن الحادثة، تنزيلاً ووفاءً لشهداء (فض الاعتصام)، الذين قدموا (حياتهم) وهم في انتظار أن توفي (الثورة) بوعودها.
• شهداء مجزرة الاعتصام مات بعضهم وهم في حالة تأهب لصلاة الفجر، بوضوء (الصبح) انتقلوا للدار الآخرة.
• بعضهم مات وهو يرمي ببعض (البلحات) في جوفه الفارغ، في ساعة (السحور) استعداداً لصيام اليوم الذي دخلوا إليه صائمين.
• وبعضهم مات بعد أن أكمل سكرات موته في قاع النيل.
• شهداء ليلة 29 رمضان لم يكونوا يعلمون أن صيامهم سوف يكون (أبديّاً)، وأن تلك (البلحات) التي تناولوها لصيام يومهم هذا، سوف تكون آخر (بلحات) يتناولونها في حياتهم لصيام يمتد إلى يوم (القيامة) بأجل مفتوح يدري نهايته الله عز وجل.. قابلوا ربهم وهم صائمون.
• وكما يقول الصديق عبد اللطيف أحمد (ضفاري) قريباً من ذلك أن المسحراتي عندما كان يدق في سحور ليلة 29 رمضان (يا صائم قوم إتسحر)، كان بعض الناس يقولون: (يا صائم قوم اترصَّص).
• كان الرصاص يحصد فيهم وهم نيام.
• كان (سحورهم) ممزوجاً بشيء من الماء والبلح والذخيرة الحية والرصاص الذي لا يخطئ الضحايا التي يقصدها.
• رصاصة في الرأس لمواطن كل جريرته هو أن نادي (حرية سلام وعدالة).
• أولئك الجناة في الوقت الذي قال فيه الله جل جلاله (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، كانوا يطلقون النار في (صدور) معتصمين عزل، بعضهم كان في فراش نومه على أرض الاعتصام يتوسد (يده) ويحلم بي وطن عاتي وطن شاسع.
• كانوا يشعلون النار في (خيام)، لم تضرب إلّا من أجل (محمد أحمد) الذي يكدح في الفاشر وعطبرة والدمازين وكوستي والأبيض وكسلا.
• هؤلاء الشباب عندما كان الناس يقفون في صفوف الخبز والصرافات الآلية والطلمبات كانوا هم يقفون في صفوف (الموت)، ينتظرون نصيبهم من (الرصاص) لأجل إسقاط النظام وأذياله.
• شهداء ثورة ديسمبر المجيدة منحونا ذلك (الصمود)، وجعلونا أكثر فخراً واعتزازاً بهذا الوطن.
• أعادوا لنا إنتاج أن (نشم ريحة التراب) والتي فقدنا الإحساس بها (30) عاماً.
• كتبت كثيراً أننا كنا نقرأ تاريخ معركة كرري العظيم ومواقف عبد القادر ود حبوبة الكبيرة وعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ، ونحسب ذلك (تاريخ) لا نملك القدرة على إعادته.
• كنا نكتفي من (البطولة) بذلك الحنين ونحن نخرج عقب صلاة الجمعة وصلاة العيد في الطرقات، ونحن فخورون بهذا التاريخ الذي يجعل الأرض ترقص تحت أقدامنا فرحة.. حتى صادفنا ذلك الوجود الحي والمباشر والباسل من شهداء مجزرة الاعتصام.. وما سبقهم من شهداء الثورة المجيدة.
• نحن بهم أصبحنا نداوي (الملاريا) بقرص من (شجاعتهم) وليس بـ (الكلوروكين).
• الخوف والفتور وحتى نزلة البرد كلها أشياء أصبحنا نعالجها بمضاد حيوي لتلك المواقف التي كانت من شهداء ثورة ديسمبر المجيدة.
• لقاح كورونا نفسه يجب أن يُكتشف من (بطولاتهم).
• نحن لهم أصبحنا أكثر عزة وقوة.
• محمد الحسن سالم حميد لم يدس (المحافير) في قصيدته (حجر الدغش) والتي رثى فيها (الدرة).
• حميد قدم صورة لمجزرة فض الاعتصام، كأنه كان بين المعتصمين حضوراً.
تـنفـد الطـلقـات.. ولـكـن.
الحـجـر مـا عــنـدو سـيـد
تـلقـى في كل الأمــاكن
رامـي شـاشـاي النـشـيـد
فـي الـخـرابـات المـسـاكن
هـو حـتـان الحـديد
مـا فـتـر مـن صــبـرو داكن
زاهــد النفـس.. وزهـيد
لا يـكـلف غـيـر مـواطـن
حُـر إرادة.. ومـدة إيـد
• هذا الوصف الذي قدمه حميد وصف لأرض الاعتصام.. (الخرابات المساكن).. وهذا هو حال شهداء فض الاعتصام (ما فتر من صبرو داكن.. زاهد النفس.. وزهيد).
• هم كانوا كذلك عندما كانت تُنشر أخبار على مواقع التواصل وتحذر المعتصمين من قوات قادمة وتاتشرات لا حصر لها ولا عدد مقبلة على أرض الاعتصام من كل الجهات لم يلوذوا بالفرار بل ناموا في نومهم، وهم على يقين أنهم على موعد مع الموت.
• كانوا وهم في تلك الأوضاع والرصاص يحيط بهم من جانب بتلك الروح التي رصدها حميد (مقدماً):
نـاس بـيـتـنـا عـازمـنـك حـلـيـب
بي بـسـكويـت يـافـا..
وخـبـيـز أمـي الـلذيـذ
وأنـا يـا عـزيـز مـشـوار بـسـيـط
ونـسـة وحـديـث.. فـول بي تـمـيـس
أغـشـاك مـعـاك.. جـيـب كـتـاب
لا تـقـول نـسـيـت
وضـروري كـلم نـاس أبـوك
نـاس أمـك إنـك راح تـبـيـت
• صدوا كل رجاءات العودة من أجل عدم (البيات) في أرض الاعتصام أغلقوا تلفوناتهم خوفاً من ملاحقة أمهاتهم وفتحوا صدروهم للرصاص.
• هؤلاء كانوا هم.. أعرفهم.. هم بنفس الملامح.. هم بذات (البطولات) التي نحلم بها.
• قدمهم (حميد) كما هم يكاد أن يرفق معهم (أوراقهم الثبوتية) يكاد أن يقول (أرقام تلفوناتهم):
القـومـتـو مـن فـجـرك نـشـيـط
غـضـباً مـنـو البـيـوقـفـو
الـشـافـو.. حـارو يـوصــفـوا
قـول.. لـلسـلامنـا إسـتـقـرفوا
والكـل كـلامنـا إسـتـنـزفوا
لا عـيـد مبــارك لا عـفـو
خـلـيـك كمـا الـزيـتـونـة حــاس
حولـك لـصــوص البـوص تلـوص

• كانت كدا.
• كانت بهذه الصورة.
• كأنه حميد كان بينهم والتقط هذه الصورة قبل سنوات من حدوثها.. ومضى حتى يسعد بتلك (البطولات) التي تحدث عنها مسبقاً.
• نحن نؤكد أنهم هم نبصم على ذلك.
• فعلها حميد عندما قال عنهم وهم في ليلة 29 رمضان:
يـا الـليـكا رب
خـذلـوك أسـيـاد أقــربـاك
نـصــروك ضـعـاف كـل العـهـود
وفـي كـل بلـدة مـن البـلـود
فـي جـنود أمـيـة وأبـي لـهــب
يـا مـسـتـمـيـت
قـابـض على جـمـرك تـبـيـت
حــارس قـضـيـتـك يـا جــدع
يـا زيـن علـي أعــداك غـتـيـت
• ومثلما جاء حميد بـ (الشخوص)، والمكان جاء كذلك بالتوقيت…وقبل ذلك جاء الجناة : (وفـي كـل بلـدة مـن البـلـود فـي جـنود أمـيـة وأبـي لـهــب).
• قدم حميد كل الإثباتات على ذلك:
سـكـرت بـلاد الـخـيـر حــلال
والـدنـيـا عـيـد
يـا الـله مـا أحـلى الوطـن
لامـن يـكون إنـسـاني زي صـدر الرسـول
مــاهــل وهـيـط
• ليس عندنا من بعد شهادة في حق الوطن أكثر من تلك التي جاء بها محمد الحسن سالم حميد في القصيدة نفسها.
• ابقوا على العهد هكذا.
• وسيروا في الدرب.
• المشوار مازال يحتاج للمزيد من البطولات والتضحيات، رغم ما قدم من ذلك السِفر المشرف.
وطـنـي الـبـريـدك مـنـو لـيّ
وطـنـي مـن حـشـايـا
مـع الـله لـيّ
وطـني البـهـدهـدو فـوق إيــدي
وطـنـي الـبـوسـدوا مـن حـنان صــدري
وبـغـطـي بـضـي عـيـنـي
وطـنـي المـنـى
وطـنـي الأبــوي
أُمــي وأخــي
يـا المـاب أصــدلـك بـي قـفـاي
يـا الـماب أفــوتـك بـي وشــي
دمـي الـبـحـرسـو مـن الـصـقـور
لحـمـي البـحـاحـيـلـو الـحــدي
نـغـمـي الـبـلاهـو لا طـيـور صـدحـت
ولا طـمـبـر نـقــي
وطـنـي البـمـوت وبـخـلـي حــي
وطـنـي العـريـض
الحــاني زي صـدر الرســول
وطـنـي الـيـفـيـض
إنـسـانـي زي حـضـن الـبـتـول
وطـنـي النـقـيـض
لـي بـانـي أنـظـمـة الأفــول
وطـنـي الخـجـول بالعـافـي
فـي الزمـن المـريـض
كـل الـظـلال سـوداء
ونـوايـا الـنـخـل بـيـض
كـل الـعـروق خـضــراء
وحـبـال الـود وريــد
مـاهـي الدمــوم حـمـراء
وسـمـاحـة الـزول شـهـيـد
وطـنـي وكـفـى
وطـنـي الـمـعـاق إن حـر
ولا شـاطـر عـلـى قـيـد إنـكـفـى
وطـنـى الـبـغـنـي عـلـن
وأحـبـو بـلا خــفـا
وطـنـي الـعـديــل
الـفـقـري والـعـامـر وفــا
مـاهو الـيـصـلنـي.. واصــل حـفـا
مـا شـيـد الطــاغــوت جـدارات مـن جـفا
وطـنـي الـوطــن
وطـنـي وكـفـى
يـا مـبـدي بـي فـجـر الـمـسـيـح
مـخـتـوم بـمـسـرى الـمـصـطـفـى
يـا مـن تـرانـي ولا أراك
وأقـرب لـي مـن حـبـل الـوريــد
• اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين وشهداء الثورة، وتقبلهم في دار المقام كراماً فائزين.
• اللهم تقبَّل (كتاب) عبد الفتاح البشير الفحل الذي انتقل للرفيق الأعلى في هذه الأيام المباركة بيمينه قبولاً حسناً يجعله مع الشهداء والصديقين.
• ……..
• ترس اخير
• المشوار الذي يبدأ بالبطولات لا تقبل فيه غير (البطولات).
• بعد مجزرة فض الاعتصام يوم 29 رمضان حتى (العيد) لم يثبت – بعضهم فطر بعد 29 رمضان وبعضهم اكمل رمضان 30 يوما…ولا هذا ولا ذاك عرفوا طعم للعيد.

ريمونتادا

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد