صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خرتوم المجون وثورة المهدي الإمام..

518

في الهدف

أبوبكر عابدين

خرتوم المجون وثورة المهدي الإمام..

 

بطلب من صديقي العزيز الأستاذ سراج الدين مصطفى الصحفي الفني والمبدع للكتابة عن الفن والموسيقى، وبما إنني صحفي رياضي سياسي، فاخترت الكتابة عن تأريخ الفن والموسيقى خلال فترة التركية، وياليت القارئ يجد ما يفيد من خلال تلكم الحقبة.
* الخرتوم القديمة يعني ممكن تقول من١٨٥٠م وحتي ١٨٨٤م، كان مجتمعها مزيجاً غريباً من السكان وكانت مدينة شبه أوروبية، والمجتمع خليط من (السودانيين والمصريين والأتراك والأحباش والأوروبيين، مسلمين ومسيحيين ولادينيين).
*رغم كل ذلك التباين لم يؤثر ذلك سلباً في النفوس فعاشوا متحابين فالكل يحترم معتقد الآخر، حتى إن العوام ينادون الأب منتوري المسيحي(بأبونا الخواجة) ودكتور نوبلخر رئيس الكنيسة الكاثوليكية(بأبونا سليمان)، ولم يحدث أن أساء شخص إلى مشاعر المسلمين أو المسيحيين..
*مجتمع (الخرتوم) كان مزيجاً متبايناً في العادات والتقاليد وكنت ترى معرضاً للأزياء في الشارع حيث ترى زياً أفرنجياً مع الطربوش، وزياً تركياً قديماً بسروال واسع ملون، بينما يرتدي رجال البعثة الكاثوليكية القفطان الابيض المزرر من الجانبين وفوقه سترة طويلة سماوية بأكمام واسعة، أما القساوسة القبط فيرتدون القفطان والجبة والزعبوط، أما لباس الرأس فأكثر تبايناً وإختلافاً، فرجال البعثة الكاثوليكية يضعون فوق رؤسهم طربوشاً بزر أزرق حريري يبدل عند الزيارات بعمامة بيضاء، أما القساوسة القبط فغطاء رؤسهم دائماً العمامة، ولباس رأس الجنود الباشبوزق الطربوش المضلع، ولباس أهل البلد السودانيون فهو الجلباب والعمائم والتي هي أيضاً تختلف فمنها العمامة المصويك والسوداني والسورية والهندية والتركية والبخارية، وتختلف أيضاً أشكال اللحية بإختلاف الأجناس.
*المظهر العام خالي من الضوابط الإجتماعية والأخلاقية ولكل قيمه.
*تزدحم المنازل عامة بالجواري والرقيق، وينتشر البغاء بشكل كبير لامثيل له، وتجارة البغاء منتشرة تقوم على شراء بعض ذوي المال من جميع الطبقات والأجناس للجواري وحملهن على إحتراف البغاء أو الرقص والغناء على أن تدفع الجارية إلى سيدها مبلغاً معلوماً آخر الشهر.
*معظم المومسات يسكن في أحياء (سلامة الباشا جنوب الخرطوم وحي الترس مكان المقرن) وتعرف بيوتهم (بالأنداية) أو بيوت المريسة.
*يسير مع ذلك الرقص والغناء والموسيقى ومعظمهن من الأحباش والزنج والمصريين وقليل من السودانيين أهل البلد، وهن صغار السن وذوات جمال ملحوظ.
* (اللواط) في الخرتوم القديمة كان أكثر رواجاً من زنا الجواري على حد قول الرحالة (ليجان) فكنت تراهم في الأسواق مجموعة من المخنثين في ملابس النساء والكحل في عيونهم وخضاب الحنة في أياديهم وأرجلهم يقودهم رئيس منهم في العشرين من عمره قوياً ومن أسرة غنية معروفة، ونظراتهم السافلة هنا وهناك بحثاً عن صيد، ولم يكن المال في كثير من الأحيان الدافع إلى ذلك الفعل.
*الكابريهات وغناء العوالم إذ كانت ملامح ليالي الخرتوم تحييها مجموعة من العوالم جاءوا من مصر بعد أن طردهم عباس باشا فلجأوا إلى الخرتوم، وقد أفاض الرحالة والمكتشفون في وصف تلك الحفلات التي حضروها وفيها رقص وغناء وموسيقى وجنسيات مختلفة لها ملابسها وطريقة تصفيف الشعر إلى غير ذلك، وتتم دعوتهم لإحياء حفلات الزواج والولادة والطهور والترحيب بضيف قادم أو وداع مغادر وكذا المناسبات القومية، ويشترك جميع سكان الخرطوم من افقر فقير وحتي الحكمدار في الإستمتاع بهذه الحفلات الموسيقية الغنائية والرقص بأنواعه، وتعمل تلك الجماعات تحت رئاسة متعهد مختص بالنواحي المالية وعالمة أخرى مختصة بالناحية الفنية. وكانت الغوازي السودانيات يرقصن (بالرحط) والمصريات بالسترات الحريرية على أنغام الآلات الموسيقية ويقدمن الرقص بأنواعه المصري والتركي والأسباني والسوداني ولكل نوع ملبسه الخاص والمغنيات يغنين بالسوداني والحبشي والمصري.
*كل ماتقدم من حياة الفسوق والتفسخ والمجون كان غريباً عن المجتمع السوداني المحافظ مما كان سبباَ مباشراً في نجاح الثورة المهدية والإطاحة بحكم الإستعمار التركي المصري..
* وفي مقال آخر نفتح ملفات أخرى.. شكراَ صديقي سراج.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد