صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

.500 يوماً مناصفة بين مناطق الجيش والدعم السريع (٤)

154

 

تجريم إنسان الجزيرة

أبوعاقله أماسا
* مرت أكثر من ثمانية أشهر من بداية الحرب، كانت فيها الجزيرة هي الملاذ الآمن لمعظم نازحي الخرطوم والهاربين من جحيم الحرب في أطرافها المستعرة، وكما ذكرت في حلقة سابقة أن مجرد التفكير في سقوط الولاية كانت فكرة غير مقبولة حتى بدأ الزحف إليها من شرق النيل والجميع يشهد على أنه كان هنالك تساهل واضح في رصد قوات الدعم السريع وهي تتجمع وتتحرك في محازاة خطوط أنابيب البترول، ولم يتعامل معها الطيران حتى أصبحت على تخوم مدني، وقد تابع كل السودانيين داخل وخارج المدينة كيف احتفل الجيش بعد إعلان دحر الغزاة شرق مدني وصدهم، وكيف نام مواطني مدني قريري العين في تلكم الليلة قبل أن يفاجأوا في اليوم التالي بأن مدينتهم تسقط وكأن أحداً قد سلم مفتاحها لقادة الدعم السريع، وكان تزاحم المواطنين للهرب إلى مناطق آمنة في المناقل غرباً وسنار وسنجة والدمازين جنوباً، وإلى القضارف وكسلا وبورتسودان وحلفا الجديدة شرقاً معاناة وحكايات تستحق لوحدها مجلدات لا تقل عما تستحقه الحرب، على الطريق الغربي بين الخرطوم- مدني لم يكلف الدعم السريع خزانته رصاصة واحدة إلا في مدينة أبوعشر، وكنا وقتها نشيع شقيقة البروفيسور حسن عثمان عبدالنور المدير الأسبق للغابات ووزارة الزراعة عندما أطلقوا الرصاص على جموع المصليين على أساس أنه كمين نصبه الجيش بحسب تفسير متحرك الدعم السريع، وقد استغربوا وتساءلوا كيف أن كل هذا العدد من الرجال خرجوا لتشييع شخص واحد..!!
* ما سبق من سرد مقتضب اتخذناه مقدمة للإستدلال على أن إنسان الجزيرة لا يد له في مسألة التمرد والحرب الدائرة، والحملة المنظمة الآن لشيطنة إنسان الولاية دليل آخر على أن الحكومة وقيادة الجيش والإستخبارات والقوات الأمنية لم تفلح في تقييم الموقف جيداً، وفي ذلك تنصل واضح من مسؤوليات حكومية عن الدور المنوط بها تجاه مواطن الولاية لتأمينه وحمايته، بل هنالك معلومات مهمة للغاية غائبة عن المركز لذلك جاءت فكرة الجهات الأمنية وتلك الممارسات والإتهامات التي ظلت تلاحق شباب الجزيرة في المعابر إلى الولايات التي يسيطر عليها الجيش، فقد تعرض عدد كبير من المواطنين للمضايقات على هذه المعابر بتهمة أن أهل الجزيرة إستقبلوا الدعم السريع واكرموه وزوجوهم.. وهذه المعلومات غير دقيقة، وليس من العقل أن تعاقب ملايين الناس بجريرة حفنة تعد على الأصابع.
* ولاية الجزيرة كانت مقصد الهجرات الأولى للاجئين من دول الجوار منذ منتصف الثمانينات والمجاعة الشهيرة، وكانت بعض الأسر تصل إلى الجزيرة وتقيم في أطراف المدن فنسأل أبناءها: من أين أتيتم؟.. فيقولوا: جئنا من تشاد..!!
* هؤلاء المهاجرين أنشأوا قرى وكنابي كثيرة جداً واستفادوا من الفوضى السياسية العارمة في مسألة التعامل مع الوجود الأجنبي على الأراضي السودانية فاستقروا وتملكوا، والآن عندما جاءت قوات الدعم السريع وجدوا من يناصرهم ويشكل لهم قاعدة صلبة وسند كبير فتزوجوا منهم.. بمعنى أن الرجل يتزوج بنت عمه.. أما مواطن الجزيرة الأصلي المقصود بهذه الحملة والشيطنة فهو بريء من التعاون.. أو بشكل أدق هنالك تضخيم لما يحدث وتأويل للتفاصيل، ونتيجة لذلك هنالك فتنة تتشكل الآن بين مواطن الجزيرة والولايات المجاورة بإعتبار أن هنالك حرب مقصودة ضد إنسان الجزيرة تهدف إلى حصاره وتجويعه، فبمثل ما مات المواطن برصاصات الدعم السريع، مات أيضاً بقرار منع الدواء من الولايات التي ينتشر فيها الدعم السريع، فليس هنالك مرضى سكري وضغط وقاوت وغيرها من الأمراض في أوساط جنود الدعم السريع، فالمرضى هم المواطنون من كبار السن ومنع الدواء يعني الحكم عليهم بالموت البطيء.. وكذلك قرار منع دخول المواد التموينية.. ففي هذا القرار أيضاً سوء تقدير واضح وجوانب تشير إلى الجهل بمعلومات مهمة نحو عدد سكان المناطق التي ينتشر فيها الدعم السريع، وعدد النازحين منها ومن تبقى منهم… وكم عدد القوات المتواجدة فيها؟.. إذ لا يعقل أن يصدر قرار بمنع السلع الغذائية عن منطقة فيها مليون مواطن و٢٠٠ فرد من الدعم السريع.. من تعاقب في هذه الحالة؟
* السؤال الأخطر هو: لماذا تفترض السلطات الأمنية أن ولاية الجزيرة برمتها تؤيد الدعم السريع وتتجاهل ملايين من أنصار الجيش.. الذين ينتظرونه بفارغ الصبر للإحتفال به… منهم من (نذر) بذبح ثور وآخر نذر أن ينحر الجمال حال إستعادة الجيش للولاية..!

 

 

نعود ونواصل

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد